بعد أزمة أفغانستان... أمريكا لا يمكنها الادعاء بأنها زعيمة العالم الحر

مع انسحاب الولايات المتحدة، وعدم وجود إجماع أوروبي على ملء هذا الفراغ، فإن إنشاء أنظمة حُكم على شكل الديمقراطيات الليبرالية الغربية لم يعد منطقيًا.

بعد أزمة أفغانستان... أمريكا لا يمكنها الادعاء بأنها زعيمة العالم الحر

ترجمات – السياق

مع انسحاب آخر جندي أمريكي من أفغانستان، ودخول طالبان مطار حامد كرزاي الدولي، كان الكثيرون في العالم العربي يتابعون باهتمام، ويتساءلون عمّا إذا كان يمكن رؤية مشاهد مماثلة يومًا ما في مطار بغداد الدولي، أو في أي مكان آخر بالمنطقة.

وذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية -في تقرير- أن باراك أوباما نجح في انتخابات عام 2008 بعدما رفع شعار "إنهاء الحرب في العراق" ضمن برنامجه الانتخابي، إذ كان الدعم المحلي الشعبي لإنهاء المشاركة العسكرية الخارجية، قوة دافعة للسياسيين الأمريكيين حينها.

وقال التقرير: رغم أن أوباما كان قادرًا على إعلان نهاية حرب العراق عام 2011، فإنه عام 2014 كان أيضًا القائد الأعلى الذي أمر بتدخل عسكري أمريكي جديد، أطلق عليه عملية (العزم الصلب)، بدعوى هزيمة تنظيم داعش هناك.

وأضاف التقرير، أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وخليفته، جو بايدن، قررا الحفاظ على وجود عسكري لنحو 2500 جندي في أفغانستان، وتوفير غطاء جوي أساسي ومعلومات استخباراتية للجيش الأفغاني، بينما الآن لم يعد دعم الحكومة الأفغانية ضروريًا، لتلبية مصالح الأمن القومي الأمريكي، لذلك عملت إداراتاهما على الانسحاب من البلاد، ما كان له أثر سيئ، إذ إنه في 26 أغسطس المنصرم، شن تنظيم داعش -في أفغانستان- واحدة من أقوى هجماته، ما أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصًا، بينهم 13 جنديًا أمريكيًا.

 

انسحاب مؤسف

وذكر التقرير، أن العالم العربي شهد التداعيات الكارثية للطريقة التي تم بها تنفيذ الانسحاب الأمريكي بشكل مؤسف، ليس هذا فحسب بل شارك عدد من الدول العربية بشكل مباشر في جهود الإجلاء، إذ تستضيف الإمارات العربية المتحدة -بشكل مؤقَّت- ما يقرب من 9000 أفغاني، حتى تتم إعادة توطينهم في بلدان ثالثة، بينما كانت الكويت والبحرين وقطر نقاط عبور مهمة للذين تم إجلاؤهم، بينما استقبل العراق عددًا صغيرًا من الطلاب الأفغان.

وشدَّد التقرير على أن هناك فهمًا بين صانعي السياسة في الشرق الأوسط، بأن الولايات المتحدة لم تعد تستثمر في الحفاظ على الاستقرار في الخارج، ما لم تتأثَّر مصالحها الوطنية المحدَّدة بدقة.

فبينما كان العالم مصدومًا من طريقة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تحدث بايدن عن الأزمة الإنسانية التي أعقبت ذلك، مصممًا على أن قراره بالانسحاب كان صائبًا.

وقال بايدن: "مصلحتنا الوطنية الحيوية الوحيدة في أفغانستان، لا تزال حتى اليوم كما كانت، هي منع هجوم إرهابي على الوطن الأمريكي... لقد جادلت سنوات عدة، أن مهمتنا يجب أن تركز بشكل ضيق على مكافحة الإرهاب، وليس مكافحة التمرُّد أو بناء الدولة".

