العراق.. دعوات غير مسبوقة لإقامة علاقات مع إسرائيل.. وتل أبيب ترحب

شهد المؤتمر كلمات عدة، كانت إحداها لسيناتور أمريكي، كشف فيها فضائل التطبيع مع إسرائيل، وما يترتب عليه من مخرجات تفيد البلدين، وتدفع بعجلة السلام والأمن والأمان.

العراق.. دعوات غير مسبوقة لإقامة علاقات مع إسرائيل.. وتل أبيب ترحب

السياق

«يكفينا عداءً وفتناً وقتلاً، ولابد من فتح صفحة جديدة للتعاون والسلام والأمن»، تصريحات انطلقت من مؤتمر أربيل، الذي عُقد بعنوان «مؤتمر السلام والاسترداد»، بحضور نخبة من الساسة والمفكرين ودعاة السلام في العراق والشرق الأوسط، إلا أنه أثار ضجة كبيرة في الأوساط السياسية العراقية.

في الرابع والعشرين من سبتمبر الجاري، عقد نحو 312 شخصًا، بينهم شيوخ عشائر وناشطون مدنيون، من محافظات الأنبار والموصل وبغداد وصلاح الدين وديالى في العراق، مؤتمرًا تحت شعار «استرداد الحقوق»، كان الهدف منه -حسبما أبلغ المدعوون- الدفاع عن حقوق المكون السُّني في العراق، والمطالبة بتطبيق الفيدرالية، وإحياء مشروع الإقليم السُّني، إلا أنه ناقش تشجيع التطبيع الشعبي والسياسي، بين العراق وإسرائيل، في إطار اتفاقية إبراهام.

 

سرية وحراسة مشددة

أحيط المؤتمر بسرية وحراسة مشددة، وجُرِّد جميع المدعوين إليه من هواتفهم وأي قطعة معدنية، قبل دخول القاعة التي أغلقت أبوابها فور استقبال الضيوف، ليبدأ اللقاء الذي حضره ثلاث شخصيات يهودية إسرائيلية، إضافة إلى المنسِّق العام للمؤتمر جوزيف برودي، وهو يهودي من أب مغربي وأم عراقية، ويحمل الجنسية الإسرائيلية.

من أبرز الحضور في المؤتمر -الذي كان برعاية مركز اتصالات السلام وهي مؤسسة مقرها نيويورك- سعد العاني رئيس اتحاد في اللجنة الأولمبية، والشيخ كنعان الصديد والفريق الركن عامر الجبوري وسحر الطائي الموظفة في وزارة الثقافة، والشيخ وسام الحردان، بينما تولى الأخير توجيه الدعوات لأكبر عدد من شيوخ عشائر الأنبار ومحافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى وبغداد لحضور المؤتمر.

شهد المؤتمر كلمات عدة، كانت إحداها لسيناتور أمريكي، كشف فيها فضائل التطبيع مع إسرائيل، وما يترتب عليه من مخرجات تفيد البلدين، وتدفع بعجلة السلام والأمن والأمان.

وقال الخبير الأمريكي من أصل يهودي عراقي، مؤسس «مركز اتصالات السلام» جوزيف برود: إن نحو 300 مشارك اجتمعوا في أربيل عاصمة كردستان من ست محافظات، هي بغداد والموصل وصلاح الدين، والأنبار وديالى وبابل.

وأضاف برود: شارك أيضًا شيوخ عشائر من هذه المحافظات ومثقفون وكُتّاب، بينهم زعيم أكبر اتحاد عشائري في الشرق الأوسط، قبيلة شمر، وجنرالات سابقون في الجيش العراقي، مشيرًا إلى أن تشيمي بيريز، نجل الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، شارك في المؤتمر متحدثًا عن الحاجة إلى علاقات السلام.

 

صفحة جديدة للتعاون

وقالت الموظفة في وزارة الثقافة ببغداد سحر الطائي، التي ترأس منظمة مناهضة للعنف ضد المرأة، وكانت من المتحدِّثين في المؤتمر: «لا يحق لأي قوة، أن تمنعنا من إطلاق مثل هذا النداء».

