إرضاء الكونغرس وإسرائيل والعرب... المحطة الأصعب في سياسات بايدن مع إيران

قال مسؤولون في الإدارة الأمريكية، إن الرئيس بايدن تصرَّف بموجب سُلطته الدستورية، للدفاع عن القوات الأمريكية، بشن غارات جوية، على المواقع المستخدمة لشن هجمات بطائرات من دون طيار، على القوات الأمريكية

إرضاء الكونغرس وإسرائيل والعرب... المحطة الأصعب في سياسات بايدن مع إيران
الرئيس الأمريكي جو بايدن

ترجمات - السياق

تُظهر الضربات الجوية، التي أمر بها الرئيس الأمريكي جو بايدن، ضد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق، كيف يتعيَّن عليه التنقُّل بين استخدام القوة ومتابعة الدبلوماسية، لإحياء الاتفاق النووي، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية، إن الرئيس بايدن تصرَّف بموجب سُلطته الدستورية، للدفاع عن القوات الأمريكية، بشن غارات جوية، على المواقع المستخدمة لشن هجمات بطائرات من دون طيار، على القوات الأمريكية.

وقالت "نيويورك تايمز": إن قرار بايدن بضرب المليشيات المدعومة من إيران، في العراق وسوريا، في ساعة مبكرة من صباح الاثنين 28 يونيو 2021، يوضح التوازن الدقيق في سياسته تجاه طهران، إذ يجب أن يُظهر استعداده لاستخدام القوة، للدفاع عن المصالح الأمريكية، مع الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية الهشة منفتحة، حيث يحاول البلدان إحياء اتفاق 2015، الذي يحد من برنامج إيران النووي.

بالمقابل، أصر مسؤولو الإدارة الأمريكية، على أن المسألتين منفصلتان، وقالوا إن بايدن تصرَّف بموجب سُلطته الدستورية، للدفاع عن القوات الأمريكية، من خلال شن غارات جوية على المواقع المستخدمة لشن هجمات بطائرات من دون طيار على القوات الأمريكية في العراق، مشيرين إلى أن ذلك ينبغي ألا يتعارض مع معطيات عودة البلدين إلى الامتثال للاتفاق النووي الموقَّع عام 2015، بحسب "نيويورك تايمز".

قضايا متشابكة

في الواقع، القضايا متشابكة بشدة، فبالنسبة للإيرانيين، الطريق نحو القدرة على بناء سلاح نووي، كان جزئيًا محاولة لإثبات أن طهران قوة لا يُستهان بها، في الشرق الأوسط وخارجه.

والآن تتعزَّز قوة إيران، من خلال ترسانة جديدة من الطائرات من دون طيار عالية الدقة، والصواريخ بعيدة المدى، والأسلحة الإلكترونية المتطوِّرة بشكل متزايد، التي يتضمَّن بعضها تقنيات بدت أكبر من قوة طهران الاعتيادية، عندما تم التفاوض على الاتفاق النووي عام 2015.

لذلك، فإن من أهداف بايدن، في محاولة إحياء الاتفاق النووي، استخدام هذا التفاوض كخطوة أولى، لمعالجة القضايا العالقة مع طهران، بما في ذلك دعمها للجماعات الإرهابية، وترسانتها الموسَّعة في المنطقة.

لكن الضربة الأمريكية الأخيرة -حسب مقال نيويورك تايمز- لا يُتوقَّع لها أن تؤثِّر بشكل كبير في إيران، وهناك تحذيرات من خطورة التصعيد، إذ في وقت لاحق من يوم الاثنين 28 يونيو -عقب الضربة الأمريكية- اشتُبه في أن فصائل مدعومة من إيران، أطلقت صواريخ على القوات الأمريكية في سوريا، بحسب المتحدِّث العسكري الأمريكي، الكولونيل واين ماروتو. وقالت وسائل إعلام كردية سورية، إن الهدف كان القوات الأمريكية، بالقرب من حقل نفط.

سياسة متماسكة وضغوط

لكن حتى إذا نجحت الإدارة الأمريكية، في إعادة وضع الاتفاق النووي مع إيران على الطاولة، سيظل بايدن يواجه التحدي المتمثِّل بضرورة المزيد من السيطرة على الإيرانيين، في بقية القضايا العالقة، وليس الملف النووي فقط.

