حرب الألف عام.. ما أسباب كره بوتين للغرب؟
الرئيس الروسي، لا يرى نفسه، على أنه وريث للسوفييت فحسب، ولكن باعتباره نصيرًا للحضارة الروسية وإمبراطورية موسكو الأوراسية، التي تمتد جذورها إلى ما قبل القديس فلاديمير، أمير كييف من عام 980 إلى 1015 تقريبًا

ترجمات – السياق
رأت مجلة فورين بوليسي الأميركية، أنه سواء انتهى غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأوكرانيا في وقت قريب أم لا، فإن كره بوتين للولايات المتحدة والقوى الغربية وعدم ثقته بها سيستمران، مشيرة إلى أن هذا الكره يعود إلى قرون.
وأوضحت المجلة، في تقرير، أن كره روسيا للغرب، لا يقتصر على بوتين، بل يتشارك هذا الأمر العديد من النخب الروسية، التي دعمته على مدى عقدين، وكانت سببًا رئيسًا لشعبيته.
وأشارت إلى أن عداوة بوتين للغرب تستحق البحث بعمق، حتى لو كان ذلك فقط لفهم لماذا تواجه واشنطن والغرب "صراعًا طويل الأمد" مع موسكو -على حد تعبير الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي- وهو الصراع الذي ينافس الحرب الباردة التي استمرت 45 عامًا.
قصة معقدة
ووصفت "فورين بوليسي" ما سمته عداء بوتين للغرب بأنه (قصة معقدة)، مشيرة إلى أن التاريخ الشخصي للرئيس الروسي، عندما كان طفلاً أثناء الحرب العالمية الثانية، وعمله جاسوسًا خلال الحقبة السوفيتية، وقراءته للتاريخ الروسي المتشابك على مدى ألف عام، تزيد القصة تعقيدًا.
وأوضحت أن بوتين والعديد من المسؤولين، والنخب، والعلماء الذين يدعمونه، يرفضون أن يكونوا جزءًا من الغرب ونظام القيم الليبرالية القائم بعد الحرب فحسب، بل يعتقدون أن مصير بلادهم أن تكون قوة عظمى مناهضة له.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه حتى إذا أطيح بوتين من السلطة، فإن الجنرالات والقيادات الأمنية المحيطين به، مكلفون بتنفيذ عدوان آخر كالذي وقع في أوكرانيا، مشيرة إلى أن روسيا تكاد تكون معزولة اقتصاديًا، كما كانت خلال الحقبة السوفييتية.
ولم تستبعد "فورين بوليسي" أن يكون بوتين استعد لهذه اللحظة -العداء المباشر مع الغرب بغزو أوكرانيا- منذ مدة، مستشهدة بما كتبه فلاديسلاف سوركوف، المستشار القديم للكرملين، بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، إذ قال حينها: إنه "نهاية رحلة روسيا الملحمية إلى الغرب، ونهاية للمحاولات المتكررة وغير المجدية لتصبح جزءًا من الحضارة الأوروبية"، وتوقع سوركوف أن تعيش روسيا في عزلة جيوسياسية 100عام على الأقل.
لا عودة
وعن التوقعات بإمكانية تراجع بوتين عن خططه في أوكرانيا، أو عن عدائه تجاه الغرب، نقلت المجلة الأمريكية عن آنا أوهانيان، أستاذة العلوم السياسية في كلية ستون هيل، التي ألفت العديد من الكتب عن روسيا، قولها: بوتين ليس لديه أي طريق للعودة.
وأوضحت "فورين بوليسي" أنها مثل غيرها من الخبراء الروس، كانت أوهانيان تعتقد في مرحلة ما -خلال سنوات بوتين الـ 20 في السلطة- أن الرئيس الروسي يبحث عن طريقة لممارسة النفوذ في مؤسسات النظام الدولي، مع محاولة بناء مؤسسات جديدة موازية مثل منظمة شنغهاي للتعاون، مشيرة إلى أن أغلبية هذه المبادرات اختفت، وأن بوتين يتخلص من المسار، الذي كان يبنيه عن طريق تحدي الأعراف الإقليمية.
ورأت أن المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ما زالوا يواجهون تداعيات الصراع الجديد طويل الأجل، ما أدى إلى تأجيل نشر استراتيجية الأمن القومي الجديدة، التي كان من المقرر إصدارها هذا الربيع، مشيرة إلى أنه رغم أن البيت الأبيض يتوقع استمرار تركيز إدارة بايدن على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن مسؤولين -تحدثوا للصحيفة- يرون أن عدوان بوتين سيؤدي إلى بذل جهود مكثفة أكثر لمواصلة التركيز على روسيا.
وذكرت المجلة الأمريكية، أن الأهداف الرئيسة لبايدن تتمثل في تنشيط حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتحالف الغربي، وتسليح الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا التي كثيرًا ما كانت مترددة، ولا تزال، في لعب دور دفاعي قيادي.
