النيجر.. البلد المنسي من فيروس كورونا
كوورنا يعجز عن غزو النيجر.. و4 أسباب لعُمر الفيروس القصير في نيامي

ترجمات - السياق
لا أقنعة... أسِرَّة خاوية... تصدير اللقاحات للخارج... حياة ما قبل 2020... إنها النيجر البلد الأفريقي الذي نسيه فيروس كورونا.
صحيفة وول ستريت، سلَّطت الضوء على حال النيجر، الذي لا يعرف شيئًا عن كورونا، سوى بعض الإصابات الطفيفة هنا أو هناك، في مفارقة صارخة مع توقُّعات منظمة الصحة العالمية، بتفشٍ كبير للجائحة، في هذا البلد الذي يعاني أزمات عدة.
وتقول الصحيفة، إن الجناح الرئيس لفيروس كورونا، في المستشفى الرئيس في العاصمة الصحراوية، كان خاليًا منذ أشهر، وقد تراكم الغبار على مرافق العزل، التي أقيمت على عجل، فلم يُسمع عن الأقنعة تقريبًا في الشوارع، بينما تمر أيام عدة، من دون أن يُصاب شخص واحد بفيروس كورونا، مشيرة إلى أن هناك القليل من الطلب على اللقاحات، لدرجة أن الحكومة أرسلت آلاف الجرعات إلى الخارج.
أعلى معدل فقر
كانت منظمة الصحة العالمية حدَّدت هذه الدولة الشاسعة الواقعة غربي إفريقيا -موطنًا لواحد من أعلى معدلات الولادة والفقر في العالم- باعتبارها من أكثر الدول عُرضة لتفشي فيروس كورونا، في قارة توقَّعت الأمم المتحدة أنها ستقتل الملايين، إلا أنه بعد أكثر من عام، أصبحت بلدان أخرى، في جميع أنحاء إفريقيا، في قبضة الموجة الثالثة من الوباء، مع متغيرات جديدة، ترفع العدوى إلى مستويات قياسية.
ورغم أن النيجر تواجه تحديات اقتصادية وأمنية، فإنها من بين مجموعة صغيرة، من الدول الواقعة على الحافة الجنوبية للصحراء، التي نجت -حتى الآن في الغالب- من وباء كورونا، في واقعة عزاها خبراء إلى المناخ الحار والجاف، والمستوطنات قليلة السكان وضعيفة الاتصال، مشيرين إلى أن البلد الذي يوجد فيه أصغر السكان في العالم، أصبح حالة حاسمة لعلماء الفيروسات، الذين يدرسون تطور فيروس كورونا.
تهديدات جدية
ورغم ذلك، فإن الأطباء يقولون إن انتشار نوع دلتا شديد العدوى، وإعادة فتح الحدود البرية، في الأسابيع الأخيرة، لا يزالان تهديدًا للدولة غير المحصَّنة إلى حد كبير.
لكن في نيامي، العاصمة الهادئة الواقعة على نهر النيجر، لا دليل يذكر على تفشي الوباء.
«Le Pilier»، وهو مطعم شهير لدى السكان المحليين الأثرياء والمغتربين، يقول مالكه الإيطالي فيتوريو جيوني، إن عطلات نهاية الأسبوع ممتلئة، مشيرًا إلى أنه يعود إلى المنزل بالحصيلة اليومية نفسها، التي كانت قبل عامين.
وأشار إلى أن الأعمال تراجعت بعض الشيء، في ربيع 2020 عندما تم إغلاق الحدود الجوية، لكنها سرعان ما تعافت.
انخفاض الوفيات
واعتبارًا من منتصف يونيو، أكدت النيجر، التي مساحتها ضعف مساحة تكساس، وعدد سكانها أكبر قليلاً من ولاية نيويورك، إذ يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة، تسجيل 194 وفاة ونحو 5500 إصابة بكورونا، منذ تسجيل أول حالة لها في مارس 2020.
وهي أقل من الجيب الإيطالي الصغير في سان مارينو، الذي يبلغ عدد سكانه 34 ألف نسمة.
يقول طبيب التخدير، الذي يرأس أكبر وحدة للعناية المركزة لفيروس كورونا في النيجر: «كنا نتوقَّع أن نغرق في الحالات، لكن ذلك لم يحدث».
حياة قصيرة
«عاش الفيروس حياة قصيرة جدًا هنا»، يقول الطبيب الذي يسير في الممرات الخالية من جناحه، الذي يضم 70 سريراً في مستشفى نيامي المرجعي العام، الذي تم تجديده مؤخرًا.
ومع عدم وجود مرضى، في العناية المركزة في مرفقه، منذ أبريل، تمت إعادة توزيع غادو للعمل على الآثار الأكثر خطورة للملاريا.
ومنحت النيجر الأولوية لتطعيم العمال الأساسيين، ولم يتلق اللقاح سوى القليل من السكان.
إقراض اللقاح
وأواخر مايو الماضي، اتخذت النيجر خطوة غير عادية بإقراض 100 ألف جرعة لقاح أسترازينكا إلى ساحل العاج، وهي دولة أخرى غربي إفريقيا بها عدد السكان نفسه تقريبًا، لكنها أصغر بأربعة أضعاف جغرافيًا وبعشر حالات أكثر.