من جانبه، قال الشيخ ريسان الحلبوسي، شيخ عشيرة البومطر من الأنبار، وأحد الحضور، إن "التطبيع مع إسرائيل أصبح الآن ضرورة"، مستشهداً بتوقيع دول الإمارات والبحرين والسودان والمغرب اتفاق سلام مع تل أبيب.

وأضاف الحلبوسي: «يكفينا عداءً وفتناً وقتلاً، ولابد من فتح صفحة جديدة للتعاون والسلام والأمن، لكي يعيش أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا بسلام وأمان، لا تستطيع بين يوم وليلة أن تقنع المواطن بالتطبيع مع إسرائيل، لكن مع الزمن تتغيَّـر الأفكار".

 

علاقات دبلوماسية

وطالب البيان الختامي للمؤتمر، الذي قرأته الموظفة في وزارة الثقافة ببغداد سحر الطائي، بالانضمام إلى اتفاقيات إبراهام، والتطبيع مع إسرائيل، مؤكدًا أن الاتفاقيات نصت على إقامة علاقات دبلوماسية بين الأطراف الموقِّعة وإسرائيل.

وشدد البيان الختامي، على أن «المجتمعين يطالبون بعلاقات طبيعية مع إسرائيل، وبسياسة جديدة تقوم على العلاقات المدنية مع شعبها، للتطور والازدهار».

إلا أنه بعد انقضاء المؤتمر، توالت ردود الفِعل الغاضبة من الحكومة العراقية، التي توعدت باتخاذ إجراءات ضد المنظمين والحاضرين والمؤيدين والمرحبين، الذين تعهدوا بخطوات إلى الأمام، مع كل مَنْ يؤيد التطبيع معها.

 

رفض عراقي

الرئاسة العراقية أكدت رفضها القاطع لمسألة التطبيع مع إسرائيل. وبينما دعت إلى احترام إرادة العراقيين وقرارهم الوطني المستقل، قالت إن الاجتماع الأخير الذي عُقد للترويج لمفهوم التطبيع لا يمثِّل أهالي المدن العراقية، بل مواقف مَنْ شارك فيها فقط، فضلاً عن كونه محاولة لتأجيج الوضع العام واستهداف السِّلم الأهلي.

وقال الناطق باسم رئاسة الجمهورية: إن العراق يؤكد موقفه الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، داعيًا إلى الابتعاد عن الترويج لـ«مفاهيم مرفوضة وطنياً وقانونياً، وتمس مشاعر العراقيين».

وقالت الحكومة العراقية، إنها ترفض الاجتماعات التي وصفتها بـ«غير القانونية»، التي عقدتها بعض الشخصيات العشائرية المقيمة في مدينة أربيل بإقليم كردستان، من خلال رفع شعار التطبيع مع إسرائيل.

وتابعت في بيان: «طرح مفهوم التطبيع مرفوض دستورياً وقانونياً وسياسياً في الدولة العراقية، وأن الحكومة عبَّـرت بشكل واضح، عن موقف العراق الثابت الداعم للقضية الفلسطينية العادلة، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدِّمتها حقه بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ورفض كل أشكال الاستيطان والاعتداء والاحتلال التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني».

بدورها، أعربت وزارة الثقافة العراقية عن رفضها للمؤتمر، مؤكدة «تمسكها بموقف الحكومة العراقية والشعب العراقي الرافض للتطبيع، وتبنيها لمطالب شعبنا الفلسطيني».

 

محاسبة المنظمين

رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، كان له موقف متشدد من القضية، فطالب في بيان صادر عنه، باتخاذ الإجراءات القانونية «الصارمة لإخراس هذه الأصوات، ومحاسبة كل مَنْ تسوِّل له نفسه، المساس بالثوابت الوطنية للعراق وقضايا الأمة العادلة».

