كيف تنتهي الحرب في أوكرانيا؟

يمكن أن يحدث أي شيء لكن يبدو أن خسارة بوتين في أوكرانيا من أقل السيناريوهات ترجيحًا

كيف تنتهي الحرب في أوكرانيا؟
فلاديمير بوتين

ترجمات - السياق

في الأيام الأولى لحرب العراق، سئل الجنرال ديفيد بترايوس، المدير الأسبق لـ(CIA)، الذي لم يكن جنرالًا وقتها لكن أكثر حكمة: "أخبرني كيف تنتهي الحرب؟"، وقتها أدرك بترايوس أن كيفية انتهاء الحروب، أكثر أهمية من سبب اندلاعها، إذًا كيف تنتهي الحرب الحالية في أوكرانيا؟، بحسب مقال للكاتب بيتر فان بوريني في صحيفة فايننشال تايمز.

 بترايوس الحالي، من جانبه، قال وجهة نظره عن الروس: "يكرههم الجميع في أوكرانيا، ومعظم البالغين على استعداد لاتخاذ إجراءات ضدهم، سواء كان ذلك بحمل السلاح أم كدروع بشرية ". 

وبينما يصف الجنرال بدقة، جذور فشله في العراق، يخطئ بترايوس في تحليل الوضع الأوكراني، لقد كان هدف أمريكا في العراق، إنشاء نسخة ديمقراطية للمحافظين الجدد في الشرق الأوسط، بينما يسعى بوتين إلى شيء أبسط بكثير: منطقة عازلة بينه وبين "الناتو"، فهو لا يهتم بالقلوب والعقول، عليه فقط تدمير الأشياء.

 

تقسيم أوكرانيا

هيمنت الدعاية الممزقة بالتعاطف مع المدافعين الشجعان، على الأيام الأولى لحرب أوكرانيا، لقد أفرز ذلك -عن قصد- إحساسًا زائفًا بالانتكاسات الروسية وسوء فهم الإستراتيجية الروسية، حيث ينفذ الروس مناورة حربية آلية قياسية تتماشى مع أهدافهم، ويهاجمون جنوبًا من بيلاروسيا، لربط قواتهم ببعضها  شمالًا من شبه جزيرة القرم، وعندما يربطون جنوبي كييف، ستقسم أوكرانيا إلى قسمين، كذلك قد تتجاوز كييف، أو تدمَّر، لكن ذلك ثانوي بالنسبة للمناورة الاستراتيجية الأكبر، حيث يسعى حشد روسي آخر من الشرق إلى الغرب، إلى تقسيم الأمة إلى أرباع، حتى لا تتمكن القوات الأوكرانية من تعزيز بعضها.

انسوا كل السخافات بشأن نفاد الغاز من الروس، خطوط إمدادهم قصيرة (العديد من القوات الروسية على بعد 70 ميلاً من حدودها) ومحمية، هذا ما يحدث على الأرض، والقوات الأوكرانية ليست في وضع يمكنها من فعل أي شيء، سوى تأخير هذه القوات. قد تساعدك مشاهدة الحرب -من خلال هاتف ذكي بدولة مسالمة- على الاعتقاد بأن الهجوم الروسي يسير بشكل سيئ، لكن ذلك يتعارض مع الحقائق.

 

سيناريوهات النهاية

إليك كيف ينتهي كل ذلك. أفضل السيناريوهات للجميع انسحاب الروس، ربما تحت ستار لفتة إنسانية، إلى المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا وبعض النقاط الاستراتيجية، مثل الجسور والمطارات. وهنا تنقسم أوكرانيا إلى دولتين، النصف الغربي تحت السيطرة الأوكرانية، والنصف الشرقي منطقة روسية مع الستار الحديدي الجديد في مكانه.

 يستقر بوتين مرة أخرى في كرسيه المريح، فهو يمتلك بعض الأراضي الجديدة كجائزة، ويمكنه أن يعلن النصر في بلاده، وقواته ستكون في وضع أفضل، إذا احتاج إلى الدفع غربًا مرة أخرى.

في غضون ذلك، يمكن لحلف الناتو أيضًا أن يدعي قدرًا من النصر، ويثبت صحة دعاية الشعب الأوكراني الشجاع، ليعاد ضبط الوضع الراهن لأوروبا، ويستمر تدفق النفط والغاز غربًا.