وبحسب «وول ستريت جورنال»، فإنه لم يكن هناك مرضى في العناية المركزة، في جناح كورونا بالمستشفى المرجعي العام، الذي تم تجديده مؤخرًا في نيامي منذ أبريل.
وفي الوقت نفسه، في مركز الاختبارات الرئيسي في نيامي، تمر أيام من دون أن يصاب أي شخص بكورونا، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن أربع خيام كبيرة أقيمت لعزل المرضى، بداية الوباء، أصبحت الآن موطنًا لزوج من الأحذية المطاطية الموحلة وبعض دلاء الغسيل البلاستيكية.
تناقض صارخ
ويتناقض عدم تفشي الوباء في النيجر -بشكل صارخ- مع أجزاء كثيرة من القارة الإفريقية، إذ حذَّرت منظمة الصحة العالمية، من أن العدوى في طريقها لتجاوز ذروتها السابقة في يناير.
ففي أوغندا، الواقعة على خط الاستواء، أصبحت المستشفيات غارقة في حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا، في الأسابيع الأخيرة، لدرجة أن المرضى يموتون أثناء انتظار أسِرَّتهم.
وأثارت معدلات الإصابة المنخفضة في البلاد، اهتمام علماء الأوبئة ومسؤولي منظمة الصحة العالمية، الذين خلصوا إلى أن النيجر من أكثر البيئات عدائية في العالم لفيروس كورونا.
ويقول الدكتور غادو، إن المناخ ضار جدًا لبقاء الفيروس في الجسم، مشيرًا إلى أن هناك جانبًا مضيئًا «لسوء حظنا».
خطر التلوث
وتظهر الأبحاث الأكاديمية، أن المستويات العالية من التعرُّض للشمس والحرارة، تقلِّل -بشكل حاد- من خطر التلوث بالفيروس، سواء من خلال الجسيمات المحمولة في الهواء أو التعرُّض السطحي.
وتُظهر محاكاة على موقع وزارة الصحة الأمريكية، التي تستخدم متوسط التعرُّض للأشعة فوق البنفسجية ودرجة الحرارة والرطوبة، لمقارنة نيويورك ونيامي، أن قابلية انتقال الفيروس، تنخفض إلى النصف أسرع في الظروف المناخية في العاصمة النيجيرية.
مستوطنات معزولة
وبخلاف المناخ، يوجد في النيجر أيضًا أصغر السكان في العالم -نصف سكانها دون سن 15 عامًا- ويعيش معظم مواطنيها في مستوطنات معزولة، وهو عائق آخر أمام المرض.
من جانبه، قال عثمان دار، خبير النظم الصحية العالمية في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث بريطاني: «في النيجر مجتمعات رعوية كبيرة، تقضي وقتًا طويلاً في الهواء الطلق في تهوية جيدة، تلعب أيضًا دورًا مهمًا في الحد من انتقال العدوى».
ويقول الخبراء إن السياسة لعبت أيضًا دورًا، فالسُّلطات حظرت صلاة الجماعة في المساجد، وأغلقت الحدود في مارس 2020، قبل خمسة أشهر من بدء دول مثل المملكة المتحدة، تقييد السفر الدولي.
وقال الرئيس محمد بازوم، الذي كان وزيرا للداخلية، إن فيروس كورونا وصل البلاد، إلا أنه لم يكن مزدهرًا.
الوباء الأحدث
وكورونا، أحدث وباء يصل إلى منطقة تعاني الأزمات، فالتمرُّد تسبَّب في مقتل أكثر من 8 آلاف شخص، وشرَّد مليونًا، كما أن الاحتباس الحراري يستنزف الموارد الزراعية الثمينة، ويقتل العديد من السكان، بسبب الأمراض المعدية الأخرى.
وفي مارس، قتل متشددون 137 قرويًا جنوبي غرب النيجر، وهو الأكثر دموية من «الإرهابيين» المشتبه بهم في تاريخ البلاد، وفي يونيو، قتل الإرهابيون 160 شخصًا في مذبحة في بوركينا فاسو المجاورة، في حصيلة قاربت حصيلة وفيات فيروس كورونا في البلاد خلال الوباء.
دمار اقتصادي
وتقول «وول ستريت جورنال»، إنه بينما نجت النيجر إلى حد كبير، من التأثير الوبائي للفيروس، فقد تعرَّض اقتصادها للدمار، وارتفع عدد الذين يعيشون في فقر مدقع -ما يقرب من نِصف السكان- بـ 40 ألفًا نتيجة لقيود فيروس كورونا عام 2020، حسب تقديرات البنك الدولي.
ويقول مسؤولون: إن عدد الذين يتسولون في شوارع العاصمة، من أجل قطع الغيار أو فضلات الطعام، ارتفع منذ العام الماضي.
لا يقل قلق سائق سيارة الأجرة موسى سومولا، من الحصول على لقاح، بقدر ما يقلق من أين سيأتي أجره، ويقول: "من بين 300 شخص، في الحي الذي أسكن فيه، ثبتت إصابة شخص واحد فقط".