غضب شعبي ضد أردوغان بسبب عجز حكومته عن مواجهة الحرائق
الأتراك يغلون بسبب الحرائق... وأردوغان يرد بتوزيع الشاي

ترجمات - السياق
بينما يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على توزيع الشاي على المواطنين، كمحاولة لكسب تعاطفهم، إلا أن ازدياد رقعة الحرائق، وعجز الحكومة عن إطفائها، فضلًا عن استمرار الانهيار الاقتصادي، وانتشار وباء كورونا، جاءت بنتائج عكسية، إذ قوبلت محاولاته هذه، بمزيد من السخرية والغضب، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وقالت الصحيفة -في تقرير- إنه بينما يكافح رجال الإطفاء الأتراك، لوقف الحرائق عبر ساحل البحر المتوسط، فإن أردوغان يتعرَّض لانتقادات شديدة، بسبب ضعف استجابة الحكومة، لما وصفته بأسوأ الحرائق في تاريخ البلاد.
وفي حين شهدت أوروبا طقسًا قاسيًا هذا الصيف، من الفيضانات الغزيرة في الشمال إلى موجات الحر الشديدة والحرائق، في أجزاء من البحر المتوسط، تعرَّضت تركيا للحرائق الأشد على الإطلاق.
وقُتل ثمانية أشخاص، منذ اندلاع الحرائق الأسبوع الماضي، وإجلاء مئات السياح مع انتشار النيران في 40 مقاطعة.
وأوضح التقرير أنه جرى إخماد ما يقرب من 300 حريق، بينما لا يزال 15 حريقًا مشتعلًا، وفقًا لمسؤول غابات.
وفي أول تعليق له على هذه الحرائق، قال أردوغان في مقابلة تلفزيونية: "حريق هذا العام لا مثيل له في تاريخ البلاد.. 187 حريقًا في غضون 8 أيام، 15 منها لا تزال مستمرة، وفرق الإطفاء تواصل مكافحة الحرائق من دون توقُّف".
ووصلت ألسنة اللهب، إلى محطة الكهرباء التي تعمل بالفحم، في مقاطعة موغلا جنوبي غرب البلاد، في وقت متأخر يوم الأربعاء، ما دفع الجنود إلى إخلاء منازل قريبة، وسط أصوات انفجارات في المنشأة، وفقًا للقنوات الإخبارية التركية.
وقالت وزارة الدفاع على "تويتر": إن سفن الإنزال العسكري وصلت إلى الساحل على بُعد 20 كيلومترًا، لنقل السكان إلى بر الأمان.
تصاعد الغضب
وقال التقرير: رغم أن ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، والرياح التي تصل سرعتها إلى 50 كيلومترًا في الساعة، كانت عقبة كبيرة أمام عمليات الإطفاء، فإن الغضب تصاعد بين الأتراك، بسبب ما اعتبروه فشلًا واضحًا للحكومة، في الاستعداد بشكل مناسب، لبلد تشكِّـل فيه حرائق الغابات الصيفية مصدر قلق دائم.
فقد أجبر عدم وجود أسطول وطني فعال من طائرات مكافحة الحرائق، الحكومة التركية على انتظار وصول طائرات متخصِّصة من دول أخرى، بما في ذلك إسبانيا وأوكرانيا وروسيا، بينما رفضت أنقرة عروض المساعدة من اليونان، لأن طائراتها كانت ذات قدرة منخفضة على حمل المياه، وفقًا لوزير الغابات بكير باكديميرلي، الذي أكد -في تصريحات تليفزيونية- أن التدخل عن طريق البر مستحيل بسبب التضاريس.
وقال محمد أوقطاي، رئيس بلدية أحد أحزاب المعارضة في منتجع مرماريس، حيث تفحَّم أكثر من 13000 هكتار من الغابات القريبة: "من الواضح أننا لسنا مستعدين لمواجهة مثل هذه الحرائق، وفي كل مرة نتكبَّد خسائر جمة".
مارماريس الواقعة على ساحل البحر المتوسط، والمناطق الأخرى التي ضربتها الحرائق، من أهم الوجهات السياحية في تركيا، التي سبق أن تعرَّضت لضرر بالغ، بسبب قيود السفر بفعل فيروس كورونا.
اتفاقية باريس
ونقلت "فايننشال تايمز" عن علماء قولهم: إن حرائق تركيا من سلسلة الظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن تغيُّـر المناخ.
هذا الصيف، اشتعلت النيران أيضًا في إيطاليا واليونان، وحتى فنلندا، حيث سجَّلت درجات الحرارة أعلى مستوى لها في يوليو الماضي، إذ عانت تركيا أسوأ حرائق غابات لها منذ نِصف قرن، ومع ذلك، فإنها الدولة الوحيدة في مجموعة العشرين، التي رفضت التصديق على اتفاقية باريس بشأن تغيُّـر المناخ.