وقال الحلبوسي في تغريدة عبر «تويتر»: «للعراق موقف تاريخي ثابت من القضية الفسطينية، وأن موقفنا الرافض لما يسمى التطبيع مع الكيان الصهويني، لن يتغير باجتماع ثلة من الأفاكين والمأجورين، الذين حاولوا عبثاً تشويه موقف العراق الحازم والحاسم والمشرف من القضية الفلسطينية».

النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي، وافق الحلبوسي، داعيًا إلى ملاحقة القائمين والحاضرين في مؤتمر التطبيع، مؤكدًا أن «هذه المؤتمرات تعقد في وقت والبلد ماض لبناء دولة قوية ذات سيادة، تحكمها الهوية الوطنية الجامعة للمجتمع الواحد».

 

التبرؤ من الحردان

قبيلة الدليم وعشيرة الحردان، التي ينتمي إليها وسام الحردان المتهم بالدعوة إلى المؤتمر، قالت إنها تشجب وتستنكر مشاركة رئيس صحوات العراق وسام حردان في مؤتمر السلام والاسترداد، مؤكدة أنها «لن تسمح له بالعودة إلى الأنبار».

رئاسة إقليم كردستان، نفت عِلمها بهذا المؤتمر وأهدافه وشعاراته، ودعت الأطراف العراقية إلى ضبط النفس، لحين انتهاء التحقيقات التي تجريها.

وبينما قالت رئاسة إقليم كردستان، إن «أي موضوع أو موقف أو توجُّه مرتبط بالسياسة الخارجية، من صلاحيات الحكومة الاتحادية وفقًا للدستور، وإن إقليم كردستان ملتزم بذلك، وبالسياسة الخارجية العراقية».

 

تصفية ومذكرات قبض

ذهبت الفصائل الشيعية المسلحة، المدعومة من إيران، إلى أبعد من التنديد والمحاسبة، مهددة بتصفية كل مَنْ يدعو إلى التطبيع، ومطاردة مَنْ حضر مؤتمر إربيل.

إلا أن مجلس القضاء الأعلى في العراق، أعلن صدور مذكرات قبض بحق المشاركين في مؤتمر «الدعوة إلى التطبيع»، مشيرًا إلى إصدار مذكرة قبض بحق وسام الحردان، إثر الدور الذي قام به في الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل.

وأضاف مجلس القضاء الأعلى، أنه تم إصدار مذكرة قبض بحق مثال الألوسي والموظفة في وزارة الثقافة سحر كريم الطائي، عن الأمر نفسه، مشيرًا إلى أنه «ستتخذ الإجراءات القانونية بحق بقية المشاركين، حال معرفة أسمائهم».

 

ترحيب إسرائيلي

من جهة أخرى، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، بالاجتماع الذي شهده إقليم كردستان العراق، مشيرًا إلى أن «إسرائيل ترد بمد يدها بالسلام».

وقال بينيت في تصريحات لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، إن «مئات من الشخصيات العراقية العامة، سُنة وشيعة، تجمعوا للمطالبة بالسلام مع إسرائيل»، مشيرًا إلى أن «هذه دعوة تأتي من الأسفل وليس الأعلى، من الناس وليس من الحكومة، والاعتراف بالظلم التاريخي، الذي مورس على يهود العراق خصوصًا، أمر مهم».

من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، إن هذا الحدث «يبعث الأمل في أماكن لم نفكر فيها»، مشيرًا إلى أن تل أبيب وبغداد «تتقاسمان تاريخًا وجذورًا مشتركة في الطائفة اليهودية، وكلما تواصل شخص ما معنا، سنفعل كل شيء للتواصل معه».

وتقيم كردستان، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي شمالي العراق، علاقات ودية مع إسرائيل، في موقف مناقض للفصائل السياسية العراقية الموالية لإيران، وعام 2017، عندما نظم أكراد العراق استفتاء الاستقلال المثير للجدل، كانت إسرائيل من الداعمين القلائل له.

وخلال العقود الأخيرة، زار العديد من قادة كردستان العراق إسرائيل، ودعا السياسيون الأكراد إلى التطبيع معها.