طالبان تلاحقهم.. مصير مجهول ينتظر الأفغان المتعاونين مع الجيش الأمريكي

قال العديد من الأفغان، الذين عملوا مع الحكومة الأمريكية -وهم مختبئون الآن- في مقابلات مع فورين بوليسي إنهم يخشون تلاشي اهتمام واشنطن بمساعدتهم في الإجلاء بمرور الوقت.

طالبان تلاحقهم.. مصير مجهول ينتظر الأفغان المتعاونين مع الجيش الأمريكي

ترجمات – السياق

"حاول إن أمكن الابتعاد عن الأنظار والمناطق المركزية "، رسائل أمريكية في بريد مئات الأفغان، الذين تعاونوا مع الجيش الأمريكي، في محاولة للحفاظ على حياتهم حتى مغادرة أفغانستان، خوفًا من انتقام حركة طالبان، بعد سيطرتها على السُّلطة في البلاد.

وكشفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية -في تقرير- أن هذه الرسالة وجَّهت متلقيها لإخفاء وثائقهم وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، مشيرة إلى المناطق التي كانت طالبان تستهدفها، في إطار بحثها عن المتعاونين.

وذكرت أن الرسائل النصية، التي تم إرسالها عبر تطبيقات المراسلة المشفرة مثل Signal ، ظهرت بين الأفغان والمحاربين الأمريكيين القدامى، الذين يحاولون عن بُعد مساعدة رفاقهم السابقين في الهرب من عمليات التمشيط واسعة النطاق، التي تقوم بها حركة طالبان والجماعات المسلحة الأخرى، التي تبحث عن الذين ساعدوا الجيش الأمريكي على مدى عقدين.

 

لعبة مميتة

وأشارت المجلة إلى مواطن اسمه (أحمد)، عمل داخل وخارج الجيش الأمريكي ووزارة الخارجية سنوات، ووضع حياته على المحك، بل إنه في مرحلة ما نجا من هجوم بعبوة ناسفة، ومع ذلك للآن لم يستطع الخروج من البلاد.

الآن يجد أحمد وشركاء أمريكيون سابقون أنفسهم في لعبة ذكاء مميتة، من خلال التنقل بين البيوت الآمنة يومًا بعد يوم، بينما تطارد حركة طالبان وتنظيم داعش والجماعات المتطرفة الأخرى، حلفاء الولايات المتحدة السابقين لاعتقالهم، أو في كثير من الأحيان قتلهم.

وقال العديد من الأفغان، الذين عملوا مع الحكومة الأمريكية -وهم مختبئون الآن- في مقابلات هاتفية مع "فورين بوليسي" إنهم يخشون تلاشي اهتمام واشنطن بمساعدتهم في الإجلاء بمرور الوقت، مشيرين إلى أنهم لم يتم الاتصال بهم من وزارة الخارجية، بشأن أي خطط إجلاء، وأنهم يعتقدون أنه رغم التصريحات التي تشير إلى عكس ذلك من واشنطن، فقد تُركوا لتدبر أمورهم بأنفسهم.

ونقلت المجلة عن متعاقد سابق مع وزارة الخارجية والجيش الأمريكي -وهو أيضًا مختبئ وتحدَّث بشرط عدم كشف هويته- قوله: "حتى لو وضعتم طالبان جانبًا، فإن داعش تشكل خطرًا كبيرًا علينا... لقد أعلنوا أنهم إذا وجدوا أي شخص يعمل لصالح الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال، سوف يقتلونه... وهكذا كل يوم أسمع عن ثلاثة أو أربعة عمال سابقين في الجيش الأمريكي أو الحكومة، تم اختطافهم من قِبل مسلحين مجهولين، ولم يرهم أحد مرة أخرى".

بينما قال كل مَنْ لا يزالون في البلاد، من المتعاونين مع الجيش الأمريكي للمجلة، إن فرصهم في الهروب من الأسر تتناقص يومًا بعد يوم، وقال أحمد: "لا يمكنني البقاء في مكان واحد فترة طويلة، كما لا يمكنني أيضًا معرفة المدة التي يمكنني البقاء فيها هكذا... لأنني في النهاية، أشعر يأنه سيتم العثور عليّ".