وأوضح التقرير، أن هذه الرسالة سُمعت بصوت عالٍ وواضح في العالم العربي، خصوصًا في ليبيا واليمن، حيث تستمر الصراعات، بينما كانت واشنطن منقطعة عن المشاركة لعدد من السنوات، ومع ذلك، فإن فك الارتباط أصبح سياسة رسمية في الولايات المتحدة.

وأضاف التقرير، أنه لا يمكن أن تقتصر مكافحة الإرهاب على استهداف الإرهابيين، من خلال ضربات الطائرات من دون طيار، فعلى مدى عقود، جادل مسؤولو وخبراء مكافحة الإرهاب، بأن المنظمات الإرهابية تزدهر في مناطق خالية من الحُكم أو في مجتمعات يسودها شعور أكبر بالظلم، مشيراً إلى أن سوريا والعراق مثالان على كيفية تمكن تنظيم داعش، من ترسيخ نفسه، بسبب إخفاقات الحكومة الداخلية، وعدم اهتمام الولايات المتحدة بمعالجة القضايا الأساسية في البلدين، وظهر ذلك بعد التدخل الأولي للولايات المتحدة، في تشكيل النظام العراقي بعد عام 2003، ودعم المعارضة السورية بعد عام 2011.

 

الغياب السياسي لواشنطن

 

ورأى التقرير، أن حلفاء واشنطن وأعداءها في الشرق الأوسط، بدأوا يلاحظون عدم اهتمام الولايات المتحدة، بمعالجة القضايا الأساسية في المنطقة، وبدا ذلك أكثر من خلال تهديد الجماعات الإرهابية مثل تنظيم داعش، إلى الميليشيات المسلحة مثل حزب الله والحوثيين، إذ لم يعد بإمكان حلفاء الولايات المتحدة، الاعتماد على واشنطن، لمواجهة هذه الأمور.

وأشار التقرير، إلى أنه بينما يشكك المسؤولون الأمريكيون، في خيارات بعض البلدان العربية مع الصين، يجب أن يفهموا أن بكين تأتي كشريك أكثر موثوقية بالطريقة نفسها، التي أثبتت بها روسيا أنها شريك أكثر موثوقية للرئيس السوري بشار الأسد، ما يضمن بقاءه.

وأوضح التقرير، أن الغياب الأمريكي عن قمة بغداد بشأن التعاون الدولي في 28 أغسطس المنصرم، التي ضمت أبرز قادة المنطقة، سلَّط الضوء على الغياب السياسي لواشنطن عن المنطقة.

وقال التقرير: مع انسحاب الولايات المتحدة، وعدم وجود إجماع أوروبي على ملء هذا الفراغ، فإن إنشاء أنظمة حُكم على شكل الديمقراطيات الليبرالية الغربية لم يعد منطقيًا، مضيفاً أنه بعد عقدين من الترويج للديمقراطية كنظام حُكم رائد، فإن وِجهة النظر في الشرق الأوسط، هي أن الولايات المتحدة تخلَّت عن هذا الموقف الخطابي.

 

أزمات ثقة

 

واستدل التقرير بعدد من الأمثلة في العالم العربي، على أزمة الثقة مع الولايات المتحدة، وبدأ بتونس، فقال إنه بينما جذب سقوط أفغانستان انتباه العالم، حدث تغيير رئيس في حكومة تونس، فبعد أشهر من التعامل الفاشل مع كورونا، وسنوات من الفساد وشكاوى الحوكمة الضعيفة، أقال الرئيس التونسي قيس سعيد الحكومة وعلَّق البرلمان.

وقال التقرير: رغم وجود دعم شعبي واسع لسعيد، الذي تم التصويت له بأكثر من 70 في المئة من الأصوات، فإن المسؤولين الأمريكيين يطالبونه بإعادة البرلمان، من دون الكثير من المساءلة عن تصرفات الهيئة التشريعية.