وأشارت إلى أن أوكرانيا أصبحت معيارًا لسلوكيات بوتين المعادية للغرب إلى حد كبير، لأن الزعيم الروسي ومؤيديه رأوا أن الدولة الشقيقة تاريخيًا، الخط الأحمر الأخير في سلسلة طويلة من الإذلال الغربي، لافتة إلى أن بوتين أطلق في خطاباته، مرارًا وتكرارًا على أوكرانيا أنها "المشروع الغربي المناهض لروسيا".
وحسب فورين بوليسي، فإن هذا الإذلال المتصور لروسيا، يعود تاريخه إلى زمن بعيد، ليس فقط في الـ 30 عامًا التي تلت انتهاء الحرب الباردة، ولا حتى في الـ 100عام التالية لتأسيس الاتحاد السوفييتي عام 1922، إلا أنه يعود إلى عصر التنوير الأوروبي منذ أكثر من ثلاثة قرون، الذي أدى إلى ظهور مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ إنه بالنسبة للقوميين الروس، مثل بوتين، فإن هذه التطورات طغت تدريجيًا على الطابع المميز لروسيا كحضارة.
امبراطورية موسكو الأوراسية
وترى "فورين بوليسي" أن الرئيس الروسي، لا يرى نفسه، على أنه وريث للسوفييت فحسب، ولكن باعتباره نصيرًا للحضارة الروسية وإمبراطورية موسكو الأوراسية، التي تمتد جذورها إلى ما قبل القديس فلاديمير، أمير كييف من عام 978 إلى 1015 تقريبًا.
وحسب المجلة الأمريكية، فقد كان القديس فلاديمير حاكمًا للدولة السلافية المعروفة باسم "كييف روس"، التي يعدها الروس امبراطوريتهم الأولى، مشيرة إلى أن "كييف روس" كانت تقع في العاصمة الحالية لأوكرانيا، كييف.
وأشارت إلى أن تحول القديس فلاديمير إلى المسيحية عام 988 أدى إلى ظهور فكرة أن تصبح روسيا "روما الثالثة"، وريثة الامبراطوريتين الرومانية والبيزنطية، التي سقطت بعد استسلام القسطنطينية للعثمانيين، ولهذا السبب يشير العديد من الروس، مثل بوتين، إلى "كييف روس" على أنها "مهد الحضارة الروسية"، وإلى كييف على أنها "أم المدن الروسية".
وأوضحت، أن هذا التاريخ هو المفتاح لفهم وجهة نظر بوتين الوهمية بأن أوكرانيا ليست، ولا يمكن أن تكون، دولة منفصلة، مشيرة إلى أن بوتين تحدث عن ذلك بخطاب ألقاه في 21 فبراير، قبل ثلاثة أيام من الغزو، إذ قال: "الروس والأوكرانيون شعب واحد".
وأمام قناعات بوتين هذه، يرى بعض العلماء -حسب المجلة الأمريكية- أن ما سموه هذا الهوس بالتاريخ القديم هو سبب ارتكاب بوتين، أكبر خطأ في التقدير طوال مسيرته بغزو أوكرانيا، مشيرين إلى أن هذه الخطوة المتهورة وحدت الأوكرانيين والأوروبيين وبقية العالم ضده.
وأمام هذه الحقيقة، نقلت "فورين بوليسي" عن بيتر إلتسوف، الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني، للمجلة الأمريكية، قوله: "بوتين لم يكن يعلم أنه حتى معظم المتحدثين باللغة الروسية شرقي أوكرانيا يعدون أنفسهم الآن أوكرانيين، وأنه على مدى الثلاثين عامًا الماضية، شكّل الأوكرانيون وطنهم... لم يدرك أن إحساسهم بالهوية تغّير".
وأضاف إلتسوف: "لقد قضى بوتين على التقدم الذي كان يحرزه في تقسيم أوروبا، حتى فنلندا والسويد، اللتان كانتا محايدتين، تتحدثان الآن عن الانضمام إلى "الناتو"، لقد حقق نتيجة معاكسة تمامًا لما أراد".
ولمزيد من تفسير الأمر، نقلت "فورين بوليسي"عن كيلي أونيل، أستاذة التاريخ الروسي في جامعة هارفارد، قولها: التركيز التاريخي لبوتين يتمثل في نقل إيمانه الراسخ بأن روسيا تعد حضارة مستقلة ولا تشترك في الكثير مع الغرب، موضحة أن هذا التركيز يمثل عنصرًا أساسيًا من أيديولوجية الأوروآسيوية الإمبريالية التي يمتد عمرها إلى أكثر من 100 عام.
وتفسر أونيل، إحجام بوتين عن دمج روسيا الحديثة في الاقتصاد العالمي، بخلاف بيع الكثير من النفط والغاز إليه، بأنه يستند إلى الاعتقاد الأورآسيوي، بأن روسيا والأراضي الخاضعة لسيادتها، اقتصادات متميزة، تنتمي إلى الإمبراطورية.
وتختتم "فورين بوليسي"تقريرها، بأن العديد من الخبراء الروس ينظرون إلى بوتين على أنه "القيصر الأخير لروسيا"، وأن الاستراتيجيين الغربيين، الذين يبحثون عن طرق لإيقافه، يجب أن ينظروا إليه كذلك.