دعم أردوغان لحماس يحول دون تقارب تركيا مع إسرائيل
بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية، وخوفاً من رحلة عاصفة مع الولايات المتحدة، شعر أردوغان أيضاً، بالحاجة إلى شن هجوم دبلوماسي ساحر، على أمل تقديم تركيا كشريك بنّاء، في الشرق الأوسط وخارجه.

ترجمات - السياق
وجَّه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، دعوة في ديسمبر، من أجل علاقات أفضل مع إسرائيل.
"ليس من المستغرب أن يكن هناك تطبيع للعلاقات، بين تركيا وإسرائيل قريباً"، هكذا ورد في عنوان عمود في إحدى الصحف اليومية، الموالية للحكومة التركية، الشهر الماضي، وذهب المؤلف إلى حد الادعاء، "من الآمن أن نقول، إنه لا يوجد الآن تضارب في المصالح، بين تركيا وإسرائيل".
ربما لم يلقِ هذا الادعاء آذانًا مصغية في تل أبيب، بالنظر إلى أن أردوغان كان مؤيداً صريحاً لحركة حماس، حتى أنه استضاف علناً قادة من الجماعة في أحد مكاتبه الرئاسية في اسطنبول.
ومع ذلك، واصل أردوغان تمثيلية التواصل مع إسرائيل، لأن الرئيس التركي يتضوَّر جوعاً إلى حلفاء شرقي البحر المتوسط.
استمر العمل حتى بدأت حماس، قصف المدن الإسرائيلية بنيران الصواريخ، أواخر أبريل، ودعت الحكومة في أنقرة، وزير الطاقة الإسرائيلي لحضور منتدى الدبلوماسية المبتكرة، المقرر عقده في يونيو المقبل، فإن تمت الزيارة، لكانت أكبر اتصال رسمي منذ سنوات، بين إسرائيل وتركيا.
ومع ذلك، عندما بدأت إسرائيل، شن ضربات انتقامية ضد حماس، سارع الرئيس التركي إلى وصف إسرائيل بأنها "دولة إرهابية".
منذ نحو عقد من الزمان، كان زعيم تركيا الاستبدادي بشكل متزايد، أردوغان وشركاؤه، يفتخرون بالعزلة الإقليمية والعالمية المتزايدة لأنقرة، لكن بحلول عام 2020، تغيَّـر الأمر، إذ بدأت تركيا تشعر بالاستياء، لاستبعادها من منتدى غاز شرقي المتوسط، الذي يتخذ من القاهرة مقراً له، ويجمع قبرص ومصر واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والفلسطينيين.
ودفع التدهور المستمر للاقتصاد التركي، وتحذيرات المحلِّلين الماليين، من أزمة ميزان المدفوعات والتخلُّف عن سداد الديون السيادية، أردوغان إلى محاولة إصلاح العلاقات الإقليمية، وإنعاش التجارة الخارجية التي تضرَّرت من الخلافات الدبلوماسية.
لكن بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية، وخوفاً من رحلة عاصفة مع الولايات المتحدة، شعر أردوغان أيضاً، بالحاجة إلى شن هجوم دبلوماسي ساحر، على أمل تقديم تركيا كشريك بنّاء، في الشرق الأوسط وخارجه.
وأدى ذلك إلى إظهار جهود أنقرة لمحاولات تطبيع العلاقات، ليس فقط مع إسرائيل، لكن أيضاً مع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
لكن الحماسة الأيديولوجية لأردوغان، ورعايته المستمرة للإسلام السياسي، يحولان دون إيجاد طريق سهل لعلاقات ودية مع الجيران المهدَّدين بالتطرُّف العنيف، وفي ظل حُكمه الذي دام نحو 18 عاماً، أصبحت تركيا أهم قاعدة، ليس فقط للإخوان المسلمين، لكن أيضاً لحركة حماس خارج غزة.
وكشفت صحيفة التلغراف البريطانية، في أغسطس الماضي، أن أنقرة منحت الجنسية وجوازات السفر لـ "ناشطين بارزين في خلية إرهابية تابعة لحماس"، بمن فيهم زكريا نجيب، "الناشط البارز في حماس، الذي أشرف على مؤامرة لاغتيال رئيس بلدية القدس (آنذاك)، وكذلك الشخصيات العامة الإسرائيلية الأخرى"، كما ذكرت صحيفة يومية بريطانية أخرى "ذاتايمز"، بعد شهرين، أن حماس أنشأت مقراً سِرياً في اسطنبول، لتنفيذ عمليات حرب إلكترونية وعمليات استخباراتية مضادة.