 

تأشيرة الهجرة

وكشفت "فورين بوليسي" أن أي أفغاني سبق أن تعاون مع الجيش الأمريكي، بحاجة للحصول على "تأشيرات الهجرة الخاصة، لترحيله، إذ يأمل هؤلاء الحصول على هذه التأشيرة آجلًا أو عاجلًا، للهروب من انتقام طالبان وبقية الميليشيات المسلحة هناك.

وأشارت المجلة إلى أن بعض المجموعات الأمريكية حققت نجاحًا محدودًا في مساعدة الأفغان وعائلاتهم في الإجلاء، بينما يحاول آخرون مساعدة الأفغان المحاصرين، في العثور على منازل آمنة أو إرسال تنبيهات دردشة جماعية، عن غارات طالبان في مناطق مختلفة من كابل.

وشددت "فورين بوليسي" على أن حكومة الولايات المتحدة لم تستطع حتى الآن، تحديد عدد المتقدمين بطلبات SIV بدقة من بين نحو 124000 شخص تم إجلاؤهم بنجاح في الأسابيع الفوضوية الأخيرة من الحرب، إذ يُعتقد أن عشرات، إن لم يكن مئات الآلاف من الأفغان وعائلاتهم الممتدة، الذين قد يكونون مؤهلين للحصول على مثل هذه التأشيرات، تم التخلي عنهم.

وأوضحت أن تأكيدها هذا -التخلي عن مئات الآلاف- يستند إلى مقابلات مع أكثر من عشرة مصادر وخبراء، كالأفغان الذين ما زالوا مختبئين، ومسؤولي إدارة بايدن، والدبلوماسيين المحترفين، ومساعدي الكونغرس.

 مشيرة إلى أن الأفغان تحدَّثوا بشرط عدم كشف هويتهم، رغم أنهم قدَّموا المستندات اللازمة التي تتحقق من تاريخهم الوظيفي، مع الوكالات الحكومية الأمريكية والمقاولين، كما تم التحقق من تاريخ عملهم من قِبل أعضاء الخدمة الأمريكية السابقين والمتعاقدين الذين عملوا معهم.

 

فقدان الأمل

ونقلت "فورين بوليسي" عن العديد من هؤلاء أنهم فقدوا الأمل في أن تتمكن واشنطن من إنقاذهم.

وفي واشنطن -تضيف المجلة- يختلف المزاج بشأن كيفية مساعدة الأفغان المحاصرين، إذ يمتلئ البعض بشعور عميق بالذنب والحزن، بينما يواجه البعض الآخر إحباطًا غاضبًا بسبب عقبات بيروقراطية لا نهاية لها على ما يبدو، ولا يزال البعض الآخر يأملون أن يتمكنوا من إنقاذ المتقدِّمين لـ SIV.

وقال السناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ بشأن أفغانستان: "أنا عضو في مجلس الشيوخ عن الولايات المتحدة، وما زلت أجد صعوبة في تحديد المسؤول عن عودة المتعاونين الأفغان من هناك".

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الأمر دفع العلاقات بين إدارة بايدن والكونغرس -المتوترة بالفعل- إلى المزيد من التوتر.

وكشفت أن كبار مسؤولي إدارة بايدن رتبوا جلسة إحاطة مغلقة مع المشرعين في 22 سبتمبر المنصرم، لإطلاعهم على جهود الإجلاء، مشيرة إلى أن الاجتماع انتهى بوقف أي أمل قريب في إجلاء الباقين في أفغانستان.

 وأوضحت المجلة، أن بعض المشرعين الجمهوريين انسحبوا بغضب من الاجتماع، وفقًا للعديد من مساعدي الكونجرس المطلعين على الأمر، قائلين إن المسؤولين من وزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي، لم يردوا على الأسئلة الأساسية بشأن الوضع على الأرض هناك.

من جانبه، أعرب مات زيلر ، المحارب المخضرم في الحرب في أفغانستان، الذي شارك في تأسيس No One Left Behind ، وهي منظمة غير ربحية تساعد الأفغان الذين ساعدوا الجيش الأمريكي، عن إحباطه من عدم وجود خطة واضحة من الحكومة الأمريكية لمساعدة المتقدمين بطلب SIV للإجلاء.

