حظر للطيران واستدعاء سفيرها في باريس.. ما سبب الغضب الجزائري على فرنسا؟
أعلن ناطق باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية، أن الحكومة الجزائرية حظرت على الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق فوق أراضيها، علمًا أنها تستخدم عادة مجالها الجوي، لدخول ومغادرة منطقة الساحل، حيث تنتشر قواتها في إطار عملية برخان.

السياق
تصريحات فرنسية وقرارات بخفض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني الجزائر، أغضبت الأخيرة ودفعتها إلى إعلان سحب سفيرها من العاصمة باريس، في خطوة لم تحدث منذ 21 عامًا.
وأعلنت الرئاسة الجزائرية، استدعاء سفيرها لدى باريس للتشاور، عازية القرار إلى التصريحات، «غير المفنَّدة التي نسبتها العديد من المصادر الفرنسية، للرئيس إيمانويل ماكرون»، كما قررت الجزائر حظر الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق في أجوائها.
وأعربت الجزائر، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، عن رفضها القاطع، للتدخل الذي وصفته بـ«غير المقبول»، في شؤونها الداخلية، مثلما ورد في هذه التصريحات، التي تحمل في طياتها «اعتداءً، لذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد، ضحوا بالنفس والنفيس، في مقاومتهم للغزو الاستعماري الفرنسي، وكذا في حرب التحرير الوطني».
هجوم حاد
وشنَّت الرئاسة الجزائرية في بيانها هجومًا على فرنسا، قائلة إن «جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر لا تعد ولا تحصى، وتستجيب لتعريفات الإبادة الجماعية، ضد الإنسانية»، مشيرة إلى «أن هذه الجرائم، التي لا تسقط بالتقادم، يجب ألا تكون محل تلاعب بالوقائع وتأويلات تخفف من بشاعتها».
وتابع البيان، أن «نزعة أصحاب الحنين إلى الجزائر الفرنسية، والأوساط التي تعترف، بصعوبة، بالاستقلال، الذي حققه الجزائريون، بنضال كبير، يتم التعبير عنها من خلال محاولات غير مجدية، لإخفاء فظائع ومجازر ومحارق وتدمير قرى بالمئات، من شاكلة واقعة أورادور-سور-غلان والقضاء على قبائل من المقاومين، وهي عمليات إبادة جماعية، متسلسلة، لن تنجح المناورات المفاهيمية والاختصارات السياسية، في إخفائها».
وأشارت الرئاسة الجزائرية، إلى أن التقديرات السطحية والتقريبية، و«المغرضة، المصرّح بها، بخصوص بناء الدولة الوطنية الجزائرية، وكذلك تأكيد الهوية الوطنية، تندرج في إطار مفهوم هيمنة مبتذل للعلاقات بين الدول، ولا يمكن في أي حال من الأحوال، أن تكون متوافقة مع تمسك الجزائر بالمساواة السيادية للدول».
وأكدت أن ما وصفته بـ«التدخل المؤسف الذي يصطدم أساسًا، بالمبادئ التي من شأنها أن تقود تعاونًا محتملًا بين الجزائر وفرنسا، بشأن الذاكرة، قد أدى إلى الترويج لنسخة تبريرية، للاستعمار على حساب النظرة التي قدَّمها تاريخ شرعية كفاحات التحرير الوطنية، في الوقت الذي لا يمكن لأحد أو لشيء، أن يغفر للقوات الاستعمارية ولجرائمها، لاسيما مجازر 17 أكتوبر بباريس، التاريخ الذي ستُحيي الجزائر والجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا ذكراه في كرامة»، بحسب البيان.
تصريحات فرنسية
البيان اللاذع، الذي أوضحت فيه الجزائر، أسباب قرارها بسحب سفيرها من فرنسا، جاء بعد تناقل وسائل إعلام محلية، مقالًا نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، ينقل عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تصريحات أدلى بها أثناء استقباله أحفاد أطراف فاعلة في حرب الجزائر.
وتحدث ماكرون في اللقاء، عن «تاريخ رسمي للجزائر أعيدت كتابته، لا يستند إلى حقائق، إنما على خطاب يرتكز على كراهية فرنسا»، بحسب الرئيس الفرنسي.
وأكد ماكرون -في حديثه مع الشباب- أنه "يجري حوارًا جيدًا مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون... أرى أنه عالق في نظام شديد التصلب".
لم تكن تلك التصريحات فحسب، ما أغضبت الجزائر، بل إن مقطعًا آخر من تصريحات ماكرون أثار غضب السُّلطات، الذي تساءل فيه: «هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟»، مشيرًا إلى وجود "عمليات استعمار سابقة".
وبنبرة ساخرة قال ماكرون، إنه «مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تمامًا، الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها»، في إشارة إلى الدولة العثمانية.
