هل تتخلى الصين عن روسيا؟
رغم محاولات الصين الواضحة للنأى بنفسها عن روسيا، فإنها تبقي أسواقها مفتوحة وتوفر الأكسجين الذي لا غنى عنه للاقتصاد الروسي المتعثر تحت وطأة العقوبات الصارمة

ترجمات - السياق
سلَّطت صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، الضوء على العلاقات الصينية الروسية، والمشكلات التي تواجهها بكين في الوقت الحالي، بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقالت الصحيفة، في تحليل لأستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية في باريس، فيليب إس جولوب، إن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت، في 2 مارس الجاري، قراراً غير ملزم بأقوى العبارات بشأن عدوان روسيا على أوكرانيا، إذ نص القرار على أنه "يجب على الاتحاد الروسي سحب جميع قواته العسكرية بشكل فوري وكامل ومن دون قيد ولا شرط من أراضي أوكرانيا داخل حدودها المعترف بها دولياً، مشيراً إلى أن هناك 141 دولة صدقت على القرار، بينما صوَّتت 5 دول ضده وامتنعت 35 عن التصويت.
العزلة الروسية
بينما ركز معظم المراقبين على العزلة الدولية لروسيا، إلا أنه لم يتم إيلاء اهتمام كاف لأصوات جنوب الكرة الأرضية، التي امتنعت أجزاء كبيرة منها عن التصويت، مثل أنجولا وبوروندي ومالي وموزمبيق وناميبيا والسنغال وجنوب إفريقيا وجنوب السودان وتنزانيا وأوغندا في إفريقيا، والصين والهند وباكستان وسريلانكا وبنجلاديش وفيتنام ولاوس ومنجوليا وكازاخستان وقيرغيزستان في آسيا، كما لم تصوِّت تركمانستان وأوزبكستان.
وفي الشرق الأوسط امتنعت الجزائر وإيران والعراق عن التصويت، ورغم تصويت عدد من دول أمريكا اللاتينية على القرار، مثل البرازيل والمكسيك، فإنها انتقدت العقوبات المفروضة على روسيا.
وقال أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية في باريس، فيليب إس جولوب: "صحيح أن الامتناع عن التصويت لا يعني دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ إن المواقف تتطور مع انتشار آثار الموت والدمار الذي أحدثته آلة الحرب الروسية، لكن نمط التصويت نفسه يظهر أن الصورة التي رسمتها وسائل الإعلام الغربية والحكومات للعالم الموحد، ضد الاستبداد الخارج عن القانون، ليست دقيقة، حيث تمثل الدول الممتنعة عن التصويت نحو نِصف سكان العالم، ولذا فإنه لا يمكن أن تُعزى خيارات هذه الدول إلى أفكار استبدادية".
علاقات مسمومة
ورأى الكاتب، أن دوافع الدول تبدو مختلفة، إذ تتمتع دول مثل الهند أو جنوب إفريقيا بروابط اقتصادية ومؤسسية طويلة الأمد مع روسيا، كما أنها تدعم سياسات عدم الانحياز، بينما تسعى دول أخرى، مثل دول جنوب الصحراء الإفريقية الناطقة بالفرنسية، التي انفصلت تدريجياً عن أوروبا، إلى استرضاء الرأي العام الذي يتزايد فيه الخطاب المناهض لفرنسا بشكل خاص وللغرب بشكل عام.
وأشار إلى أنه بالنسبة لمالي فإن علاقاتها المسمومة مع باريس وإقامتها لعلاقات أمنية مع موسكو تفسران تصويتها على القرار، بينما لا تريد إيران، التي قالت إن لديها أسبابًا قوية لدعم حظر ميثاق الأمم المتحدة للحروب العدوانية، المساومة على علاقتها بروسيا، التي تعمل جزئياً على موازنة القوة الأمريكية في الشرق الأوسط والخليج.
وأضاف: "رغم الاختلافات، فإن هناك فكرتين مترابطتين لدى الممتنعين عن التصويت، الأولى افتراض مشترك بأن الولايات المتحدة وأوروبا تتحملان بعض المسؤولية في الصراع الحالي، لتعزيزهما توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتجاهل المخاوف الأمنية الروسية، والأخرى فكرة أن العالم لم يعد يدور حول الغرب بشكل حصري".
ورأى أن الفكرتين تكشفان صميم الدبلوماسية الصينية الحالية، التي منحت روسيا دعماً كبيراً، رغم أنه بات فاتراً بشكل متزايد، بينما امتنعت عن تأييد الغزو.
الحرب الباردة
وقال أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بباريس، فيليب إس جولوب: خلال الأيام الأولى من الحرب في أوكرانيا، ألقت الصين باللوم على الولايات المتحدة، واصفة إياها بـ "الجاني" في الأزمة، لأنها شجعت توسع "الناتو" شرقاً، وهو ما كان تماشياً مع بيان 4 فبراير الماضي المشترك للرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي خلال أولمبياد بكين، الذي نص على أن الجانبين يعارضان التوسع الإضافي لحلف شمال الأطلسي، ودعا الأخير إلى التخلي عن نهج الحرب الباردة، لكن مع تصاعد القتال، أصبح خطاب بكين أكثر دقة، مع تعبيرات رسمية عن "القلق الشديد" من الخسائر المدنية، وعروض الوساطة لوقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا، كما أعرب السفير الصيني لدى الأمم المتحدة، تشانج جون، عن قلقه الشديد، قائلاً: "لقد تطور الوضع إلى درجة لا ترغب الصين في رؤيتها، فالوضع ليس في مصلحة أي طرف".
وأضاف: "رغم محاولات الصين الواضحة للنأى بنفسها عن روسيا، فإنها تبقي أسواقها مفتوحة وتوفر الأكسجين الذي لا غنى عنه للاقتصاد الروسي المتعثر تحت وطأة العقوبات الصارمة، لكن المخاوف تتزايد في بكين، من أنه إذا سمحت الصين لنفسها بالانجرار أكثر إلى مسرح بوتين، فإنها ستقوِّض مصالحها الوطنية".
ورأى أن حرب بوتين ستؤدي لزعزعة استقرار جهود الصين لتغيير بنية الحوكمة العالمية وإعادة كتابة القواعد، من خلال بناء الروابط الاقتصادية عبر القارات منذ 2013، وإنشاء مؤسسات دولية جديدة للحوكمة الاقتصادية.
تخلي الصين عن موسكو
ووفقاً للكاتب، فإنه حتى قبل الحرب في أوكرانيا، كانت الصين تنظر إلى روسيا، التي تضم نخبتها الفكرية والسياسية جزءًا مؤثراً من الأوراسيين، الذين يتطلعون إلى الشرق أكثر من الغرب، على أنها عنصر مفيد وضروري، لكنه ثانوي في جهود إعادة التوازن العالمي، إذ إنه مفيد لأن بكين تعتمد على الطاقة الروسية (الفحم والنفط والغاز) والصادرات الزراعية، وكذلك شراء بعض التقنيات العسكرية، وضروري لأن موسكو طرف فاعل في المجالات الرئيسة لمبادرة الحزام والطريق، وثانوي لأن العلاقة بين البلدين تبدو غير متناسقة بشكل عميق، لأن الصين تعد أكبر القوتين إلى حد بعيد.
وبدلاً من أن تؤدي إلى إعادة توزيع السلطة في العالم، وهو الهدف بعيد المدى الذي تسعى إليه بكين، فقد عززت الحرب وحشدت أنظمة التحالف المتمركزة حول الولايات المتحدة، كما حفزت التسليح الغربي، وسلَّطت الضوء على القوة المالية والاقتصادية الهيكلية للقوة الرأسمالية الغربية، حسب الكاتب.
ورأى أنه ما لم تتصاعد الحرب بشكل كبير، فمن غير المرجح أن تتخلى الصين عن موسكو، التي سيعطي اعتمادها المتزايد على بكين، نفوذاً طويل الأمد للأخيرة على روسيا الضعيفة، لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها أن تتغاضى عن حرب تهدد مشاريعها العالمية، كما أنها تقوِّض قضيتها المتنازع عليها، من أجل التوحيد القسري المحتمل مع تايوان.
ونهاية التحليل قالت "لوموند ديبلوماتيك" إن الصين ستنظر بعناية شديدة في نتائج حرب أوكرانيا، التي يمكن أن تضعف موقعها الدولي، بينما تقوي منافسيها، مشيرة إلى أنه رغم أن هناك من يتوقع أن تبدأ بكين ممارسة ضغوط أكبر على موسكو للتفاوض، فإنها قد يكون لها تأثير محدود في صنع القرار الروسي، في الوقت الحالي.