وقال ساروهان أولوك، النائب عن حزب الشعب الديمقراطي، ثاني أكبر جماعة معارضة في البرلمان: إن الإخفاق في التصديق على اتفاقيات تغيُّـر المناخ، جزء من اعتبار الحكومة للبيئة شيئًا يجب استغلاله، وليس حمايته، مضيفًا: "عدم الاستعداد، بما في ذلك عدم امتلاك الطائرات المناسبة للحرائق، والإهمال، سبب هذه الكارثة."
تراجع شعبية وسخرية
وأشار التقرير إلى أن الحرائق جاءت لتزيد تراجع شعبية أردوغان بين الأتراك، بل إن شعبيته تراجعت حتى بين ناخبي حزبه (العدالة والتنمية)، إذ انخفض دعمه في استطلاعات الرأي إلى مستويات قياسية، بسبب تعامله مع اقتصاد يعاني ارتفاع معدلات البطالة، والتضخم العالق في خانة العشرات، في معظم السنوات الأربع الماضية، بخلاف حرائق الغابات.
وعن ذلك يقول سنان أولجن، الباحث الزائر في معهد كارنيجي أوروبا: "هناك شعور بين الأتراك، بأن الحكومة تفشل في أداء وظيفتها، لتوفير مستوى معيشي أفضل في جميع المجالات"، مشيرًا إلى أن استطلاعات الرأي تظهر أن هناك أغلبية تعتقد أن الأمور ستزداد سوءًا في المستقبل القريب.
حاول أردوغان تقليل الغضب الشعبي ضده، بالسفر إلى بعض المناطق الأكثر تضررًا، معربًا عن حزنه على الخسائر في الأرواح ووعد بـ "تضميد جراح المواطنين"، لكن بعض محاولاته لتعزية الضحايا قوبلت بالسخرية، خصوصًا في منطقة مارماريس، حيث ألقى أكياسًا من الشاي مجانًا من حافلته على المواطنين، وذلك بعد أسبوع من توزيعه للشاي على سكان منطقة البحر الأسود، التي ضربتها الفيضانات القاتلة.
وسخر فنان الهيب هوب سهينساح من هذا التصرف بطريقته الخاصة، إذ أظهر مقطع فيديو له وهو يقول لجمهور إحدى حفلاته: إنه كان لديه "مفاجأة" لهم قبل أن يقذف عليهم الشاي، بينما أظهر مقطع فيديو آخر تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي امرأة ترمي علب الشاي على المارة، وتسأل: "هل أنت سعيد الآن؟"، وانتشر وسم "AKParTea" على "تويتر"، وهو لفظ ساخر يحمل الأحرف الأولى من اسم الحزب الحاكم (العدالة والتنمية للشاي).
تزداد هذه التحايلات، اللافتة للسخرية من تصرفات أردوغان، نظرًا لأن انتقادات الرئيس التركي تخضع لرقابة مشدَّدة، حيث فتح المدعون العام الماضي قضايا ضد ما يقرب من 10 آلاف شخص بتهمة إهانة الرئيس، وتعليقًا على ذلك قال أولجن: "وجد الناس فِكرة رمي الشاي غريبة فسخروا منها، إذ يبدو أن الحكومة فقدت ذكاءها في التعامل مع المواقف المختلفة، فقابلها الناس بهذه التصرفات الساخرة".
وعن تراجع شعبية أردوغان والحكومة، يقول بكير أجير دير، الذي يدير وكالة الاستطلاعات كوندا ريسيرش لـ "فايننشال تايمز": "الثقة بحكومة أردوغان آخذة في التراجع، لأن الناس لا يرون حلولًا لمشكلاتهم، فلا تزال مشكلات الحياة اليومية مرهقة للغاية، الوباء والبطالة والتضخم والفيضانات والحرائق، ووسط ذلك يزداد الشعور لدى المواطنين بعدم قدرة هذه الحكومة على حل هذه المشكلات".
من جانبه، هاجم مسؤول الإعلام في الرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، في تغريدات عدة على "تويتر" حملة «ساعدوا تركيا» التي انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لجمع المساعدات بغرض السيطرة على آثار الحرائق المدمِّرة، في عدد من المدن التركية.
وقال ألتون: إن الهدف من إطلاق هذه الحملة من الخارج، يأتي بدوافع أيديولوجية، لإضعاف دولتنا وإضعاف وحدة شعبنا، مضيفًا: "تركيا ستعوِّض الناس عن خسارة الممتلكات، وسنواصل معركتنا ضد حرائق الغابات، من خلال تعبئة مؤسسات الدولة".