الرئيس التركي لا يخفي دعمه لحماس
نشر أردوغان، على مواقع التواصل الاجتماعي، عام 2018، أن "حماس ليست منظمة إرهابية"، لكنها "حركة مقاومة"، وِجهات نظر ردَّدتها وزارة الخارجية التركية، العامين التالي والماضي.
وأعلن أردوغان عبر حساب الرئاسة التركية الرسمي على"تويتر" استضافته لاثنين من قادة حماس، القائد العسكري صالح العاروري والزعيم السياسي البارز إسماعيل هنية، المدرجين والمصنَّفين على قائمة واشنطن للإرهابيين العالميين، بشكل خاص.
وأدى ذلك، إلى اعتراض شديد اللهجة، من وزارة الخارجية الأمريكية، وهي المرة الأولى التي تستعيد فيها واشنطن، علاقات تركيا الوثيقة مع حماس ودعمها المستمر لها، جاء ذلك على رداً على تعيين زاهر جبارين عام 2019، رئيساً للمكتب المالي التابع لحماس ومقره تركيا.
تشكِّـل هذه الحالة تناقُضاً صارخاً، مع التسعينيات من القرن الماضي، إذ تمتَّعت إسرائيل بتعاون دبلوماسي وأمني واستخباراتي قوي مع تركيا، لكن اليوم، لدى تل أبيب تقييم رصين لإعادة التشكيل الجذري، الذي شهدته السياسة الخارجية والأمنية لأنقرة، في ظِل حُكم أردوغان.
إذ اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون، عام 2016، تركيا "باستضافة مركز قيادة حماس في الخارج للإرهاب في اسطنبول"، وحذَّر من أن إعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية، ستكون مستحيلة، إن استمرت أنقرة في استضافة حماس.
وبعد ثلاث سنوات، ذكر رئيس الموساد يوسي كوهين، لنظرائه في دول عربية، أن تركيا تشكل تهديداً أكبر من إيران.
لذا، لم يكن مفاجئاً بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، أن تنضم تركيا، بقيادة أردوغان، إلى إيران في إدانة الاتفاق الإبراهيمي بشدة، وهي اتفاقية توسَّطت فيها الولايات المتحدة، بين إسرائيل وجيرانها العرب.
وهدَّدت تركيا، التي كانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تُقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 1949، بوقف العلاقات الدبلوماسية وسحب سفيرها من الإمارات العربية المتحدة، انتقاماً من إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
كما اتهمت أنقرة، أبو ظبي بـ "الخيانة"، وتعهَّدت بأن "تاريخ وضمير شعوب المنطقة لن ينسى أو يغفر هذا العمل المنافق".
بالنسبة لأولئك الذين تابعوا خطاب أردوغان وسياسته تجاه إسرائيل، خلال مسيرته المهنية من كثب، فإن توقُّع أحد كبار مستشاريه في ديسمبر الماضي بأن أنقرة وتل أبيب ستعيدان العلاقات الدبلوماسية، في مارس الماضي، كان يفتقر إلى الدقة.
وفي هذه الأيام، عاد الرئيس التركي إلى موقعه الافتراضي، ويسعى إلى حشد تحالف دولي "لإعطاء درس قوي ورادع لإسرائيل".
بالعودة إلى عام 2016، عندما كانت هناك محاولة مماثلة، لتطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، جادلتُ في مقال نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، بعنوان، "التقارب الحقيقي مع إسرائيل يتطلَّب من تركيا، أن تتصدى لمعاداة السامية"، إن التقارب لن يكون مستداماً، فالانتقادات اللاذعة، التي أقرتها الدولة في تركيا، عليها أن تنتهي، وأن تدرك أنقرة وتواجه معاداة السامية المنتشرة والمشاعر المعادية لإسرائيل، التي استحوذت على قطاعات واسعة من الأتراك، وساءت الأمور منذ ذلك الحين.
بينما أفاد موقع المونيتور بأن "موجة التغطية المعادية لإسرائيل، في وسائل الإعلام التركية، ترافقت مع هجمات لاسامية، على الجالية اليهودية الصغيرة في البلاد"، وفي اليوم التالي، نادت وزارة الخارجية الأمريكية أردوغان بأن "تعليقاته معادية للسامية"، مشيرة إلى أن تصريحاته "مستهجنة" و"مثيرة للشجب".
يجب أن يكون الانقلاب التركي في الرأي، غير المفاجئ، للسعي إلى لتطبيع التركي الإسرائيلي، تذكيراً يحذِّر الطرفان من أن العلاقات الودية، يجب أن تنتظر حتى يتم التصويت على أردوغان، وتنهي أنقرة دعمه لحركة حماس والجماعات المسلحة الأخرى، الملتزمة بفرض رؤيتها المتعصبة للعالم على المنطقة.
_________
نقلا عن "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"