مصر وتركيا... مفاوضات النفس الطويل
مصادر تكشف لـ السياق: قنوات الإخوان ليست من مطالب مصر... والقاهرة تطالب بتسليم قيادات

السياق
انتهت الجولة الثانية، من المشاورات الاستكشافية بين مصر وتركيا، التي عُقدت في أنقرة على مدى يومين، باتفاق الطرفين على مواصلة المشاورات، وتأكيد رغبتهما في تحقيق تقدُّم بالموضوعات محل النقاش، والحاجة إلى اتخاذ خطوات إضافية، لتيسير تطبيع العلاقات بين الجانبين.
وبحسب البيان المشترك، تناول الوفدان قضايا ثنائية، فضلاً عن عدد من الموضوعات الإقليمية، مثل الوضع في ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين وشرقي المتوسط.
اختبار الجدية
وفي ما يتعلَّق بملف الإخوان، كشفت مصادر مصرية مطلعة لـ"السياق" أن غلق قنوات الإخوان، لم تكن المطلب الأساس للجانب المصري.
وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن القاهرة تعد تسليم مجموعة يحيى موسى، مؤسس حركة حسم الإخوانية الإرهابية، المتهم الرئيس في التخطيط لاغتيال النائب العام المصري هشام بركات، الاختبار الحقيقي لجدية الجانب التركي في تحسين العلاقات.
وكانت مصادر مطلعة تقيم في تركيا، رفضت الإفصاح عن هويتها، كشفت لـ"السياق" أن السُّلطات التركية تضع 20 من قيادات الصفين الأول والثاني بتنظيم الإخوان، المتهمين في قضية اغتيال النائب العام المصري السابق المستشار هشام بركات، تحت الإقامة الجبرية منذ يناير 2021، أي مع بداية التحرك التركي نحو الجانب المصري، لعودة العلاقات الدبلوماسية.
وذكرت المصادر المقرَّبة من تنظيم الإخوان، أن معظم هؤلاء المتهمين، الذين تضعهم تركيا تحت الإقامة الجبرية، طلبة سابقون، لافتة إلى أن القيادات الكبرى، المطلوبة على ذمة القضية نفسها، تنعم بحياتها بشكل عادي.
ويعيش الـ 20 إخوانيًا، المتهمون في قضية النائب العام المصري، داخل "محاضن تربوية"، وهى أسر أو تجمعات صغيرة لتدريس الفِكر الإخواني، يرعاها ويموِّلها يحيى موسى، الذي يقيم هو أيضًا تحت الإقامة الجبرية بتركيا، وغير مسموح له بمغادرتها.
وكانت أنقرة أعلنت، في مارس الماضي، استئناف الاتصالات الدبلوماسية مع مصر، متخذة إجراءات عدة لإثبات حسن النية، في مقدِّمتها توجيه وسائل الإعلام الإخوانية، العاملة على أراضيها، بتخفيف النبرة تجاه القاهرة.
ملفات عالقة
وفي مايو الماضي، توجَّه وفد تركي، برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال إلى القاهرة، في أول زيارة من نوعها منذ عام 2013، وأجرى محادثات "استكشافية" مع مسؤولين مصريين، لبحث التقارب وتطبيع العلاقات.
إلا أن مخرجات الجولة الاستكشافية الثانية بين مصر وتركيا، التي انتهت الأربعاء، اعترفت بأن هناك قضايا عالقة، تحتاج إلى مزيد من الخطوات لتيسير التطبيع.
فتحي محمود، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، قال لـ"السياق": من الواضح أن هناك ملفات كثيرة، مازالت عالقة بين مصر وتركيا أدت إلى تحفُّظ مصر على تطوير العلاقات إلى درجة تبادل السفراء، التي يلح عليها الجانب التركي، لكن مصر ترهن الخطوة بحدوث تطورات إيجابية في ملفات الإخوان، وليبيا بالدرجة الأولى، والتدخل في سوريا والعراق.
وأشار محمود، إلى أن ذلك وضح في الفقرة الأخيرة من البيان الصادر الأربعاء، عقب انتهاء الجولة الثانية من الاجتماعات المصرية التركية في أنقرة، التي نصت على: "أكد الجانبان رغبتهما في اتخاذ مزيد من الخطوات، من أجل إحراز تقدُّم في القضايا التي تمت مناقشتها وتطبيع العلاقات، واتفقا على مواصلة المشاورات"، وكذلك تصريحات سامح شكري وزير الخارجية المصري -في لقاء مع وكالة بلومبرغ- أن هناك المزيد من العمل يتعين القيام به، مؤكدًا أنه عندما تشعر مصر بالرضا عن حل القضايا العالقة، فإن الباب سيفتح أمام مزيد من التقدُّم.