وبهذا المعنى، تؤكد الضربات الجوية الأخيرة، على بعض الأهداف الإيرانية، ثم استمراره في المفاوضات النووية، أن بايدن بينما يحاول إنشاء سياسة متماسكة تجاه إيران، يواجه أيضًا ضغوطًا في اتجاهات مختلفة، من الكونغرس وإسرائيل والحلفاء العرب، بصرف النظر عن عقبة حكومة طهران المقبلة، بقيادة إبراهيم رئيسي، التي وضُعت تحت مقصلة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية عام 2019، والتي خلصت إلى أن رئيسي، كان أحد المشاركين في ما تسمى "لجنة الموت" التي أمرت -منذ أكثر من 30 عامًا- بإعدام آلاف السجناء السياسيين خارج نطاق القانون.

 

حرب منخفضة الحدة

ففي الكونغرس، يرى بعض الديمقراطيين، أن الضربات العسكرية التي أمر بها بايدن، استمرار لنمط تجاوز الرئيس في استخدام سُلطات الحرب، من دون استشارة الكونغرس ولا موافقته.

وتساءل السيناتور كريستوفر إس مورفي، وهو ديمقراطي من ولاية كونيتيكت، عما إذا كانت هجمات إيران المتكرِّرة، من وكلائها في العراق، "حرب منخفضة الحِدة".

وقال: "لا يمكنك الاستمرار في إعلان استغلال المادة الثانية من الدستور مرارًا وتكرارًا"، في إشارة إلى السُّلطة الدستورية، التي تكفل لبايدن -بصفته القائد الأعلى- تبرير مثل هذه الهجمات، لكن عليه استشارة الكونغرس أولاً.

وأوضح مورفي، أن "الهجمات المضادة المتكرِّرة على القوات التي تعمل بالوكالة الإيرانية، تبدو وكأنها ما يمكن اعتباره نمطًا من الأعمال العدائية" التي تتطلَّب من الكونغرس، مناقشة إعلان الحرب، مضيفاً: "بحسب الدستور وقانون سُلطات الحرب، فإنه يتعيَّن على الرئيس بايدن، أن يأتي إلى الكونغرس، لإعلان الحرب في تلك الظروف".

 

تجنُّب الحرب

حُجة بايدن، بالطبع -حسب نيويورك تايمز- تحقيق المعادلة، بين الهجوم على بعض المواقع المحسوبة على إيران، وإعادة مفاوضات الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وكلها أمور تدور حول تجنُّب الحرب.

ويقول مسؤولو البيت الأبيض: إن بايدن لا ينوي السعي لإعلان الحرب، سواء مع إيران أو وكلائها، بينما وصف وزير الخارجية أنتوني بلينكين الضربات، بأنها "إجراءات ضرورية ومناسبة ومدروسة، تهدف إلى الحد من مخاطر التصعيد، لكنها أيضًا رسالة ردع واضحة ومحدَّدة".

في الوقت نفسه، تُعَدُّ مثل هذه الهجمات أيضًا، جزءًا من حملات الجمهوريين ضد بايدن، الذين عارضوا بشدة اتفاق 2015 ويسعون إلى تصويره على أنه ضعيف، في مواجهة العدوان الإيراني.

أما البيت الأبيض، فكان له رأي آخر، إذ قالت جين بساكي، الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض: إن حُجة الهجمات كانت بسيطة: "الهجمات ضد قواتنا يجب أن تتوقَّف، ولهذا السبب أمر الرئيس بالعملية الأخيرة، دفاعاً عن أفرادنا في هذه المناطق"، وتابعت: "الوكيل الإيراني شن خمس هجمات بطائرات من دون طيار على القوات الأمريكية، منذ أبريل 2021، وحان الوقت لوقف هذه الخروق".

 

الموقف الإسرائيلي

بالنسبة لبايدن، فإن الكونغرس ليس سوى جزء من التعقيدات المحيطة بالتعامل مع إيران، فقد أعربت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، عن تحفظاتها المستمرة على إعادة العمل باتفاق 2015، كما فعل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، عندما ضغط ضد الاتفاقية نفسها، أثناء توليه المنصب.

وعندما بدأت الإدارة الأمريكية، إطلاع الحلفاء والكونغرس على الهجوم ضد الميليشيات المدعومة من إيران، التقى بايدن الرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته رؤوفين ريفلين، قبل تنحيه، إذ كانت جلسة وداع إلى حد كبير، لشكره على سنوات شراكته مع الولايات المتحدة، بما في ذلك سبع سنوات رئيسًا لإسرائيل.

