السودان ينضم لمبادرة البلدان المثقلة بالديون.. ما تأثير القرار على الخرطوم؟
وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، على قرار انضمام السودان إلى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون الهيبك، ما يسمح للبلد الأفريقي بتخفيف الديون الخارجية التي أثقلت كاهله، على مدار سنوات.

السياق
وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، الثلاثاء، على قرار انضمام السودان إلى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون "الهيبك"، ما يسمح للبلد الأفريقي بتخفيف الديون الخارجية التي أثقلت كاهله، على مدار سنوات.
وقال كبير المسؤولين في وزارة المالية السودانية، مجدي أمين، في سلسلة تغريدات عبر حسابه على "تويتر"، إن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي وصل إلى نقطة اتخاذ القرار بشأن دخول السودان مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون.
نادي باريس
أشار إلى أن بلده سيشرع في المفاوضات مع نادي باريس في يوليو/تموز المقبل، وهي الخطوة الأولى في عملية قالت عنها "رويترز"، إنها ستشمل أيضًا التفاوض مع الدول غير الأعضاء في النادي والمقرضين التجاريين على خفض الديون.
ووصف المسؤول السوداني القرار بـ"اليوم التاريخي" لبلاده، مشيرًا إلى أن الخرطوم أنهت العديد من الإصلاحات المطلوبة، وأزالت العديد من التشوهات، ووافقت على استراتيجية الحد من الفقر، وأعدت الإجراءات لتحسين الحوكمة الاقتصادية ودفع عجلة النمو الاقتصادي.
وأكد أن هذه الخطوة لم تكن ممكنة إلا بعد تحمل مواطنيه العبء الثقيل للإصلاح الاقتصادي بقوة وصبر، على حد قوله.
وقال مسؤول في صندوق النقد الدولي، في تصريحات لوكالة "رويترز"، إنه بعد مرور ربع قرن على إطلاق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي برنامج تخفيف عبء الديون الخاص بهما، فإن السودان هو الاقتصاد قبل الأخير الذي سيخوض هذه العملية.
تسهيل ائتماني
من المتوقع أن يعلن صندوق النقد الدولي عن تسهيل ائتماني ممتد للسودان -أحد أكبر بلدان أفريقيا وأكثرها سكانًا- سيوفر تمويلًا جديدًا في شكل منح وقروض رخيصة.
وقال محللون إن القرار جاء بوتيرة تاريخية سريعة، مشيرين إلى أنه نتاج لحسن النية الدولية تجاه القادة المدنيين في البلاد وإصلاحات اقتصادية سريعة ومؤلمة.
من جانبه، قال إيان كلارك الشريك في شركة "White & Cas" القانونية، في تصريحات لوكالة "رويترز": لقد كانت رحلة طويلة بالنسبة للسودان، ولم تنتهِ بعد، مشيرًا إلى أن قرار صندوق النقد الدولي يُعدّ علامة بارزة على طريق البلاد نحو مستقبل أكثر ازدهارًا.
تأثير القرار
يمهد قرار صندوق النقد الطريق إلى تخفيف مؤقت وفوري لبعض ديون السودان، إلا أنه للحصول على تخفيض شامل وغير قابل للإلغاء في الديون يجب على السودان أن يفي بشروط "نقطة الإنجاز"، التي يتوقع الكثيرون أن يصل إلى تحقيقها في غضون ثلاث سنوات.
وقال مسؤول آخر في صندوق النقد الدولي، إن بلوغ نقطة القرار يعني أن صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يمنح السودان تسهيلات ائتمانية ممتدة لمدة ثلاث سنوات، لتقديم تمويل مباشر في الوقت الذي تمضي فيه الخرطوم قدمًا في الإصلاحات.
وبينما يقدّر صندوق النقد الدولي أن السودان يحتاج إلى أكثر من 7 مليارات دولار من التمويل الخارجي على مدى العامين المقبلين، قالت وكالة "رويترز"، إن خطوة صندوق النقد، أمر بالغ الأهمية لحكومة السودان المثقلة بالأعباء التي تكافح من أجل تمويل واردات الوقود والأدوية.
إلا أن الإصلاحات اللازمة للوصول إلى هذه النقطة كانت مكلفة بالنسبة إلى العديد من السودانيين، التي أجبرت معظم العائلات على خفض الإنفاق على الطعام والمواصلات مع ارتفاع التكاليف.
وعن تلك النقطة، يقول جوناس هورنر محلل شؤون السودان في مجموعة الأزمات الدولية، إنه من الضروري أن تنقل الحكومة بشكل صحيح إلى السكان، مميزات الوصول إلى تلك النقطة، حتى لا ينظرون إلى ما وصفه بـ"الألم" الذي أصابهم.
ديون السودان
ويقترب السودان من مرحلة رئيسة لتسوية ما يقرب من 50 مليار دولار من ديونه الخارجية، بينها 19 مليار دولار مستحقة لدول نادي باريس والشيء نفسه لدول غير أعضاء في نادي باريس بما في ذلك الكويت والمملكة العربية السعودية والصين.
وتُقدّر ديون السودان التجارية بنحو 6 مليارات دولار، يقابلها تقريبًا ما تدين به للمنظمات متعددة الأطراف قبل تسوية المتأخرات هذا العام.
ويضم نادي باريس مجموعة من المسؤولين من الدول الدائنة الرئيسة، ويتمثّل دورهم في إيجاد حلول منسقة ومستدامة لصعوبات السداد التي تواجهها الدول الواقعة تحت ضغوط الديون.
عزلة اقتصادية
تاريخياً، عانى البلد الأفريقي الصراع وعدم الاستقرار والعزلة الاقتصادية طوال تاريخه تقريبًا منذ عام 1956.
وبحسب تقرير للبنك الدولي، اطلعت منصة "السياق" الإعلامية على نسخة منه، فإن دخل الفرد في السودان يبلغ 590 دولارًا فقط في السنة، ما يجعله واحدًا من أفقر دول العالم.
وتحاول الحكومة الانتقالية في السودان إخراجه من أزمة اقتصادية عميقة، إذ تجاوز التضخم 300%، وسط حاجة ملحة إلى السلع الأساسية بسبب قلة احتياطيات العملات الأجنبية.
ومر السودان بإصلاحات اقتصادية سريعة، كان آخرها إلغاء سعر الصرف الجمركي، المستخدم لحساب رسوم الاستيراد، كخطوة أخيرة في تخفيض قيمة عملتها المحلية.
إلا أن الخطوة المتبقية كانت تسوية متأخرات البلد الأفريقي المستحقة لصندوق النقد الدولي، والتي أكدت فرنسا أنها ستسهلها من خلال قرض مرحلي بقيمة 1.5 مليار دولار.
وبحسب "رويترز"، فإن السودان حصل بالفعل على قروض تيسيرية من الولايات المتحدة وبريطانيا لسداد متأخرات مستحقة للبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي.
ما مبادرة الهيبك؟
أطلق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في عام 1996 مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون "الهيبك" بوصفها إطارًا لتخفيف عبء الديون للبلدان المؤهلة.
وأعفت مبادرة الهيبك وبرامج المبادرة المتعددة الأطراف لتخفيف عبء الديون 37 دولة بينها 31 في أفريقيا وحدها، بإجمالي ديون بلغت أكثر من 100 مليار دولار.
ومن بين 39 دولة مؤهلة لبرنامج هيبك لم تتبق من الدول المشاركة سوى السودان وإريتريا.