أزمة الخيانة في الجزائر ... شخصيات تاريخية في مرمى الانتقاد

سرت تصريحات المعارض الأمازيغي في الرأي العام الجزائري، كالنار في الهشيم، وأثارت تياراً جدلياً قوياً، شاركت فيه شخصيات، من العائلات التي ذكرها، ومغرِّدون على وسائل التواصل، ووزارة المجاهدين، ووزارة الإعلام، ومشاهير.

أزمة الخيانة في الجزائر ... شخصيات تاريخية في مرمى الانتقاد
الأمير عبدالقادر

السياق

أثار البرلماني الجزائري السابق أيت حمودة، عاصفة من الجدل والانتقادات، إثر تصريحات له، خلال مقابلة تلفزيونية، اتهم فيها الأمير عبد القادر، أحد أهم رموز الجزائر، بالخيانة، كما تضمَّنت تصريحاته اتهامات، وإهانات، لشخصيات وطنية أخرى، كمصالي الحاج، أحد قادة الحركة الوطنية، والرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين.

كالنار في الهشيم
قال أيت حمودة، وهو نجل العقيد عميروش، أحد قادة حرب الاستقلال عن فرنسا، في حواره مع قناة الحياة الجزائرية، إن الأمير عبدالقادر، وأبناءه، وأحفاده، حتى اليوم، يتقاضون معونات مادية فرنسية، منذ عهد نابليون الثالث، كما أنه "باع" الجزائر لفرنسا، من خلال توقيعه معاهدة "التافنة" مع الجنرال بيجو، وبموجبها ترك الأمير مناطق شمال الجزائر للفرنسيين.
وأضاف أيت حمودة، أن الأمير عبدالقادر، كذلك انضم إلى المحفل الماسوني في فرنسا.
سرت تصريحات المعارض "الأمازيغي" في الرأي العام الجزائري، كالنار في الهشيم، وأثارت تياراً جدلياً قوياً، شاركت فيه شخصيات، من العائلات التي ذكرها، ومغرِّدون على وسائل التواصل، ووزارة المجاهدين، ووزارة الإعلام، ومشاهير.

القناة والمذيع يتبرآن من التصريحات
اضطرت "الحياة" إلى حذف المقابلة الصحفية، مع المعارض نور الدين أيت حمودة، من منصاتها في مواقع التواصل، كما أصدرت بياناً "توضيحيًا" موقَّعاً من "هابت حناشي" مالكها، الذي أدار المقابلة الصحفية أيضاً، قال فيه: ما جاء في هذه المقابلة من تصريحات، لا يعبِّـر بأي شكل من الأشكال، عن وِجهة نظر القناة، أو مقدِّم البرنامج، وهذه التصريحات تلزم قائلها فقط.  
ولا أقاسم السيد حمودة وِجهة نظره، وإجراء المقابلة لا يعني أنني موافق على ما جاء في تصريحاته.
وأشار إلى أنه مثلما فتح الباب لأيت حمودة، فهو أيضاً مفتوح أمام عائلة الأمير عبد القادر، وكل مَنْ يريد تقديم ما لديه، ليعاكس ما جاء في تصريحات الضيف، وأنه بالفعل تم الاتفاق مع زهور آسيا، إحدى حفيدات الأمير عبدالقادر، على تقديم وِجهة نظرها.

من "الحياة" إلى السجن
شهدت ما وُصفت إعلاميا بقضية "قناة الحياة" تطورات جديدة ومتسارعة، حُبس إثرها الضيف ومذيع القناة.

ففي مساء السبت الماضي، أوقف الأمن الجزائري هابت حناشي، مالك القناة، والمعارض السياسي نور الدين أيت حمودة، على خلفية التصريحات التي اعتُبرت متجاوزة  للخطوط الحُمر الخاصة بحرية التعبير.
وعُرض الاثنان على "وكيل الجمهورية" بمحكمة سيدي أمحمد، عقب دعاوى قضائية رُفعت ضدهما، من أشخاص يمثِّلون عائلات الأمير عبدالقادر وهواري ومصالي الحاج.
بينما توقَّع قانونيون، أن يوجِّه القضاء الجزائري 4 تُهم للمدعى عليهم، هي: الاعتداء على رموز الأمة والثورة، والإساءة لرئيس جمهورية سابق، وسب وشتم وقذف، ونشر خطاب كراهية، من شأنه التمييز بين الشعب الواحد.