واستغل بايدن تلك اللحظة، في المكتب البيضاوي مع ريفلين، ليكرِّر تعهده بأن "إيران لن تمتلك سلاحًا نوويًا في عهدتي".

كان القصد من التصريح، أن يكون علامة على أن إسرائيل والولايات المتحدة، تشتركان في الهدف نفسه، رغم أن لديهما مفاهيم مختلفة للغاية، عن نزع سلاح الإيرانيين.

وهناك خلافات في الرأي، على نوع الاتفاق النووي المطلوب الآن، بعد ست سنوات من دخول الاتفاقية الأصلية حيِّـز التنفيذ، فقد أحرزت إيران تقدُّمًا ملحوظًا في أنظمة الأسلحة الأخرى.

 

الاتفاق النووي لا يكفي

اعترف كبار المسؤولين في إدارة بايدن، بأن من أوجه القصور في الاتفاق النووي القديم، أنه يجب أن يكون "أطول وأقوى" وأن يعالج برنامج تطوير الصواريخ الإيراني ودعم الإرهاب.

الآن يبدو أن الهوة تتسع أكثر، إذ من الواضح بشكل متزايد، أن أي اتفاق شامل يعالج العديد من شكاوى أمريكا بشأن سلوك إيران، يجب أن يتضمَّن أيضًا مجموعة واسعة من حظر الأسلحة الجديدة، التي يمكن للجيش الإيراني استخدامها، التي لم تكن طهران تمتلكها قبل 6 سنوات.

اليوم، تستخدم القوات الإيرانية بانتظام تلك الأسلحة، وأبرزها: الطائرات من دون طيار، التي يمكنها إطلاق سلاح تقليدي صغير بدقة مميتة، ضد القوات الأمريكية، والصواريخ التي يمكن أن تستهدف الشرق الأوسط كله وشواطئ أوروبا، والأسلحة الإلكترونية، التي تحوَّلت ضد المؤسسات المالية الأمريكية.

اتفاق 2015 لا يتضمَّن أيًا من تلك الأسلحة، رغم وجود اتفاقية صاروخية منفصلة مصاحبة له، مدعومة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تجاهلتها إيران إلى حد كبير.

هناك اعتراف متزايد، بأنه إذا أراد بلينكين أن يفي بوعده باتفاقية "طويلة وقوية"، يتعيَّـن عليه أن يشمل العديد من تلك الأسلحة، وليس الصواريخ فقط.

السؤال هو: هل يمكن إدراج إيران في اتفاقية تتضمَّن تلك التقنيات، على افتراض استعادة جوهر اتفاق 2015؟

وردًا على ذلك، يقول مساعدو بايدن: إن هذا هو هدفه الحقيقي، ويستطيع الوصول إليه، خصوصًا أن إيران تهمها أكثر مبيعات النفط، وكذلك الحصول على احتياطي أجنبي يساعدها في تخطي محنتها، بعد العقوبات الأمريكية التي حاصرتها طوال السنوات الماضية.

 

رضوخ محافظي إيران

لكن النظرية القائلة، إن واشنطن يمكن أن تتفاوض مع الحكومة الجديدة، لا تزال غير مفيدة، وهناك بعض العلامات المقلقة، بحسب "نيويورك تايمز".

من دون تفسير، رفضت إيران تمديد اتفاق مع المفتشين النوويين الدوليين، انتهى الأسبوع الماضي، ولديها كاميرات أمنية وأجهزة استشعار أخرى مثبتة على مخزون البلاد من الوقود النووي، وحتى مع استمرار المفتشين في إجراء المحادثات، لن يستطيعوا معرفة إذا ما تم نقل بعض هذا الوقود لاستخدامه في عمل قنابل نووية، أم لا، الأمر الذي يضغط الكونغرس وإسرائيل والخليج لمعرفته.

الأحاديث الجانبية، خلال فترة المفاوضات النووية، التي استضافتها فيينا، كشفت أن إيران لن تعمل إلا وفق شروطها، وبالتأكيد هذه الشروط، لن تسمح للمراقبين الدوليين، بالولوج إلى تفاصيل صُنع قنبلة نووية، ما يجعل الغرب بعيدًا عما يدور داخل إيران، في هذا الشأن، لكن إدارة بايدن قد تزيد ضغوطها، ما يجعل الاتفاق النووي برمته على المحك، وقد يحدث مزيد من التصعيد بين الجانبين، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة.