لهذه الأسباب أخطأ بايدن حينما رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب

لم تفاجأ دوائر صُنع القرار، المهتمة بالمسألة اليمنية، بما جاء في الخطاب الأول لجو بايدن، بسبب توقُّع صدوره، حيث كان وعداً انتخابياً، طالما قاله في خطاباته الترويجية، قبيل الانتخابات الأمريكية، فأغلبية قاعدته الانتخابية، كانت معارضة للدعم الأمريكي للحرب في اليمن، المتمثِّلة بالخدمات الاستخباراتية واللوجستية، التي تقدِّمها لقوات التحالف بقيادة السعودية.

لهذه الأسباب أخطأ بايدن حينما رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب

السياق

مع إعلان جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، مطلع العام الجاري، كان العالم متأهباً للمتغيرات التي سيحدثها ساكن البيت الأبيض الجديد، في السياسة الخارجية الأمريكية، في عدد من الملفات الشائكة والمعقَّدة، التي خلَّفها سلفه، الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.

ومن هذا الاتجاه، لم يكن مفاجئاً ما قاله بايدن في خطابه الأول، الذي ألقاه في 4 فبراير الماضي، من مقر وزارة الخارجية الأمريكية، إذ بدا استحواذ المسألة اليمنية، على معظم خطابه، الذي تضمَّن تعيين الدبلوماسي تيموثي ليندركينغ، مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، بعدما كانت السعودية، بوابة التعامل الأمريكي مع الملف اليمني، ولم يسبق للولايات المتحدة، الانخراط السياسي المباشر، في الملف اليمني.

لم تفاجأ دوائر صُنع القرار، المهتمة بالمسألة اليمنية، بما جاء في الخطاب الأول لجو بايدن، بسبب توقُّع صدوره، حيث كان وعداً انتخابياً، طالما قاله في خطاباته الترويجية، قبيل الانتخابات الأمريكية، فأغلبية قاعدته الانتخابية، كانت معارضة للدعم الأمريكي للحرب في اليمن، المتمثِّلة بالخدمات الاستخباراتية واللوجستية، التي تقدِّمها لقوات التحالف بقيادة السعودية.

لكن المفاجأة كانت بقراره، شطب الحوثيين من قائمة الإرهاب، القرار الذي رآه الكثيرون متسرِّعاً، وغير مكترث بمعطيات الواقع اليمني، وخرجت تساؤلات عديدة عن جدوى هذا القرار، وتأثيراته في مستقبل الحرب باليمن.

لماذا شطب بايدن الحوثيين من قوائم الإرهاب؟

عملية شطب جماعة، أو إضافة أخرى، إلى قوائم الإرهاب الأمريكية، ليس حدثاً اعتيادياً، ومن الأمور التي لا تتم سريعاً، فأثناء ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، دللت (CNN) على ضعف احتمال شطب الحوثيين من لائحة الإرهاب، وأن هذا القرار كان مأزقاً بالنسبة لبايدن.

وذكرت الصحيفة، أن ضم جماعة الحوثي إلى قائمة الإرهاب، من شأنه وضع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، في ظروف أشبه بصندوق مغلق، لا تستطيع من خلاله تطوير سياستها الخاصة باليمن، لافتين إلى أن إخراج جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، ليس بالأمر السهل.

ويرجِّح مراقبون، أن يكون قرار بايدن، رد فعل على سياسات ترامب تجاه إيران من جانب، والسعودية من جانب آخر، وبأنه رغبة شخصية لبايدن في تحقيق شيء مخالف لسياسة ترامب، وبه يؤسِّس توجُّهاته الخارجية الجديدة مع إيران، وأن يتبع معها سياسة "العصا والجزرة"، وهي الهدية التي لم تفوِّتها طهران.