ولقد أوضح بوتين هذه الاستراتيجية في مطالبته بوقف إطلاق النار: أن تقبل أوكرانيا نزع السلاح، وتعلن نفسها على الحياد، وتتخلى عن محاولتها للانضمام إلى "الناتو".

إنه لا يريد المدن حقًا، ولا يريد احتلال سكان معاديين، ولذلك وافق على ممرات آمنة باتجاه الغرب للاجئين، ولهذا السبب أوقف القصف المستمر والصواريخ على كييف، حيث يساعد تهجيره للسكان هناك في تحييد شرقي أوكرانيا وتجنُّب الصراع العرقي، بين القوميين الأوكرانيين والسكان الروس المحليين.

 

اتفاقية سرية

السيناريو الثاني من ناحية التفضيل، أن يبرم "الناتو" اتفاقية سرية لإبقاء أوكرانيا خارج الحلف، مقابل انسحاب بوتين كليًا أو جزئيًا، كنوع مخادع من الدبلوماسية، حيث لا يبدو أن حلف شمال الأطلسي قد استرضى بوتين، ولا يمكن أن يبدو بوتين في أعين العالم كأنه "خسر".

سوف يميل الروس إلى تسريب الاتفاقية السرية، لإثبات أنهم حققوا هدفهم، وسيبدو الإنكار الناتج من "الناتو" سطحيًا.  هذا السيناريو غير مرجح أيضًا، لأنه يتطلب من روسيا مقايضة الأرض مقابل وعد من الغرب.

لن يفهم  بوتين شيئًا أقل من ضربة من "الناتو" تطرده من شرقي أوكرانيا ، وفي الوقت الحالي ليس لديه حافز للمغادرة.

السيناريو السيئ للغاية، سيكون قرار بوتين باحتلال أوكرانيا أو تدميرها، وتنصيب حكومة دمية، ودفع جيشه إلى الحدود البولندية كما كان عام 1975.

من المؤكد أن بوتين يستخدم  ذلك كتهديد، في حال تجاهل زيلينسكي النداءات الغربية لعقد صفقة، فالقوات الروسية تتمركز لمهاجمة المدن، ويمكنك أن تسأل أهل حلب وغروزني عما إذا كانوا يعتقدون أن بوتين اهتم بأمرهم.

قد يكون الأمر مغريًا لبوتين، يمكنه أن يدعي النصر، وينهي المشكلة الأوكرانية، ويترك "الناتو" يبدو ضعيفًا، ويترك جو بايدن عاطلاً عن العمل، في دوره الذي نصبه نفسه عليه، كزعيم للعالم الحر. 

لقد بالغ بايدن في استخدام يده، ولم يدرك أنه لا يوجد شيء تقريبًا يمكنه فعله، للتأثير في الوضع على الأرض.

لم تمنع العقوبات بوتين من غزو (جورجيا والقرم وأوكرانيا...) ومن غير المرجح أن تتسبب العقوبات في تراجع بوتين.

روسيا الآن، الدولة الأكثر معاقبة في العالم، متفوقة حتى على كوريا الشمالية وإيران.

 

الستار الحديدي

بينما يتحدث بايدن بصرامة، فالحظر الذاتي للنفط الروسي يؤثر  في نحو 1% فقط من صادرات الطاقة الروسية. 

بريطانيا قالت إنها ستبدأ التخلص التدريجي (سيدوم سنوات) من النفط الروسي بحلول نهاية العام. 

الاتحاد الأوروبي -بالموازاة- لن يعاقب قطاع  الطاقة الروسي على الإطلاق، قد تعوض من جهتنا الولايات المتحدة نقص النفط، عن طريق شراء النفط الفنزويلي والإيراني والسعودي، والخلاصة الواضحة أن التحالف الشهير منقسم. 

لكن أكبر مشكلة بالنسبة لبايدن، أن التاريخ والناخبين الذين سيتذكرونه كرئيس شاهد إعادة بناء الستار الحديدي. على عكس رد فعل أوباما اللطيف، على غزو بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014، تعهد بايدن بـ "إنقاذ" أوكرانيا.

