أحلام لم تتحقق... قصة مغنية أفغانية هجرت بلادها خوفًا من طالبان وحبًا للموسيقى

انفجرت بالبكاء، على أوضاعها وأوضاع وطنها الذي تركته جبرًا إلى مكان جديد خارج أفغانستان، هربًا من حركة طالبان المسلحة.

أحلام لم تتحقق... قصة مغنية أفغانية هجرت بلادها خوفًا من طالبان وحبًا للموسيقى
المطربة الأفغانية عائشة خان

السياق

تاركة وراءها أحلامًا لم تتحقق، فارة من حُكم طالبان الوحشي بعد سيطرة الحركة المسلحة على أفغانستان، ملامح قصة حزينة لمغنية أفغانية هجرت وطنها، الذي استوطنه مسلحون فارضين إجراءات قاسية على سكانه.

فعلى سجادة بنية اللون وتحت ألحان أنغام الأرغن، شدت عائشة خان بصوتها العذب، إلا أنها انفجرت بالبكاء، على أوضاعها وأوضاع وطنها الذي تركته جبرًا إلى مكان جديد خارج أفغانستان، هربًا من حركة طالبان المسلحة.

من منزل خاص بها في العاصمة كابل، إلى شقة من غرفة نوم واحدة في مكان خارج أفغانستان، حال تبدل فجأة مع اعتلاء حركة طالبان سدة الحكم، وفرضها حالة من الرهاب على النساء.

إلا أن ما دفع عائشة خان إلى الفرار من أفغانستان، ليس لأنها لا ترتدي الحجاب أو لا تغطي نفسها، بل إنها «اضطررت إلى مغادرة البلاد لأنها امرأة ومغنية»، بينما تحرم طالبان -وفقًا لفهمها المتشدد للإسلام- الموسيقى ومعظم أشكال التعبير الفني، باستثناء ما ينطوي على طبيعة دينية.

رحلة خطرة

عائشة التي فرت من أفغانستان بحقيبة ملابسها، مقررة مواجهة رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الحدود، تقول في تصريحات لـ«بي بي سي»: «أجبرتنا طالبان على ترك مهنتنا، قد يصعب أن تكوني أفغانية هذه الأيام، بيد أن تكوني مغنية فهذا أمر لا تحتمله طالبان».

فعائشة التي بدأ ظهورها في برنامج المواهب «أفغان ستار» عام 2018، وصعدت سلم الشهرة سريعًا، كانت تدرس الموسيقى في كابل خلال العامين الماضيين، ولديها موهبة خاصة في الغناء.

تقول عائشة إنها لا تستطيع الابتعاد عن الموسيقى، مشيرة إلى أنها «بذلت قصارى جهدها، ليلًا ونهارًا، لأنها تحب الموسيقى ولا تستطيع تركها».

فـ«الموسيقى بالنسبة لي وسيلة للتعبير عن هويتك وثقافتك، وبصفتي امرأة، يصعب الحديث عما نشعر به، لكن يمكننا ذلك من خلال الموسيقى، لأن الجميع يحبون الموسيقى»، بحسب عائشة التي تقول إن حلمها بأن تصبح مغنية كان عقبة أمام علاقتها بأسرتها.

وتضيف عائشة: «كنت طالبة في كلية الحقوق، ألحقنا والدي بمدارس وكليات جيدة، لكنه أراد أن يجعلني محامية، وهي مهنة لا أهتم بها»، مشيرة إلى أنها «واجهت العديد من الصعوبات والتحديات في اختيار الموسيقى كمهنة».

رحلة عائشة الفنية

موهبة عائشة في المدرسة، برزت عندما كانت تلقي الأناشيد والمدائح النبوية، وبينما تحمس معلموها لموهبتها، لم تحظ بالتقدير في المنزل، قائلة: «أنتمي إلى عائلة محافظة دينيًا، حيث لا يوجد اهتمام بالموسيقى».

وأشارت إلى أنها عندما رُشحت قبل بضع سنوات، على قائمة أبرز المنافسات لبرنامج «أفغان ستار»، غادرت منزلها وذهبت للعيش في فندق صغير، لأن أسرتها لن توافق على مشاركتها في البرنامج.

وتقول الفتاة الأفغانية: «حظيت مسابقات أفغان ستار بشعبية كبيرة في البلاد(..) كنت أعلم أن أسرتي لن تسمح بمشاركتي، إذا طلبت منهم الإذن بذلك».

صعوبات وتهديدات

صعوبات وتهديدات كثيرة، تواجهها النساء في أفغانستان، تقول عنها عائشة إنها تعاني أرقًا وقلقًا على صديقاتها منذ أن ساءت الأوضاع، في أعقاب استيلاء طالبان على السُّلطة.

وأضافت: «إجراء مقابلات خاصة ليس قرارًا سهلًا في الوضع الراهن، لكنني أريد التحدُّث باسم جميع أصدقائي والفنانين الآخرين، الذين يعيشون في أفغانستان تحت التهديد»، موجهة رسالة إلى حركة طالبان، قائلة فيها: «أفغانستان ملك لكل الأفغان».

فـ«أفغانستان لا تخص طالبان وحدها، بل يجب السماح للمرأة بأن تعيش باحترام وكرامة وتتمتع بحقوقها الأساسية»، تقول عائشة: «بكل بساطة، على العالم مساعدتنا في استعادة حريتنا».

قيود جديدة

وفرضت حركة طالبان قيودًا جديدة على النساء في أفغانستان، في مخالفة واضحة للتعهدات التي تتنصل منها يومًا بعد الآخر، ما دفع أفغانيات إلى الخروج يوم الجمعة في تظاهرات، رافعات شعار المعارضة، غير عابئات بأي إجراءات قد تتخذها الحركة المسلحة تجاههن.

وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام محلية عشرات النساء، يتظاهرن أمام وزارة شؤون المرأة في العاصمة الأفغانية كابل، التي ألغتها حركة طالبان، وهن يرددن: «حقوق المرأة وحقوق الإنسان».

وبحسب وكالة أسوشتيد برس، فإن حركة طالبان أغلقت طالبان يوم الجمعة وزارة شؤون المرأة، واستبدلتها بوزارة «لنشر الفضيلة ومنع الرذيلة» وكلفتها بتطبيق الشريعة الإسلامية.

بقاء النساء في منازلهن

من جانبه، قال العمدة المؤقت لعاصمة أفغانستان إنه طُلب من الموظفات في حكومة مدينة كابل البقاء في المنزل، مع السماح بالعمل فقط لأولئك الذين لا يمكن استبدالهم برجال، ما أثار حفيظة النساء.

ونظمت أكثر من اثنتي عشرة امرأة احتجاجًا خارج وزارة شؤون المرأة، ورفعن لافتات تدعو إلى مشاركة المرأة في الحياة العامة، كُتب على إحداها: «المجتمع الذي لا تنشط فيه النساء مجتمع ميت».

وقالت مرزية أحمدي، الناشطة الحقوقية والموظفة الحكومية التي أُجبرت على الجلوس في المنزل، إنها ستطالب طالبان بإعادة فتح الأماكن العامة للنساء، مضيفة: «هذا حقنا(..) نريد التحدُّث إليهم، نريد أن نقول لهم إننا نتمتع بالحقوق التي يتمتعون بها».

مغادرة أفغانستان

وبينما قالت أغلبية المشاركات إنهن سيحاولن مغادرة البلاد إذا سنحت لهن الفرصة، عقد عمدة كابل المؤقت حمد الله ناموني أول مؤتمر صحفي له منذ تعيينه من قبل طالبان، قائلًا، إنه قبل استيلاء طالبان على السُّلطة الشهر الماضي، كانت النساء أقل بقليل من ثلث ما يقرب من 3000 موظف في المدينة، وقد عملن في جميع الأقسام.

وأشار مسؤول طالبان، إلى أن الموظفات أُمرن بالبقاء في المنزل في انتظار قرار آخر، مؤكدًا أنه تم اتخاذ إجراء استثناءات للاتي لا يمكن استبدالهن بالرجال، بما في ذلك بعض أقسام التصميم والهندسة وقابلات المراحيض العامة للنساء.

تفسير متشدد

ويعد قرار منع معظم العاملات في المدينة من العودة إلى وظائفهن، علامة أخرى على أن حركة طالبان، التي اجتاحت كابل الشهر الماضي، تفرض تفسيرها المتشدد للإسلام رغم الوعود الأولية من البعض بأنها ستكون متسامحة وشاملة، ما أعاد للأذهان سياساتها في التسعينيات، التي منعت فيها الفتيات والنساء من المدارس والوظائف والحياة العامة.

وفي الأيام الأخيرة، أصدرت حكومة طالبان الجديدة قرارات عدة، تقضي على حقوق الفتيات والنساء، وأخبرت طالبات المدارس الإعدادية والثانوية بأنهن لا يمكنهن العودة إلى المدرسة في الوقت الحالي، بينما استأنف الأولاد في تلك الصفوف دراستهم نهاية هذا الأسبوع.

وأبلغت طالبات الجامعة بأن الدراسات ستكون في أماكن تفصل بين الجنسين من الآن فصاعدًا، وأنه يجب عليهن الالتزام بقواعد اللباس الإسلامية الصارمة، على عكس الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة المخلوعة من طالبان، التي كانت الدراسة الجامعية مختلطة، في معظمها.