هل تحقق وسائل التواصل الاجتماعي العدالة لنساء باكستان؟
مقتل نور مقدم، أثار رد فعل قوي، في أوساط المجتمع المدني الباكستاني، الذي يمكن أن تكون له آثار مضاعفة على حقوق المرأة

ترجمات – السياق
أثارت عملية اغتيال "نور مقدم" وهي ابنة دبلوماسي سابق على يد ابن رجل أعمال شهير في إسلام أباد، ردود فعل لافتة على وسائل التواصل الاجتماعي في باكستان، وفتحت باب النقاش واسعًا أمام العنف تجاه نساء البلد الآسيوي.. فهل تحقق وسائل التواصل العدالة للنساء؟
وأوضحت ، مجلة فورين بوليسي الأمريكية -في تقرير- أن المتهم زاهر جعفر ووالديه المتهمين بالتورط في التستر على الجريمة، يقبعون في السجن في انتظار المحاكمة، بينما أثارت عملية القتل، موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ وجدت النساء -والعديد من الرجال أيضًا- متنفسًا للتعبير عن إحباطهم من العنف القائم على النوع الاجتماعي في باكستان.
محاكمة عاجلة
وكشفت "فورين بوليسي" عن تحويل قضية مقدم هذا الشهر إلى محكمة خاصة لاستعجالها، مشيرة إلى أن أدلة جديدة تظهر ضد جعفر وعائلته كل يوم تقريبًا، بما في ذلك تقرير للشرطة، يؤكد أن والديه كانا على عِلم بالقتل.
وأوضحت أنه، بينما نظم بعض أصدقاء الضحية احتجاجًا خارج المحكمة العليا في إسلام أباد الأسبوع الماضي، للمطالبة بالعدالة، فإن المحكمة تدرس ما إذا كانت ستفرج عن والدي جعفر بكفالة، بعد أن تم رفض التماسهما مؤخرًا.
في غضون ذلك، يواجه جعفر وعائلته محاكمة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أوضح نشطاء أنه لن يتم التسامح مع نتيجة قانونية غير عادلة، وفقًا للمجلة.
وأشارت، إلى أن مقتل نور مقدم، أثار رد فعل قوي، في أوساط المجتمع المدني الباكستاني، الذي يمكن أن تكون له آثار مضاعفة على حقوق المرأة، موضحة أنه عام 2018، دعمت حركة MeToo بعض التغيير في باكستان، لكن دعاوى التشهير ضد الضحايا أوقفت تقدُّمها، بينما حفَّزت قضية مقدم حركة نسوية مماثلة، مع دعوة أوسع للعدالة الاجتماعية.
حوادث مشابهة
أدى مقتل مقدم، إلى تسليط الضوء على حوادث أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي في باكستان، ببعض الحملات التي تدافع عن حقوق المرأة في باكستان، ومنها حملة justicefornoor على (إنستجرام)، التي نظمتها زهرة حيدر، وهي ناشطة نسوية وصديقة عائلة مقدم، نجحت في أن تكون منصة للنساء لاستدعاء الإساءات التي تعرَّضن لها على أيدي رجال أقوياء، كما تستغلها عائلة مقدم وفريقهم القانوني، في نشر التفاصيل الجديدة للقضية.
وذكرت المجلة الأمريكية، أن مقتل مقدم يشير إلى أن النساء لسن بأمان في أي مكان بباكستان، موضحة أن القضية تختلف عن العديد من حوادث العنف ضد الباكستانيات، من حيث إنها وقعت في حي راقٍ في العاصمة، وكان الجاني والضحية من خلفيات نخبوية، وأنها جريمة وحشية بشكل غير مسبوق، إذ تم قطع رأس مقدم، وأكد تشريح الجثة أنها تعرَّضت للاغتصاب والتعذيب قبل وفاتها، وهي العوامل التي منحت للقضية زخمًا أكبر في ما يخص المطالبة بسرعة تنفيذ العدالة.
ومن العوامل التي لفتت انتباه الرأي العام الباكستاني ثراء الضحية، إذ أنها لم تكن كسابقاتها من الضحايا، فكما هو معتاد يقتل ثري فقيرة كانت تدافع عن شرفها.
ونقلت المجلة الأمريكية عن نيغات داد، مؤسس مؤسسة الحقوق الرقمية الباكستانية، قوله: "إن الجاني رجل ثري ومتعلم، والقتيلة ابنة دبلوماسي سابق، وهو ما أثار نقاشات داخل المجتمع المدني والمجتمع".
وقالت "فورين بوليسي": رغم أن القانون والنظام قد يسودان بالنسبة للمرأة من الطبقة العليا في باكستان، فإن النساء في شرائح المجتمع الأخرى، نادراً ما يتلقين الاستجابة نفسها، لا سيما في المناطق الريفية، مشيرة إلى أنه من المثير للدهشة أن قضية اغتيال نور، فتحت باب النقاش عن الاختلاط في المدارس، وأشكال سلامة المرأة.
عنف متوطن
وأكدت المجلة الأمريكية، أن العنف ضد المرأة متوطن في باكستان، مشيرة إلى أنه في أحدث تقرير عالمي، عن الفجوة بين الجنسين صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، احتلت البلاد المرتبة 153 من 156 دولة.