وقال زيلر لـ "فورين بوليسي": لديّ أمل في نقل الأفغان الذين تركوا وراءهم، لكنهم على المدى القريب، سيحتاجون إلى محو كل اتصال لديهم بالولايات المتحدة، مضيفًا: "رسالتي لهم الآن هي: عليهم أن يأخذوا مستنداتهم، وأن يلتقطوا صورًا رقمية لهم، وإرسالها إلينا بأي شكل من الأشكال، ثم التخلص من كل ذلك، حتى لا يقعوا في المحظور ويتعرَّضوا لعقوبات صارمة من مسلحي طالبان".

 

تعقُّد الموقف

 

وفي أفغانستان -تضيف المجلة الأمريكية في تقريرها- يزداد الوضع تعقيدًا مع اقتراب البلاد من موسم الشتاء، الذي سيجعل من الصعب على الرحلات الجوية مغادرة هذا البلد الجبلي، فضلًا عن جعل الطرق البرية أكثر وعورة.

وأشارت إلى أنه رغم تعاون طالبان للسماح برحلة خاصة للخروج من أفغانستان، خلال عطلة نهاية الأسبوع، فإن المشاركين في جهود الإجلاء، لا يعتقدون أن الهدنة الهشة مع الجماعة المسلحة، التي تم تمكينها حديثًا، ستستمر.

من جانبه، قال أليكس بليتساس، أحد المحاربين القدامى في الجيش الذي يعمل في جهود الإجلاء، إن إدارة بايدن لا تزال تفتقر إلى المعلومات الأساسية عن بعض الذين تركوهم وراءهم ويظلون تحت رحمة الأمريكيين وحاملي البطاقة الخضراء، لتقديم معلومات عن مكانهم، لكن نقص البيانات تسبب في إحباط الجماعات الدينية وحقوق الإنسان، التي تحاول إخراج أعضائها من هناك.

وقال الحاخام ويل بيركوفيتز، الذي يدير خدمة الأسرة اليهودية ومقرها سياتل، التي تعمل على إخراج العشرات من حاملي البطاقة الخضراء من أفغانستان: "نحن بالتأكيد لا نحصل على إجابات واضحة على أي شيء".

لهذا السبب -حسب "فورين بوليسي"- يجب أن يكون هناك شخص ذو سلطة لإعطاء اتصال واضح وتوجيه ووضع خطة وتفعيلها، لإخراج هؤلاء المعلقين من هناك، إلا أن بيركوفيتز علق على ذلك بقوله: إن كل ما نسمعه هو "نعمل على ذلك"، لكن لا شيء على الأرض حتى الآن.

 

الصحفيون

وكشفت "فورين بوليسي" أن بين أولئك الذين تقطعت بهم السبل، عشرات الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام، التي تمولها الحكومة الأمريكية، مثل صوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة وراديو الحرية (RFE / RL)، وهم من المؤهلين للحصول على تأشيرات دخول الولايات المتحدة، بينما يواصل العديد من الصحفيين العمل، رغم هجمات طالبان المتزايدة على وسائل الإعلام، التي أجبرت أكثر من 150 منفذًا إخباريًا على الإغلاق.

وأوضحت المجلة الأمريكية، أنه بصفتهم صحفيين تمولهم الحكومة الأمريكية، فإنهم يواجهون خطرًا مزدوجًا، إذ قُتل ما لا يقل عن أربعة صحفيين يعملون في الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، التي تشرف على إذاعة أوروبا الحرة وراديو ليبرتي، في أفغانستان خلال السنوات الثلاث الماضية، بينهم محمد إلياس دايي، الذي اغتيل في هجوم تفجيري نوفمبر 2020.

وكشفت "فورين بوليسي" أن ما يقدر بنحو 500 من موظفي إذاعة أوروبا الحرة RFE / RL وعائلاتهم، وكذلك من صوت أمريكا، تُركوا وراءهم أثناء عمليات الإجلاء.