وهذا يوضح بجلاء، بحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن تركيا لم تستجب بشكل جدي للمطالب المصرية حتى الآن، واكتفت بتقييد نشاط بعض وسائل الإعلام التابعة للإخوان، المخصَّصة للهجوم على مصر، بينما مازالت تحتضن عددًا كبيرًا من قيادات الإخوان، ومنحت معظمهم الجنسية التركية، لحمايتهم من أي عمليات تسليم محتملة لمصر، وتحفَّظت فقط على عدد من شباب الإخوان، المدانين في قضية اغتيال النائب العام هشام بركات، لاستخدامهم كورقة تفاوض مع مصر.
ويتابع محمود: "الحقيقة أن علاقة النظام التركي بجماعة الإخوان، عميقة ومعقَّدة بشكل يستحيل معه أن يتنازل هذا النظام عن هذه العلاقة المهمة بالنسبة إليه، وأقصى ما يستطيع عمله، منع الجماعة من القيام بأنشطة تنظيمية ضد مصر انطلاقًا من الأراضي التركية، وتسليم بعض الشباب المدانين في قضية هشام بركات فقط".
ولفت عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى أن العلاقة بين تركيا والإخوان، تمتد إلى ليبيا حيث يساند كل منهما الآخر في طرابلس وغربي ليبيا، ويسعيان إلى دعم نفوذهما في الانتخابات المرتقبة هناك، وعدم خروج القوات التركية والمرتزقة التابعة لها من ليبيا، وهو الطلب الذي تصر عليه مصر وتحظى بتأييد دولي بشأنه.
لا تنسيق
ويرى فتحي محمود، أنه من الصعب أن يحدث تنسيق مصري تركي في ليبيا، على غرار التنسيق التركي الروسي في سوريا، لأن هناك تضاربًا ضخمًا في المصالح بين مصر وتركيا في ليبيا، التي تعد جزءًا مهمًا ومباشرًا من الأمن القومي المصري.
ويوضح أن أي وجود تركي في ليبيا، خاصة في ظِل تحالفه مع الإخوان، يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، لا يمكن التغاضي عنه.
ولفت محمود، إلى أن الخلافات على غاز المتوسط عميقة، إذ يمثِّل أهمية استراتيجية لتركيا، لدرجة أن وزير الخارجية التركية مولود شاويش أوغلو، كرر دعوته لمصر بترسيم الحدود البحرية، محاولًا إغرائها بالقول إن "مساحة المياه الإقليمية المصرية تزيد، حال تعامل القاهرة مع حكومة أنقرة، إذا أرادت التفاوض بشأنها".
ونوه إلى أن هذه الخلافات العميقة، لا تخص مصر وحدها، لأن هناك العلاقات المصرية مع اليونان وقبرص، وهي استراتيجية مفصلية لمصر في النطاق الثنائي والمتعدد، وقد نجحت مصر بمهارة في صياغة مقاربة سياسية واستراتيجية واقتصادية كبيرة مع الدولتين، عبَّـر عنها منتدى غاز المتوسط والمنظمة الإقليمية للغاز، ورسم الحدود البحرية بين البلدين بصورة نهائية.
وهنا نوه عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى زيارة الرئيس القبرصي لمصر، قبل أيام من بدء جولة المفاوضات المصرية التركية، معتبرًا إياها رسالة مهمة من القاهرة إلى أنقرة.
ولفت إلى أن مصر تتعامل مع المفاوضات التركية بسياسة النفس الطويل، لأنها تدرك التعقيدات الكثيرة للموقف التركي من القضايا الخلافية، وترى في الوقت نفسه، أهمية حدوث اختراقات إيجابية في هذه القضايا، بصرف النظر عن طول الوقت الناتج عن التباطؤ التركي، لأن هذه القضايا تمثِّل أهمية كبيرة للأمن القومي المصري.
تعظيم ورقة الإخوان
من جانبه، قال أحمد بان، المحلل السياسي المصري، المتخصِّص في شؤون الجماعات الإرهابية لـ"السياق": إن الجانب التركي سيحاول تعظيم ورقة الإخوان في التفاوض مع الجانب المصري، لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، رغم أن ورقة الإخوان أصبحت محروقة وليست ذات جدوي.
ويتابع بان وهو باحث مصري عمل سنوات طويلة، في تحليل استراتيجيات جماعة الإخوان ومفرداتها: على الجانب المصري عدم إعطاء ورقة الإخوان أية قيمة.
وقال بان: إن الحكومة التركية "حسمت أمرهم وأعطت عددًا منهم الجنسية التركية، باستثناء من صدرت بحقهم أحكام نهائية مثل يحيى موسي وعلاء السماحي، وغير ذلك لا توجد قيادات لها قيمة باستثناء محمود حسين".