من خلال الادعاء في خطابه عن حالة الاتحاد، بأن بوتين "زعزع أسس العالم الحر" ، استحدث بايدن الانطباع بأنه سيضع حداً لشيء بهذا الحجم. 

تحمل هذه التنبؤات مخاطرة سياسية كبيرة، خاصة بالنسبة للقائد العام، الذي وعد أيضًا أمريكا المنهكة بأنها لن تخوض حربًا. كما قال تشاك تود من محطة إن بي سي: "أخشى أن يبدو ذلك كأنه خطاب لن يتحمل مرور الزمن".

بعد النهاية المحزنة والمحرجة في أفغانستان، فإن أي نهاية في أوكرانيا، تبدو كأنها فوز لبوتين، تنتهي إلى حد كبير الجانب الفعال من رئاسة بايدن.

 

تمرد جديد

هذا يترك لنا فقط السيناريو الرهيب لتحليله، حيث يحاول شخص ما في "الناتو" حظر الطيران، أو إنشاء منطقة محمية للاجئين، كما حدث في يوغوسلافيا السابقة.

يعرف زيلينسكي أن أنصاره ببنادقهم، لن يتمكنوا من الوصول إليه ويحتاج إلى تدخل عسكري غربي مباشر للصمود، ويقول 74 في المئة من الأمريكيين غير الحزبيين، إن على "الناتو" فرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا.

أي هجمات بسيطة، مدعومة بأعلام زائفة من زيلينسكي أو غيره من المهندسين القوميين الأوكرانيين بدافع اليأس، من المحتمل أن تدفع وكالة المخابرات المركزية والقوات الخاصة الأمريكية الموجودة على الأرض، إلى تحليل المعلومات الاستخبارية وتقديم المشورة في أوكرانيا، حيث تحلق طائرات التجسس الأمريكية والطائرات من دون طيار في سماء المنطقة. 

تخيل حادثة يأسر فيها الروس أميركيًا، أو ربما حادثة حدودية، حقيقية أو متخيلة، مع بولندا لإجبار "الناتو" على القتال، أو مطالبة الأمم المتحدة بعض قوات حفظ السلام، لوقف جرائم الحرب التي يرتكبها بوتين... ربما "ضربة جراحية مرة واحدة" لأسباب إنسانية على حشد روسي يهدد مستشفى آخر.

السيناريو الذي ليس على القائمة في الواقع، هو تمرد آخر شبيه بأفغانستان (النسخة الأمريكية أو السوفيتية).

ما يفعله بوتين، حرب من نوع المدرسة  القديمة، للاستيلاء على الأراضي، وليس لتغيير الولاءات بين طالبان. هذه المرة طرق إمداده قصيرة، وقواته تخوض المعركة الحديثة التي تدربوا عليها، على عكس أفغانستان، تمتلك أوكرانيا مدنًا تعتمد على البنية التحتية الحديثة، ويمكن بسهولة تطويق المدن أو تجويعها أو تسويتها.

 

خسارة بوتين

كذلك سيناريو نوع من تغيير النظام داخل روسيا لن يحدث، يتولى بوتين السلطة منذ 22 عامًا ويسيطر على وسائل الإعلام والجيش وأجهزة المخابرات، وهؤلاء هم الذين أوصلوا بوتين إلى السلطة في الانقلاب الروسي الأخير.

لا توجد وسيلة لتحقيق النهاية التي يتمناها الغرب، ولا يوجد دليل واضح على أن شعب روسيا يريد ذلك، بعد كل شيء، هناك عدد قليل من الاحتجاجات المنتشرة في أنحاء روسيا الشاسعة والمبالغ في حجمها عند نشرها للجمهور الغربي.

وما الذي يمكن أن يجعل الحياة أكثر إثارة للاهتمام، من أن أحد أكبر مخزونات الأسلحة النووية في العالم، لا يحكمها مسؤول حازم؟

 يمكن أن يحدث أي شيء، لكن يبدو أن "خسارة" بوتين في أوكرانيا من أقل السيناريوهات ترجيحًا.

 

الكاتب: بيتر فان بوريني، مؤلف كتاب "لقد قصدت أمرًا حسنًا: كيف ساعدت في خسارة المعركة من أجل قلوب وعقول الشعب العراقي