ذا هيل: الحماقة الاقتصادية لأردوغان في تركيا

"ذا هيل": أردوغان سيدفع ثمن التضخم المحلي غاليًا في انتخابات 2023

ذا هيل: الحماقة الاقتصادية لأردوغان في تركيا

ترجمات - السياق

وصف مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، الإجراءات الاقتصادية التي يتخذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بلاده، بأنها "مجموعة من الحماقات"، معربًا عن اندهاشه من تفاخر أردوغان بخفض أسعار الفائدة، في وقت يتزايد فيه التضخم.

كان البنك المركزي التركي، خفض نسبة الفائدة الرئيسة قبل أيام إلى 17% من 18%، بعد أشهر من الضغوط التي مارسها أردوغان لهذا الغرض، ما أدى لخسارة الليرة التركية أكثر من 1.4% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي.

جاءت هذه الخطوة، رغم ارتفاع التضخم الذي وصل إلى 19,25% في أغسطس الماضي، ويبدو أنه يظهر مدى الضغط الذي يتعرَّض له البنك المركزي في عهد أردوغان، إذ فقدت الليرة نحو 15% من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية عام 2021.

وقال ديزموند لاكمان، الخبير الاقتصادي، المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي، في مقال بصحيفة ذا هيل: إن أردوغان يفعل ذلك رغم أن معظم البنوك المركزية في العالم -بما في ذلك الموجودة في الأسواق الناشئة- تعمل على تشديد سياساتها النقدية، استجابة لعلامات ارتفاع التضخم.

 

إقالة واستسلام

وأشار لاكمان، إلى أن أردوغان أقال العام الجاري، ثلاثة محافظين للبنوك المركزية، لعدم امتثالهم لوِجهة نظره الغريبة القائلة إن أسعار الفائدة المرتفعة سبب التضخم، وليست علاجًا.

وأضاف: "الأسبوع الماضي، بدا أن صهاب كافجي أوغلو، أحدث محافظ للبنك المركزي التركي، استسلم لمطالب أردوغان، بخفض أسعار الفائدة 100 نقطة أساس من 18 في المئة إلى 17 في المئة"، مشيراً إلى أنه فعل ذلك حتى في وقت يتسارع فيه التضخم إلى 19%، كما فعل ذلك في وقت كانت فيه الليرة التركية العملة الأسوأ أداءً في العالم، وهو ما يتضح من انخفاض بـ 16 في المئة في العملة منذ بداية العام.

والأكثر إثارة للدهشة -حسب الكاتب- بشأن الانخفاض الحاد في أسعار الفائدة في تركيا، أنه جاء في الوقت الذي يحذِّر فيه صندوق النقد الدولي من مخاطر هذه الخطوة.

ففي تقرير حديث، لاحظ صندوق النقد الدولي أنه حتى قبل كورونا، كان الاقتصاد التركي يعاني نقاط ضعف خارجية، في شكل احتياطيات دولية منخفضة بشكل غير مريح، وكمية كبيرة من ودائع النظام المصرفي بالدولار، وكمية كبيرة من ديون الشركات المقومة بالدولار.

وأوضح المحلل الاقتصادي، أن نقاط الضعف هذه زادت مؤخرًا، نتيجة استجابة السياسة النقدية القوية للغاية لأزمة كورونا، مشددًا على أنه تم تأكيد ذلك، من خلال عودة ظهور عجز كبير في الحساب الجاري الخارجي، وارتفاع الودائع المقومة بالدولار إلى ما يصل إلى 60 في المئة، من إجمالي ودائع النظام المصرفي.

 

مقامرة أردوغان

وقال لاكمان: رغم النظام المصرفي الهش، وانخفاض مستوى الاحتياطيات الدولية، والمبلغ المرتفع بشكل غير مريح لديون الشركات المقومة بالدولار، فقد تمكنت تركيا من تجنُّب أزمة عملة.

وأوضح أن ذلك حدث، بعد أن استمرت بنوكها في الوصول بسهولة إلى سوق رأس المال العالمي، الذي كان غارقًا بالسيولة، والذي جعل المستثمرين الدوليين في أمس الحاجة إلى تحقيق عائدات، في بيئة أسعار فائدة عالمية منخفضة.

وحذَّر المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي، من أن جعل مقامرة أردوغان أكثر تهورًا هو الاحتمال القوي بالاتجاه نحو بيئة سيولة دولية أقل اعتدالًا، مشيرًا إلى أنه استجابة للعلامات الأولية للتضخم في العديد من البلدان، بدأت بنوك مركزية عدة تشديد السياسة النقدية، بينما في غضون ذلك، يعطي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، إشارات متزايدة على أن الاحتياطي الفيدرالي على وشك بدء تقليص برنامجه القوي لشراء السندات، الذي اقترح أنه من المرجَّح أن ينتهي منتصف عام 2022.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، أن ذلك ينطوي على أخطار وضع تركيا مرة أخرى، في خط مواجهة اقتصادات الأسواق الناشئة، التي ستتأثر بشدة بالتحول إلى شروط السياسة النقدية العالمية المتشددة، كما حدث خلال فترة بن برنانكي، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي عام 2013.

واشتهر برنانكى، بأنه زعيم سياسي جسور ساعد في تجنُّب كساد عالمي، بقيادته الشجاعة لبنك الاحتياط الفيدرالي، واستخدامه سياسات جديدة وعلى قدر كبير من المخاطرة، إلا أنه في الوقت نفسه ترك لخَلَفه مجموعة من المشكلات غير المسبوقة.

 

غير مُبشِّـر

وأضاف لاكمان، أنه لا شيء يبشِّـر بالخير بالنسبة للاقتصاد التركي، في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية عام 2023، موضحًا أنه من المرجَّح أن يتجه المستثمرون المحليون والأجانب إلى الخارج، لأنهم يرون أسعار الفائدة متأخرة عن التضخم، فضلًا عن زيادة جاذبية أسعار الفائدة في الخارج.

وأشار إلى أن هذا بدوره، من المرجَّح أن يرسل العملة إلى مستويات أدنى حتى الآن، ما يغذي المسيرة الصعودية في التضخم المحلي، الذي قد يدفع أردوغان ثمنه غاليًا في انتخابات 2023.

وقال الخبير الاقتصادي: إن المشكلات الاقتصادية في تركيا، قد تكون حكاية تحذيرية لاقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى، من مخاطر اتباع سياسات نقدية غير تقليدية، في وقت تشديد شروط السيولة العالمية، مشيرًا إلى أنه قد يكون أيضًا تحذيرًا مبكرًا لصانعي السياسات، في البلدان الصناعية المتقدِّمة، من المشكلات المحتملة في اقتصادات السوق الناشئة.