الحكومة تتدخل
بعد انتهاء الحلقة، صدر بيان عن "سُلطة ضبط السمعي البصري"، الهيئة المعنية بمراقبة مضامين المحتوى الإعلامي، ومدى مطابقته لقوانين الجمهورية، تحديداً في ما يتعلق بقوانين السِّلم والمصالحة الوطنية وتجريم خطاب الكراهية، قالت فيه إن أيت حمودة، لا يمتلك الكفاءة اللازمة، التي تسمح له بالفصل في الحقائق التاريخة، ووقع في أخطاء وتناقضات مسَّت بذاكرة الأمة، في وقت يتهيأ فيه كل الجزائريين إلى الاحتفال بالذكرى الـ59 للاستقلال، مع توجيه إنذار للقناة، هو الرابع من نوعه ضدها، وسحب الاعتماد منها بشكل مؤقَّت.
كما ردَّت وزارة المجاهدين الجزائرية في بيان: لن نتوانى عن اتخاذ الإجراءات القانونية، ضد كل من يتجرَّأ على رموز تاريخنا الوطني ومآثرنا المجيدة.

كُتّاب على خط الأزمة
عقَّب الكاتب الصحفي الجزائري خالد عمر بن ققة، في مقال بعنوان "الأمير عبدالقادر... وخصومه العرب" قال فيه إن التشكيك في وطنية زعماء تاريخيين، أمثال الراحلين، الأمير عبدالقادر الجزائري، مؤسس الدولة الوطنية، وقائد المقاومة، والرئيسين أحمد بن بله وهواري بومدين، يكشف حالة الضعف والفراغ، سواء أكانت نابعة من سفاهة البعض، أو من تجييش لأطراف داخل المؤسسة الرسمية، لإبعاد الجزائريين عن حاضرهم، خاصة أنها تزامنت مع نشر خطاب كراهية ضد الدولة، ممثَّلة في رئيسها عبدالمجيد تبون، خطاب حامل لمفردات سوقية، وفيها ما يجعلها خارج الخطاب السياسي.
وفي السياق ذاته، وصف الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج، ماجاء على لسان حمودة، بالجهل والوهم والشعبوية المقيتة، وأنه ضمن عملية "تدمير منظم" وراءها أطراف هدفها محاربة رموز الجزائر .

تغريدات متباينة
خرجت تغريدات المتابعين، بين داعم  لموقف أيت حمودة ولائم له، ففريق رأى أن الهدف من تلك التصريحات، تشويه صورة الجزائر، وآخر رفض الهجوم عليه قائلاً إنه يتكلَّم بوثائق ووقائع تاريخية، بينما اتجه آخرون للدفاع عن كليهما، قائلين إن الوقائع، وإن كانت صحيحة، فهي لا تقلِّل من شأن الأمير عبدالقادر، الذي أدرك أن محاربة العدو خاسرة، فلجأ إلى مهادنته، حقناً للدماء الجزائرية.

الأحفاد يدافعون عن الأجداد
وفي معرض دفاعه عن جده وعائلته، قال الأمير جعفر حسني: إن الاستسلام أسلوب حربي معمول به، وليس خيانة، والأمير مر بظروف قاهرة، خاصة بعدما حوصر من ملك المغرب، وبخصوص الماسونية فإنها لم تكن في حينها بتلك الصورة السلبية، التي باتت عليها منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
وقالت إحدى حفيدات الأمير عبدالقادر، في برنامج تلفيزيوني رداً على اتهامات جدها بالخيانة: إن الأمير عبدالقادر عمل اسماً للجزائر، وإن احترام الآراء واجب على الجميع، لكن إن لم تجد لك حاقداً أو حاسداً، فاعلم أنك فاشل.