هل تدفع الثمن أم تنجح؟.. العالم يترقَّب نتائج تجربة بريطانيا ضد كورونا

أنهت بريطانيا، القيود الصحية المرتبطة بكورونا، بشكل شِبه كامل، في ما أطلقت عليه يوم الحرية، رغم ارتفاع عدد الإصابات، الذي يثير قلق العلماء والمسؤولين.

هل تدفع الثمن أم تنجح؟.. العالم يترقَّب نتائج تجربة بريطانيا ضد كورونا

ترجمات - السياق

تقترب المعركة بين اللقاحات ومتحور دلتا –شديد العدوى- من ذروتها في المملكة المتحدة، بينما يراقب بقية العالم التجربة البريطانية عن كثب، ليرى ما إذا كان من الممكن، للاقتصادات المتقدِّمة ذات معدلات التطعيم العالية، أن تتمتع بشيء من حياة ما قبل الجائحة أم لا، خاصة مع اكتشاف نسخ سريعة الانتشار للفيروس.

وأنهت بريطانيا، القيود الصحية المرتبطة بكورونا، بشكل شِبه كامل، في ما أطلقت عليه "يوم الحرية"، رغم ارتفاع عدد الإصابات، الذي يثير قلق العلماء والمسؤولين.

 

مرض موسمي

وينتظر العالم من التجربة البريطانية، أن تمنح إشارة قوية، إلى ما إذا كان من الممكن، تقليص خطر كورونا إلى حالة الخطر الموسمي، الذي يمكن التحكُّم فيه مثل الإنفلونزا، وهل يمكن التراجع عن إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي، بحسب مقال لمراسل "وول ستريت جورنال" في لندن، جاسون دوجلاس.

بعد رفع قيود كورونا، قال رئيس الوزراء بوريس جونسون، إنه يريد من البريطانيين، أن يحكموا بأنفسهم، على ما إذا كانوا بحاجة إلى ارتداء الكمامات، أو التصرُّف بمزيد من الحرية، وحضور المناسبات المختلفة من دون خوف.

لكن هذا التحول، يأتي مع ارتفاع عدد الحالات، إذ تسجِّل المملكة المتحدة ما يقرب من 50000 حالة يومية ، أكثر من المبلَّغ عنها في البرازيل أو الهند أو إندونيسيا أو جنوب إفريقيا، بينما تبرِّر الحكومة قراراتها، بالإشارة إلى معدلات الاستشفاء والوفيات، التي تقل كثيرًا عمّا كانت عليه، في موجات الوباء السابقة.

وعن ضرورة العودة إلى الحياة الطبيعية رغم كل هذه المخاطر، قال جونسون: «يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا... إذا لم نتمكن من إعادة فتح مجتمعنا، في الأسابيع القليلة المقبلة، مستفيدين من حلول الصيف والعطلة المدرسية، فعلينا أن نسأل أنفسنا: متى نتمكَّن من العودة إلى الوضع الطبيعي؟".

 

خلافات

وقال الكاتب، إن استراتيجية المملكة المتحدة الجديدة، وضعتها على خلاف مع جيرانها في أوروبا ، وأجزاء من الولايات المتحدة، ودول أخرى عالية التطعيم مثل إسرائيل، إذ تسير عمليات إطلاق اللقاح جنبًا إلى جنب، مع تشديد بعض تدابير الصحة العامة، مثل ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي، لوقف انتشار متغير دلتا.

تجربة المملكة المتحدة، في التعامل مع كورونا، أثارت اهتمام العالم، إذ تنتظر دول عدة، ما تؤول إليه التجربة، لتعميمها أو الابتعاد عنها.

 وعن هذا الاتجاه، يقول ران باليسر رئيس لجنة الخبراء الوطنية الإسرائيلية، إنه يوصي حكومة إسرائيل، باتخاذ نهج حذر خلال الأسابيع المقبلة، لمعرفة ما سيحدث في المملكة المتحدة.

وأضاف، في مقابلة مع راديو الجيش الإسرائيلي: "سنكون قادرين على تعلُّم الدروس من المملكة المتحدة، والتصرُّف وفقًا لذلك".

المستثمرون، الذين يُعَدُّون الأكثر تضرُّرًا من الجائحة، يتابعون من كثب أيضًا التجربة البريطانية، وعن ذلك يقول جيم ريد، الخبير الاستراتيجي في دويتشه بنك لندن: إذا استقرت الحالات في المملكة المتحدة، خلال الأسابيع المقبلة، من دون أن تغرق المستشفيات بالمصابين، فإن ذلك يشير إلى أن تعافي العالم المتقدِّم أصبح قريبًا، أما إذا فشلت بريطانيا، فإن العالم سيعيش عزلة طويلة".

ففي أوروبا، تتمثَّل الأولوية في تعزيز تغطية التطعيم بشكل عاجل، مع محاولة إبقاء دلتا تحت السيطرة، من خلال ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي، إذ نفَّذت فرنسا وإيطاليا برامج تجعل التطعيم شرطًا إلزاميًا، لدخول الأماكن العامة، مثل المتاحف والمطاعم وبعض وسائل المواصلات.

بينما جعلت روسيا، في 41 منطقة على الأقل، بما في ذلك العاصمة موسكو، التطعيم إلزاميًا لموظفي قطاع الخدمات، مثل العاملين في المطاعم والحانات، ووسائل النقل والمحلات التجارية، والإسكان والخدمات المجتمعية، والتعليم وصناعة الترفيه.

 

مناعة القطيع

مع اقتراب فصل الصيف، يعتقد جونسون ومستشاروه العلميون، أن التطعيم المستمر والتعافي من العدوى، يجب أن يُقرِّبا المملكة المتحدة من نقطة مناعة القطيع، عندما لا يعود الفيروس قادرًا على الانتشار بسهولة كافية، لإحداث تفشٍّ كبير في المستقبل، بحسب كاتب المقال.

لكن قوبلت الخُطة بانتقادات من خبراء الصحة العامة، سواء في المملكة المتحدة أو على الصعيد الدولي، فقد وقَّع العشرات رسائل إلى المجلات الطبية الدولية، وشاركوا في مؤتمرات عبر الإنترنت، لشجب الاستراتيجية البريطانية، باعتبارها متهوِّرة وغير أخلاقية، بل وصل الأمر حد اتهام الحكومة البريطانية، بتعريض المواطنين للمرض من دون داعٍ، وإذكاء مخاطر ظهور متغيرات جديدة، يمكنها التهرُّب من دفاعات اللقاح.

ويقول البروفيسور هندريك ستريك، عالم الفيروسات بجامعة بون: "أعتقد أنها تجربة خطيرة إلى حد ما".

بينما تقول حكومة المملكة المتحدة، في سياق دفاعها عن استراتيجيتها: إن التطعيم يساعد في تقليل الإصابات، ما يعني مساحة لتقليل الضوابط القانونية المرهقة على الاقتصاد والمجتمع.

ويبلغ متوسط حالات الدخول اليومية إلى المستشفيات حاليًا نحو 600 في بريطانيا، والوفيات اليومية نحو 40، بينما في يناير، وهي الفترة الأكثر انتشارًا للوباء في بريطانيا، بلغت الحالات اليومية ذروتها عند 60 ألفًا ، ووصلت حالات دخول المستشفيات إلى 4000 شخص يوميًا ، وكان أكثر من 1200 شخص يموتون كل يوم.

ونقل مراسل "وول ستريت جورنال"، عن أطباء قولهم: إن أغلبية المصابين الآن، من الشباب الذين لم يتم تطعيمهم، أو الذين ينتظرون جرعتهم الثانية، بينما نحو 14% من المصابين الجددد -وفقًا لأحدث البيانات- في الخمسينيات من العمر، الذين تم تطعيمهم، وهذا تذكير بأنه حتى بعد التطعيم، يستمر كبار السن في تحمُّل مخاطر كبيرة من كورونا.

 

كيف تتعامل المملكة المتحدة مع "دلتا"؟

بلغ متوسط الحالات الجديدة في المملكة المتحدة، خلال سبعة أيام 47700، أي ضعف العدد المبلغ عنه نهاية يونيو، و14 ضعف متوسط الحالات اليومية نهاية مايو الماضي، ما دفع وزير الصحة، ساجد جافيد، للتحذير من أن عدد الحالات قد يزيد على 100000 حالة يوميًا، في غضون أسابيع.

وهنا يقول ديفيد سترين، الطبيب والمدرس في كلية الطب بجامعة إكستر في إنجلترا، الذي يعالج مرضى كورونا، إنه وضع مريضًا في أوائل الثلاثينيات من عمره، في العناية المركزة هذا الأسبوع، وليس متأكدًا مما إذا كان سينجو.

وفي مذكرة طبية قال هو وزملاؤه، إنه يجب توقُّع 250 إلى 300 وفاة يوميًا، في ذروة الموجة الحالية.

وتابع: "أنا متوتر بشأن نهج المملكة المتحدة الحالي... نحن نعتمد على اللقاح لإنقاذنا، واللقاح وحده ليس بالقوة الكافية."

أقر بعض خبراء الأمراض، بمخاطر استراتيجية المملكة المتحدة، لكن الحاجة باتت أيضًا أكبر، لإيجاد توازن أفضل بين الحفاظ على الاقتصاد مفتوحًا وحماية الصحة العامة.

وتقول إيرين بيترسن، أستاذة علم الأوبئة والمعلوماتية الصحية في يونيفرسيتي كوليدج لندن: "لا أعتقد أن أي شخص سيقول حقًا إن هذا صحيح تمامًا أو خاطئ تمامًا".

وأضافت أنه في المراحل السابقة للوباء، كان ارتفاع الحالات يعني تشديد القيود وليس تخفيفها، وذلك يعني أن ما سيحدث بعد ذلك غير مؤكد إلى حد كبير، وسيعتمد جزئيًا على مدى التزام البريطانيين طواعية باحتياطات الصحة العامة، والحد من اتصالهم بالآخرين.