ووجد تقرير حديث لـ "هيومن رايتس ووتش" أن حوادث العنف المنزلي زادت 200% العام الماضي، وتفاقمت بعد عمليات الإغلاق الناجمة عن كورونا في مارس 2020، مشددة على أن العديد من حالات التحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، لا يتم الإبلاغ عنها.
وفي يوليو الماضي، أقر مجلس الشيوخ الباكستاني، مشروع قانون للعنف الأسري، لتطبيقه داخل إسلام أباد، وحدد العنف المنزلي ليشمل الإساءة العاطفية واللفظية والنفسية.
وترى المجلة الأمريكية، أن مشروع القانون سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام، لكنه عالق في مأزق قانوني، إذ تم التراجع عن التشريع عندما أرسله مستشار رئيس الوزراء للشؤون البرلمانية، إلى مجلس الفكر الإسلامي لمراجعته، وذلك بعدما جادل بعض النقاد، بأن مشروع القانون "مؤامرة لتدمير مؤسسة الأسرة في باكستان".
وصمة العار
أوضحت "فورين بوليسي" أن أحد العوامل الرئيسة، في عدم الإبلاغ عن الانتهاكات في باكستان، وصمة العار المرتبطة بها، إذ تشعر اللاتي تعرَّضن للعنف المنزلي، بالخوف من متابعة القضية، مشيرة إلى أن العائلات تعزز أحيانًا هذا الصمت، بينما يكون لوم الضحية أمرًا شائعًا.
وأضافت: من الممكن أن تتفاقم هذه الحالة بسبب الطبقة الاجتماعية، وقالت زهرة حيدر: إن الباكستانيين من طبقة النخبة يعدون أنفسهم فوق القانون، ومن ثم يمكن للسلطة والمكانة والمال، أن تسمح للناس بتجنُّب عواقب الجرائم المزعومة.
وذكرت المجلة، أن تحقيق العدالة في باكستان، لا يزال حلمًا بعيد المنال، لمعظم الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، إذ تقول منظمة الحرب ضد الاغتصاب غير الحكومية، إن أقل من 3 في المئة من حالات الاعتداء الجنسي والاغتصاب، يتم تنفيذ الحكم فيها على المدانين.
وأوضحت أنه عام 2016 تعرَّضت طالبة القانون آنذاك خديجة صديقي للطعن على يد ابن محامٍ نافذ، مشيرة إلى أنه رغم إدانة مهاجمها، فإنه أطلق سراحه من السجن، قبل أن يكمل عقوبته البالغة خمس سنوات، وقالت صديقي للمجلة: "هناك نقص في المساءلة عندما ينتمي الجاني إلى الطبقة المتميزة".
فبعد أسابيع من مقتل مقدم، لا يزال الناس ينشرون بيانات تضامن، ويتعهدون بمواصلة النضال من أجل العدالة و"الوقوف ضد الأصوات التي تريد إسكاتهم".
وأشارت المجلة، إلى أن مقتل مقدم أثار ثورة على الإنترنت، ما اضطر القيادة السياسية الباكستانية لأن تولي اهتمامًا بالأمر، مشيرة إلى قضية وقعت في أغسطس، أثارت الرأي العام أيضًا، هي قضية الاعتداء على سيدة تدعى عائشة أكرم، أثناء تصويرها بعض حلقات لتطبيق تيك توك.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه تم تسجيل الاعتداء بالفيديو، ما جذب اهتمام الناس على مواقع التواصل، ووصل الأمر حد تنديد رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بما حدث، قائلًا إنه "يخجل ويتألم".
ورغم ذلك -تضيف المجلة- بدا من الواضح أن الافتقار إلى الإرادة السياسية، في متابعة مثل هذه القضايا واضح، ورغم اعتقال السلطات 104 أشخاص في قضية أكرم، فإنه تم إطلاق سراح 98 مشتبهًا بسبب نقص الأدلة.
ونقلت المجلة عن نيغات داد، الناشط في مجال الحقوق الرقمية، إن المسؤولين يعرفون الآن كيفية التعامل مع الضغط على الإنترنت وتهدئة الجمهور، لكن القوانين لا تزال غير مطبقة على المستوى الهيكلي.
وذكرت المجلة، أن الغضب على الإنترنت بشأن مقتل مقدم، يكشف في النهاية الثغرات الموجودة في نظام العدالة الباكستاني، والأنماط المنهجية للقمع ضد المرأة، مشيرة إلى أن هناك قوة شرطة غير فعالة، وقوانين محدودة ضد العنف المنزلي، وعدم اتخاذ إجراءات من جانب كبار المسؤولين.
ورغم أن المجلة توقعت تنفيذ العدالة في النهاية، في ما يخص قضية مقدم، فإن بعض النشطاء يشككون، في ما إذا كان الحكم سيؤثر في تغيير أوسع للنساء في جميع أنحاء باكستان.
وقالت صديقي ردًا على ذلك: "لا يمتلك كل شخص الوسائل أو الشبكة الداعمة لإعداد قضية ناجحة، لذلك قد ينتهي المطاف بالعديد من هذه القضايا، إلى حل وسط، لا يمثل عامل ردع في المجتمع".