وتعد هذه المرة الثانية، التي تستدعي الجزائر سفيرها لدى باريس، منذ مايو 2020 عندما استدعت سفيرها صلاح البديوي، بعد بث وثائقي عن الحراك المناهض للنظام في الجزائر على قناة «فرانس 5» والقناة البرلمانية.
أزمة التأشيرات
أزمة تصريحات ماكرون، جاءت بعد يومين من قرار فرنسي، بخفض تأشيرات الدخول إلى النصف بالنسبة للقادمين من الجزائر والمغرب، وبالثلث للمسافرين من تونس، عزته حكومة باريس إلى ما اعتبرته عجز تلك الدول عن محاربة الهجرة غير المشروعة وعدم قدرتها على استعادة مواطنيها الذين رفضت طلبات اللجوء الخاصة بهم.
لترد الخارجية الجزائرية، بإعلانها استدعاء سفير فرنسا، للاحتجاج على قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين.
وقالت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنها أبلغت السفير فرانسوا غوييت "احتجاجًا رسميًا من الحكومة الجزائرية، على خلفية قرار أحادي الجانب من الحكومة الفرنسية، يمس بنوعية وسلاسة تنقل الرعايا الجزائريين باتجاه فرنسا".
وقال المبعوث الخاص للخارجية الجزائرية، المكلف بقضية الصحراء الغربية ودول المغرب العربي، عمار بلاني، لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، إن «القرار الفرنسي غير منسجم وغير مناسب»، بينما قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة للصحفيين: إن القرار غير مبرر ولا يعكس واقع التعاون في مكافحة الهجرة غير المشروعة.
غضب داخلي
وبالموازاة مع الغضب الدولي، أثار القرار الفرنسي بخفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين، غضبًا داخليًا في باريس، فالأحزاب المعارضة في فرنسا، انتقدت إيمانويل ماكرون، معتبرة أن ذلك القرار يهدف إلى استقطاب أصوات ناخبيها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقالت صحيفة الغارديان، إن سياسيين فرنسيين من اليمين واليمين المتطرف، اتهموا إيمانويل ماكرون، الذي من المتوقع أن يترشح لإعادة انتخابه في أبريل المقبل، بمحاولة تقديم مبادرات صارمة ومفاجئة بشأن الهجرة، لنيل أصوات ناخبي تلك الأحزاب.
وتساءل البرلماني اليميني، أورلين برادي، عن مغزى توقيت هذه الخطوة، مع اقتراب الانتخابات الفرنسية، مشيرًا إلى أن الحكومة "تتهافت في الوقت الحالي لإظهار قدر أكبر من الصرامة والسلطة".
من جانبه، قال المحلل التلفزيوني اليميني المتطرف إيريك زمور، الذي يحلم بأن يكون رئيس فرنسا القادم، إن بلاده سوف تصبح «جمهورية إسلامية» في غضون قرن، في حال عدم إيقاف موجات الهجرة إلى الأبد.
من جهة أخرى، قال المتحدث باسم الحكومة، غابرييل أتال، إن التحرك للحد من التأشيرات كان «قرارًا صارمًا وغير مسبوق»، مشيرًا إلى أنه كان ضروريًا، لأن تلك الدول لم تفعل ما يكفي لاستعادة المهاجرين المطرودين من فرنسا.
وأضاف المسؤول الفرنسي، في تصريحات لراديو أوروبا 1: "هذه الدول ترفض استعادة رعايا لا نريدهم أو لا يمكننا الاحتفاظ بهم في فرنسا... الجزائر والمغرب وتونس رفضت مؤخرًا تقديم وثائق قنصلية لمواطنيها، الذين يجري ترحيلهم من فرنسا، بعد وصولهم بشكل غير قانوني".
وأشار متحدث الحكومة الفرنسية، إلى أن باريس كانت تحاول الوصول إلى حل دبلوماسي منذ سنوات بعد إقرار قانون هجرة أكثر صرامة عام 2018، معبِّــرًا عن أمله بـ "أن يكون الرد مزيدًا من التعاون مع فرنسا، حتى نتمكن من تطبيق قواعد الهجرة الخاصة بنا".
حظر الطيران
أعلن ناطق باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية، أن الحكومة الجزائرية حظرت على الطائرات العسكرية الفرنسية التحليق فوق أراضيها، علمًا أنها تستخدم عادة مجالها الجوي، لدخول ومغادرة منطقة الساحل، حيث تنتشر قواتها في إطار عملية برخان.
وقال الكولونيل باسكال إياني، لـ"فرانس برس": "لدى تقديم مخططات لرحلتي طائرتين هذا الصباح، علمنا أن الجزائريين سيغلقون المجال الجوي فوق أراضيهم، أمام الطائرات العسكرية الفرنسية".
لكن إياني أكد أن ذلك "لن يؤثر في العمليات أو المهام الاستخباراتية، التي تقوم بها فرنسا في منطقة الساحل".