إيران ومفاتيح الحرب في اليمن

أدركت إيران، أن التراجع عن تصنيف مليشيا الحوثي ارهابية، بادرة حُسن نية، ترك بايدن خيطها في اليمن، لتلتقطه طهران، بمكونيها الراضخين لإمرة المرشد الأعلى خامنئي، سواء ما يسمون المحافظين، الطرف الأقرب إلى جهاز الحرس الثوري، الأكثر نفوذاً في طهران، وأهم أداة ضغط لها في المنطقة، والقلم الذي يكتب المفاوضات، أو ما يسمون الإصلاحيين، المتمثِّلون بالحكومة، برئاسة حسن روحاني، الذين فقدوا كثيراً من رصيدهم الشعبي، بسبب انسحاب الإدارة الأمريكية السابقة من الاتفاق النووي، الذي أبرمته طهران مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، فضلاً عن الاختناق الاقتصادي، الذي أحدثته عقوبات ترامب، ولحقت به تبعات انتشار فيروس كورونا في إيران.

الخطأ الفادح

يؤكِّد المتابعون للشأن الإيراني، أن البلاد تفضِّل سياسة التصعيد، سواء في ما يخص الملف النووي، والصناعات الصاروخية، أو تأجيجها للصراعات في دول المنطقة، وهي السياسة التي اتبعتها، رداً على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، لتقفز من مرحلة تصعيدية إلى أخرى، ليكون بين يديها أكبر عدد من الأوراق، على طاولة المفاوضات.

ورأى محلِّلون، أن هذا القرار كان من شأنه تشجيع طهران على الإيعاز للحوثيين، بمزيد من التصعيد، للضغط على بايدن، حتى يرفع العقوبات المفروضة عليها، من دون الالتزام بإذعان إيران للاتفاق النووي، والتوقُّف عن خرقه.

دلَّل على ذلك أيضاً، إعلان إيران نفسها صراحة، كلاعب رئيس في اليمن، وذلك أثناء لقاء بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والمبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيت، وتصريحه عن دعم بلاده، لأي دور "فاعِل" تؤديه الأمم المتحدة، لإنهاء النزاع في اليمن.

في المقابل قال المبعوث الأممي في اليمن، ليندر كينغ، إن إيران لم تقدِّم أي تطور إيجابي للوضع في اليمن.

 لم تتعامل طهران، مع هذا القرار الأمريكي، باعتباره بادرة حُسن نية، بل اعتبرته مغنماً إضافياً مزدوجاً، يعزِّز قوتها التفاوضية من جانب، ويضفى شرعية زائفة على الميلشيا الحوثية، ويسرِّع وتيرة تحركاتهم الميدانية من جانب آخر، وتحقَّق ذلك، من خلال تحرُّكاتهم الأخيرة صوب مأرب، واستماتتهم في السيطرة عليها، ليستولوا على الأرض الغنية بالنفط، وبها يصبح موقفهم التفاوضي أقوى.

بعد إعلان جو بايدن، وقف دعم بلاده للحرب ضد الميلشيات الانقلابية في اليمن، بدأت طبيعة تلك المعارك حول مأرب تتغيَّـر، فحشدت كل قواها البشرية والآلية، على حدود المدينة، محاولة السيطرة عليها بأسرع وقت. وحتى اللحظة تستخدم كل أساليب الترويع، بما فيها قصف أحياء سكنية ومواقع مدنية، لإضعاف قوة المدينة، وتأليب رجال القبائل على الحكومة الشرعية.

 سيناريوهات أخرى

يتساءل كثيرون عمّا إذا كانت السياسة الخارجية لبايدن، قد رهنت مستقبل الحرب والسِّلم في اليمن، بمفاوضات فيينا، مفاوضات أمامها على أقل تقدير أشهر طويلة حتى تتضح معالمها، وعليه سيتحوَّل اليمن إلى ورقة ضغط إيرانية، على خصومها أثناء المفاوضات وبعدها.  

كما أن التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي لليمن، ليندر كينغ، التي حمَّل فيها الحوثيين مسؤولية استمرار الحرب، برفضهم وقف إطلاق النار، أو اتخاذ أي خطوات لحل الأزمة وإنهاء الصراع، بمواصلتهم الهجوم على مدينة مأرب، فضلاً عن تصريحات المبعوث الأممي مارتن غريفيثس، التي عبَّـر فيها عن إحباطه من المفاوضات مع الحوثيين، كل ذلك وضع قرارات بايدن، بشأن إلغاء الحوثيين من قائمة الإرهاب، ووقف دعم قوات التحالف العربي، محل تساؤل.