حرب على الإنترنت.. زيلينسكي أكثر انتشارًا وبوتين يكسب حرب المعلومات
الرئيس الأوكراني قدم معلومات مهمة في مقاطع فيديو، جذبت انتباه العالم نحو مقاومة أمته الشرسة للقوات الروسية، ورغم ذلك، يبدو أن بوتين يكسب حرب المعلومات المهمة خصوصًا في الداخل الروسي، وفي الصين التي تدعمه

ترجمات – السياق
قد تكون الحرب الروسية الأوكرانية (عسكريًا) على الأرض تدور في أوكرانيا، بينما هناك حرب أخرى لاشك تدور رحاها في ساحات الإنترنت.
وأمام هذه الحقيقة، أجرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مقارنة بين الرئيسين، الأوكراني فولودومير زيلينسكي، والروسي فلاديمير بوتين، مشيرة إلى أن الأول ينتشر بسرعة على شبكة المعلومات الدولية، بينما الثاني يكسب حرب المعلومات المهمة.
وقال الكاتب أوجيني روبنسون، في تحليل نشرته الصحيفة الأمريكية، تعليقًا على الصراع الروسي الأوكراني عبر الإنترنت: إنه لأمر مشين أن يدعي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن روسيا "لم تهاجم" أوكرانيا، وأنها بطريقة ما ضحية لعدوان حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مشيرًا إلى أن ذلك "أمر مأساوي لا يمكن تصديقه حتى في روسيا والصين".
وأوضح أن الحرب في أوكرانيا ليست فقط بالدبابات والصواريخ، ولكن أيضًا بالدعاية والرقابة، مشيرًا إلى أن ما سماه "غزو بوتين الوحشي وغير المبرر لا يسير على ما يرام على الأرض".
مقارنة
وأقام روبنسون مقارنة بين حرب التصريحات الروسية والأوكرانية على الإنترنت، وقال: الرئيس الأوكراني قدم معلومات مهمة في مقاطع فيديو، جذبت انتباه العالم نحو مقاومة أمته الشرسة للقوات الروسية، ورغم ذلك، يبدو أن بوتين يكسب حرب المعلومات المهمة خصوصًا في الداخل الروسي، وفي الصين التي تدعمه.
ورأى الكاتب، أن انتصار بوتين في حرب المعلومات حتى في الداخل، يبدو مخالفًا للحدس ومريرًا جدًا لدرجة يصعب تصديقها، إذ كان من المفترض أن تكون الثورة الرقمية، التي تسمح للمعلومات بالتدفق والانتشار بسرعة الضوء، نعمة للحرية وضربة للطغاة في جميع أنحاء العالم، وليس العكس.
وأضاف: لكن المستبدين، بمن فيهم بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، أصبحوا ناجحين -بشكل محبط- في عزل شعوبهم عن الحقائق المزعجة.
أما في ما يتعلق ببقية العالم -بعيدًا عن روسيا والصين- فقد سيطر زيلينسكي وإدارته المحاصرة على معركة الرأي العام العالمي، حسب وصف روبنسون، الذي أشار إلى أن خطبة الرئيس الأوكراني -أمام مجلس العموم البريطاني- نالت ترحيبًا كبيرًا، خصوصًا بعد أن استخدم كلمات رنانة من تلك التي كان يرددها الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل مثل "لن نستسلم".
ومع ذلك -يضيف الكاتب- لا يمكن لهذه العروض سوى التأثير في الخارج، إذ لم تقنع نداءات زيلينسكي، لفرض منطقة حظر طيران، إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ولا حكومات أخرى في "الناتو" باتخاذ هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر، رغم أنها نجحت في الضغط على الغرب لاستكشاف طرق بذل المزيد لدعم القضية الأوكرانية.
ستارة حديدية
وأوضح روبنسون، أن جميع خطابات زيلينسكي، وكل محاولات الأوكرانيين العاديين عبر الإنترنت، لعرض مآسيهم وإظهار معاناتهم، لا يمكن أن يكون لها أي تأثير على الإطلاق، في الأماكن التي لا يراها أحد، مشيرًا إلى أن بوتين أغلق جميع وسائل الإعلام المستقلة في روسيا، وأرهب الصحفيين بقانون جديد يُجرم استخدام مصطلح الغزو في ما يخص الحرب بأوكرانيا، وأطلق -بدلًا من ذلك- مصطلح "عملية عسكرية خاصة".