ووصف التقرير الأمر بـ"المتناقض"، فبينما تجري الحكومة الأمريكية محادثات مع طالبان، فإنها تصدر بيانات تطالب الرئيس التونسي -المنتخب ديمقراطيًا- بالالتزام بنسخة الحُكم المفضَّلة لواشنطن.

وقال التقرير، إن الأمر يُنظر إليه على أنه معيار مزدوج صارخ، إذ لا يمكن للمسؤولين الأمريكيين الادّعاء بسُلطة أخلاقية في العالم العربي، بينما يقفون في وجه مستقيم، ويعلنون أن المشاهد حول مطار كابل لها ما يبرِّرها.

وأوضح أنه كانت هناك شكوك عربية في إدارة بايدن، بسبب السجلات السابقة لمسؤوليها مع ملفات المنطقة، ومن ذلك دافع بايدن أثناء وجوده كسناتور عن تقسيم العراق عام 2006، والدور الكبير الذي لعبه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، في رفض إدارة أوباما للتدخل في سوريا، بعد أن استخدم النظام أسلحة كيماوية عام 2013.

 

دور الإرهاب

وأضاف تقرير المجلة الأمريكية، أنه خلال تلك السنوات، كان المتطرفون في جميع أنحاء المنطقة أكثر جرأة، إذ استولى تنظيم داعش على ما يصل إلى ثلث العراق، وعلى أراضٍ شاسعة في سوريا، وتم إضفاء الطابع الرسمي على الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، بناءً على اتفاق مع واشنطن، وتفككت ليبيا في حرب أهلية، بعد أن قرَّرت واشنطن "القيادة من الخلف" في أعقاب سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي، مشيرًا إلى أن كل ذلك حدث تحت إشراف الأمريكان.

واعتبر التقرير، أن سياسة التخلي عن الحلفاء الاستراتيجيين والمدنيين المعرَّضين للخطر، خلاصتها التخلي عن أي تظاهر بأن الولايات المتحدة أمة استثنائية، مشيرًا إلى أن القادة السياسيين في الشرق الأوسط، تعلَّموا هذا الدرس.

ولفت التقرير، إلى أن أوباما أكد ذلك في أحد خطاباته عام 2010 بعد إنهاء المهام القتالية في العراق، إذ قال: "النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم، ليس من اختصاص القوة العسكرية وحدها، يجب أن نستخدم جميع عناصر قوتنا، بما في ذلك دبلوماسيتنا، وقوتنا الاقتصادية، وقوة نموذج أمريكا، لتأمين مصالحنا والوقوف إلى جانب حلفائنا، ويجب أن نقدِّم رؤية للمستقبل، لا تستند فقط إلى مخاوفنا، ولكن أيضًا إلى آمالنا".

وتابع أوباما: "كقائد للعالم الحر، ستفعل أمريكا أكثر من مجرَّد هزيمة في ساحة المعركة، لأولئك الذين يقدِّمون الكراهية والدمار... سنقود أيضًا أولئك الذين هم على استعداد للعمل معًا، لتوسيع الحرية والفرص لجميع الناس".

وأشار التقرير إلى أنه بعد أكثر من عقد، يبدو هذا الوعد بـ "توسيع الحرية والفرص لجميع الناس" أجوف، إذ يمكن للولايات المتحدة أن تدّعي أنها أكبر اقتصاد في العالم ومحورًا كبيرًا للابتكار، لكن لم يعد بإمكانها الادعاء بأنها "زعيم العالم الحر".

وقال التقرير، إن الوعد بمساعدة الشعب الأفغاني، في الحصول على مستقبل أفضل وأكثر أمانًا، تخلَّت عنه الولايات المتحدة، ومن ثم ينتظر الأفغان صدمة أكبر من أي تخيُّل في المستقبل، مضيفاً أنه بالنسبة لليبراليين في أفغانستان والشرق الأوسط، الذين كانوا مؤيدين لأمريكا بلا خجل "هناك عار يلاحقهم اليوم، في كونهم ساذجين للغاية".