خمسة انتخابات تكشف تخبُّط بايدن في ترويجه للديمقراطية في العالم

توجَّه الناخبون الإيرانيون، إلى صناديق الاقتراع في 18 يونيو، في انتخابات يعلم الجميع أنها صورية، تحاكي الطقوس الشكلية، التي يمارسها أتباع المرشد، عند ظهوره على الملأ.

خمسة انتخابات تكشف تخبُّط بايدن في ترويجه للديمقراطية في العالم
الرئيس الأمريكي جو بايدن

ترجمات - السياق

توجَّه الناخبون الإيرانيون، إلى صناديق الاقتراع في 18 يونيو، في انتخابات يعلم الجميع أنها صورية، تحاكي -إلى حد كبير- الطقوس الشكلية، التي يمارسها أتباع المرشد، عند ظهوره على الملأ.

انتخابات، اعترف نيد برايس، المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أمس -مؤكدا وجهة نظر الإدارة الأمريكية- بأنها "مصطنعة"، في تصريحات أدلى بها للصحفيين، ونشرتها "رويترز"، قال فيها: "تهدف سياستنا تجاه إيران، إلى تعزيز المصالح الأمريكية، بصرف النظر عمّن يتم اختياره رئيساً لإيران، في عملية نعتبرها مصطنعة للغاية، لم تكن عملية انتخابية حرة ولا نزيهة".

ومع ذلك يخرج مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، على شاشة التلفاز، الأحد، باسم الدبلوماسية المستمرة، ليروِّج لاتفاق مع ديكتاتور.

عملياً، يحاول سوليفان تبني نمط، يستخدمه الديمقراطيون، للدفاع عن إيران ضد الإيرانيين، الذين يسعون للعودة إلى الديمقراطية البرلمانية.

تاريخياً، بدأت تجربة الديمقراطيين مع النظام الإيراني، بترحيب الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، بظهور النظام بعد سحب البساط من تحت قدمي الشاه، فتبنى كبار مساعديه فِكرة أن (آية الله) سيكون قوة ليبرالية، وفي عام 2009 تجنَّب أوباما مناصرة المتظاهرين الإيرانيين، خوفاً من إثارة حنق المرشد، الذي كتب له "عن جهل" طالباً إجراء محادثات.

في تلك المرحلة، رفع المتظاهرون الإيرانيون شعارات، صيغت بقوافي اللغة الفارسية، حملت رسالة مباشرة لأوباما: إما أن تكون معنا أو علينا، ففضَّل الآخير الاصطفاف إلى جانب خامنئي، وهكذا يبدو الأمر مع الرئيس جو بايدن ومستشاره سوليفان.

حبذا لو كانت انتخابات إيران استثناءً لا قاعدة، لكن الحقيقة عكس ذلك. فبينما تصدَّرت الانتخابات الإيرانية عناوين الصحف، كانت دول عدة، تفتح مراكز الاقتراع للناخبين، كإثيوبيا التي بدأت العملية الانتخابية فيها 21 يونيو الجاري، بعد تأخير استمر 9 أشهر بإيعاز "أحادي الجانب" ومباشر من رئيس الوزراء آبي احمد، أصدره رغم رفض قوى المعارضة، لاسيما في مقاطعة تيغراي، موطن أحد أحزاب المعارضة الأكثر تنظيماً في إثيوبيا، "جبهة تحرير تيغراي"، فقرَّرت تنظيم انتخابات أحادية في الإقليم، لم تعترف بها الحكومة، وأشعلت صراعاً بين الطرفين، انتهى بسيطرة القوات الحكومية على تيغراي، واستبعاد الإقليم من ممارسة الاقتراع.

في الوقت الذي خرج فيه آبي للعالم، واصفاً انتخاباته بـ"التاريخية"، لم يتمكَّن الشعب في إقليم تيغراي، من التصويت داخل مقاطعتهم، التي مازالت تشهد قتالاً منذ نوفمبر 2020، حيث تتزايد الروايات عن فظائع ضد المدنيين، من مذابح وعمليات اغتصاب، إضافة إلى ما أوردته تقارير الأمم المتحدة، عن وجود ما لا يقل عن 350 ألف شخص، يواجهون المجاعة، وهو ما تنفيه الحكومة الإثيوبية.

إلى الطرف الآخر من البلاد، أوروميا مسقط رأس آبي نفسه، والمنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، اقتادت حكومة آبي قادة ومرشَّحي المعارضة وزجَّت بهم في المعتقلات، وسط احتجاجات شعبية رافضة لهذه الإجراءات، رافقتها انتقادات من مراقبي المجتمع المدني لهذه المخالفات.

وفي إطلالة أخرى لحكومة آبي، أشادت بيرتوكان ميديكسا، رئيسة المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا، بالعملية الانتخابية متجاهلة الحقيقة، بدعوى ردَّت خلالها على المنظمات الأمريكية التي راقبت الانتخابات، كالمعهد الجمهوري الدولي​(IRI)  والمعهد الديمقراطي الوطني، قالت فيها: "إن تلك المنظمات كانت تمارس المراقبة افتراضياً، ربما كان لدى المعهد الجمهوري الدولي خبير واحد من واشنطن، على الأراضي الإثيوبية التي يزيد عدد سكانها  على 100 مليون نسمة".

في بيانها، على لسان نيد برايس، أبدت الخارجية الأمريكية قلقها البالغ حيال البيئة، والطريقة التي تجرى بها الانتخابات الإثيوبية، بنص صريح قالت فيه: "إن اعتقال المعارضين السياسيين، ومضايقات وسائل الإعلام المستقلة والأنشطة الحزبية، من الحكومة والأنشطة الحزبية، من الحكومات المحلية والإقليمية والعديد من النزاعات العِرقية والطائفية في جميع أنحاء إثيوبيا، عقبات أمام عملية انتخابية حرة ونزيهة، وسبب تشكيك الإثيوبيين في مصداقيتها".