وبيَّن الكاتب أن بوتين أقام ما سماها "ستارة حديدية رقمية"، والنتيجة أنه -وفقًا لتقارير واسعة النطاق- لا يرى معظم الروس سوى الصور المعقمة من أوكرانيا، التي يريد بوتين أن يروها، من وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، مشيرًا إلى أنهم لا يسمعون سوى أكاذيب بوتين عن اضطهاد الحكومة الأوكرانية المفترض للناطقين بالروسية، كما لم يمنحهم أي فرصة للاعتقاد بأن روسيا ترتكب أي خطأ في هذا البلد المجاور.
وبالمقارنة -يرى الكاتب- أن سيطرة الصين على فضاء المعلومات، أكثر تعقيدًا واكتمالًا، إذ وضعت بكين ما سماه "جدار حماية عظيم" للإنترنت، مشيرًا إلى أن هذا النظام فعّال بشكل لافت للنظر، في إبعاد الحقائق والآراء، التي قد تهدد سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على السلطة.
وأوضح أنه منذ أن تحالف شي مع بوتين، ورفضه انتقاد غزو أوكرانيا حتى الآن، قدمت وسائل الإعلام الصينية أيضًا نسخة من الحرب التي تظهر القوات الروسية كأنها "تحرر أوكرانيا"، وتنشر نظريات المؤامرة، التي تشير إلى أن المعامل الأمريكية في أوكرانيا، إنما هي لتطوير أسلحة بيولوجية.
ورغم هذه الحواجز، يؤكد الكاتب أن بعض الحقائق يمكنها أن تتسرب إلى بعض الجمهور، إذ كُشف مؤخرًا أنه ألقِي القبض على أكثر من عشرة آلاف روسي لتظاهرهم ضد الغزو.
نصائح للروس
ويقول أوجيني، إن الروس الباحثين عن الحقيقة في ما يحدث بأوكرانيا، ويريدون معرفة الفظائع التي تُرتكب باسمهم، عليهم أن يكونوا بارعين في التكنولوجيا ومثابرين.
وأشار إلى أنه مع بدء الصراع، حظرت الحكومة الروسية متجر تطبيقات iOS التابع لشركة آبل، لمنع مواطنيها من تنزيل برامج لإنشاء شبكات افتراضية خاصة، يمكنهم استخدامها للتهرب من الرقابة الحكومية.
وبيَّ، أن هناك مَنْ استسلموا للرقابة، أو أولئك الذين لم يحاولوا اختراقها، وهناك أيضًا من يشاهدون التلفزيون ويزورون المواقع المعتمدة -كما يفعل معظم الناس على الأرجح- فيحصلون على صورة خاطئة تمامًا للحرب، ومن ثم فهؤلاء يرون أن العقوبات التي تطبقها الدول الغربية ضد روسيا، غير مبررة وغير عادلة، ونتيجة لذلك، فإن أداء زيلينسكي البارع لا يفعل شيئًا في الأساس، لتوليد ضغط شعبي محلي على بوتين للتراجع، أو لإعادة نظر الصين في مواقفها.
وقال روبنسون: معظم الروس والصينيين ليسوا على دراية ببطولات زيلينسكي وبلاغته، ولا يتلقون المعلومات إلا من خلال ما يُضخ إليهم عبر حكوماتهم.
وأمام هذه المعضلة، وضع أوجيني بعض الحلول المناسبة لإيصال الحقيقة إلى هؤلاء المغيبين، داعيًا إلى الاهتمام بالتكنولوجيا التي تمكّن الأفراد من الوصول غير المسبوق إلى المعلومات بعيدًا عن التضليل، وأيضًا استخدام الأدوات التي كان من المفترض أن تجمع العالم لتشكيل حقائق مختلفة بشكل مذهل، ومتضاربة بشكل خطير.
وتساءل: إذا كانت فظائع الحرب شوهدت في الصين، فهل يخاطر شي بالغضب الشعبي من خلال دعمه لبوتين؟ وهل إذا عرف الروس ما كان يحدث بالفعل في أوكرانيا، ستتعرض قبضة بوتين في السلطة للخطر؟
وأجاب: "هذه الأسئلة -للأسف- أكاديمية فقط"، مشددًا على أن تقديم هذه الأسئلة بطريقة تجعلها "مجرد افتراضية" من شأنه توجيه ضربة قوية للحريات في العالم.