وأضافت: "إن استبعاد قطاعات كبيرة من الناخبين من المشاركة في هذه المنافسة، لأسباب أمنية أو ردها لقضايا النزوح الداخلي، أمر يثير القلق"، ومع استمرار فرز الأصوات، يبدو أن مخاوف وزارة الخارجية صحيحة.

ومع ذلك فإن إدانات برايس، حقيقةً، لا تعني الكثير، ولا حتى العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن، على القيادات السياسة والعسكرية، المتمثِّلة بتقييد إصدار التأشيرات لهم، ترتقي إلى مستوى الحدث، لنا هنا تسليط الضوء على أنه، لا وزير الخارجية بلينكن، ولا مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وضعا ربع مليار دولار من المساعدات لإثيوبيا في تلك المعادلة، من الواضح أنه لا وجود لأحد في إدارة بايدن، يرغب في توظيف الأموال بمكانها الأنسب.

إنصافاً، لم تسر جميع الانتخابات بذاك الشكل السيئ، فقد دعا رئيس الوزراء الأرميني المحاصر نيكول باشينيان، إلى إجراء انتخابات مبكرة وفاز بهامش مفاجئ، وكانت منظمة الأمن والتعاون بأوروبا، راقبت سير الانتخابات، واعتبرتها حرة ونزيهة.

ورغم أن الأرمن ما زالوا غاضبين من سلوك باشينيان وحرب ناغونو كاراباخ، فإن نتائج الانتخابات أبدت عدم استعدادهم للتخلي عن ديمقراطيتهم، رغم هشاشتها، للعودة مرة أخرى، إلى سلطة الحرس القديم واستبداده.

في الموقف الأرميني، هنأت الخارجية الأمريكية الأرمن على الانتخابات، لكن بيان التهنئة، لم يتضمن أي شكل من أشكال المكافآت لباشينيان، ولا الدعم لمسيرة ديمقراطية وصفناها بالهشة، تزامنت مع جولة بايدن التي سبغ خطاباته فيها، بأولوية تعزيز الديمقراطية في العالم، وهنا نشير بالأصبع ذاته، إلى إساءة إدارة بايدن في توظيف المال.

في الصومال، بعد إنفاق مليارات الدولارات لدفعها نحو الانتخابات، وحث الرئيس الصومالي محمد فرماجو لإدارة الحكم، نجحت منطقة شمال أرض الصومال، في إجراء انتخابات الصوت الواحد، بتكلفة بسيطة نسبياً، تضمَّنت تقنية مسح بصمة العين البيومترية، لم يكن الحال في الصومال مجرد غطاء لشرعية ديكتاتورية كما في إثيوبيا، بل أدى إلى انتصار المعارضة.

انتخابات الصومال، جذبت اهتمام دبلوماسيين أفريقيين وأوروبيين لمتابعتها، ولمراقبة نشأة ما أصبح "الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في القرن الأفريقي"، هنا أيضاً لم تقدِّم السفارة الأمريكية، حتى تهنئة، بل على العكس، اعترف بايدن بأن اهتمامه بأفريقيا، أقل من اهتمام سلفه ترامب، أما بلينكن فقد أظهر أن خطابه عن الديمقراطية كان ضرباً من الإنشاء السياسي الفارغ.

من المفترض ألا يكون الترويج لفضائل الديمقراطية بهذا التعقيد، وعلى أمريكا إظهار تفضيلها الديمقراطيات على الديكتاتوريات، فقد كافأ بايدن وبلينكن أذربيجان، التي كانت ديكتاتوريتها تحاكي، إلى حد كبير، حكم صدام حسين، بمساعدات عسكرية، بينما كانت أرمينيا، التي دأبت على تعزيز الديمقراطية في نهجها، تستحق السخاء الأمريكي وتقديم مساعدات بـ 100 مليون دولار على الأقل،  فأرمينا لا تزال الدولة الوحيدة في العالم، الرازخة تحت حصار مزدوج بين تركيا وأذربيجان، اللتين يفترض أن يقايضهما البيت الأبيض، بمساعداته مقابل فك الحصار عن جارهما المسيحي، وإعادة التزامهما بدبلوماسية مجموعة مينسك.

في السياق ذاته، أثبتت صوماليا لاند قوة الديمقراطية فيها، لكن منطقية النهج الديمقراطي للخارجية الأمريكية، ستعيدها إلى سياسة "المسارين" في الصومال، التي ألغاها السفير   الأمريكي ياماموتو من جانب واحد، إن الدعم الأمريكي للديمقراطية، سيؤدي إلى مزيد من التوافق مع الحلفاء الأوروبيين.

قد يكون هناك الكثير من الطروحات عن تعزيز الديمقراطية في العالم لمناقشتها، لكن ذلك يتطلَّب استعداداً من الديمقراطيين والجمهوريين، للاتفاق على أفضلية الديمقراطية على الديكتاتورية، وبناءً عليه، فإن على الولايات المتحدة مكافأة الحكومات، التي تعتنق نهجاً ديمقراطياً بسخاء أكبر من مكافآت الديكتاتوريات.

لا ينبغي، أن تكافأ إيران والصين وأذربيجان وتركيا أو إثيوبيا أو الصومال، فذلك يبعث برسائل مضللة للتجارب الديمقراطية الفتية، لقد حان الوقت لإنهاء هذا التناقض المنطقي الصارخ، في مركز سياسات إدارة بايدن.