باكستان تسعى إلى الاستفادة من انتصار طالبان... لكن الصين تدمِّر خططها

من السياسيين إلى لاعبي الكريكيت إلى الإسلاميين، تحتفل باكستان باستيلاء حركة طالبان على السُّلطة في أفغانستان، وبينما تستعرض بكين عضلاتها على الحدود، فإن محاولات إسلام أباد، لبدء حرب مزايدة للوصول إلى كابل، ستكون قصيرة الأجل.

باكستان تسعى إلى الاستفادة من انتصار طالبان... لكن الصين تدمِّر خططها

ترجمات – السياق

بعد عقدين، غزت باكستان أفغانستان مرة أخرى، أو هكذا تعتقد، بالنظر إلى ردود أفعال القادة الباكستانيين، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، من تسريب اجتماعات الاستخبارات، إلى الاحتفال بمكالمات القادة الغربيين، إذ تستمتع إسلام أباد بصوت عالٍ، بالاهتمام الذي تحظى به دوليًا، بعد سقوط العاصمة الأفغانية بيد طالبان، بحسب الكاتب الباكستاني كونوار خلدون شهيد.

واستدل شهيد -في تحليل بصحيفة هآرتس الإسرائيلية- بعددٍ من الأمثلة، لتضارب التصريحات والأفعال الباكستانية، بينها إشادة عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني بحركة طالبان، لكسرها "قيود العبودية" الأفغانية، بينما يقود دولة تلقَّت مليارات الدولارات، للحفاظ على تلك "العبودية".

كما أن الجنرال قمر جافيد باجوا، قائد الجيش الباكستاني، الذي كان يتلقى أوامر من الولايات المتحدة طوال 20 عامًا، يلقي الآن محاضرة عن إخفاقات الاستراتيجيات الجيوسياسية لواشنطن، بينما يروِّج لطالبان، بأنها ستدافع عن حقوق الإنسان، بعد توليها السُّلطة في أفغانستان.

وأشار الكاتب، إلى أن تصريح باجوا يأتي بعد شهر واحد فقط، من إعرابه عن قلقه من قمع حركة طالبان الباكستانية، خوفًا من "رد فِعل" عنيف داخل باكستان نفسها، معترفًا بأن طالبان الأفغانية والباكستانية "وجهان لعملة واحدة".

 

بدء الانتصار

 وقال الكاتب: إن الشعور بالانتصار في باكستان، بدأ العام الماضي، بعد اتفاق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع طالبان في الدوحة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة، من خلال إضفاء الشرعية على حركة طالبان، باعتبارها أحد أصحاب المصلحة الأساسيين، كانت انتصارًا لخطة باكستان القائمة منذ عقود، لإنشاء نظام إسلامي في كابل.

ورأى شهيد، أن خطة باكستان لإنشاء نظام إسلامي في كابل، تسبق استخدام الولايات المتحدة للجهاديين لطرد السوفييت، إذ صاغت إسلام آباد، سياسة تنمية قوة المجاهدين خارج أراضيها، تحت سُلطتها مباشرة بعد إنشاء الدولة، لمواجهة النفوذ الهندي و "تحرير كشمير".

ولتحقيق هذه الغايات، سعت باكستان إلى "العمق الاستراتيجي" في أفغانستان، وأرسلت الجهاديين أولًا لاستهداف نظام داود خان، أوائل سبعينيات القرن الماضي، وكانت باكستان قلقة أيضًا من حيلة هندية أفغانية، للتحريض على الانفصال بين المناطق ذات الأغلبية البشتونية، على جانب إسلام أباد من خط دوراند، التي لم يعترف بها أي نظام في كابل رسميًا كحدود.

وإضافة إلى كونهم أساس السياسات الإقليمية الباكستانية، فإن الجهاديين يساعدون الجيش أيضًا، في قمع القادة المدنيين للحفاظ على موقعه في السُّلطة، باعتباره القوة المهيمنة في الداخل، لذلك كان هناك الكثير على المحك، عندما هدَّدت الولايات المتحدة، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بأنه إذا لم تنهِ إسلام أباد بنيتها الفوقية الجهادية، فإنها ستقصف باكستان وتعيدها إلى العصر الحجري، وهي كلمات صدرت بالفِعل من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، رغم أنه لم يقم بذلك، وفقًا للكاتب.

ولكن باكستان -حسب الكاتب- التي بالكاد تتشدَّق بتظاهرها بتضييق الخناق على الجهاديين، بمَنْ فيهم المسؤولون عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تقامر بشكل أساسي، لعِلمها أن الولايات المتحدة لن تفي بتهديدها الوحشي، الخاص بإعادتها إلى العصر الحجري.

فإضافة إلى تأسيس لعبة مكافحة الإرهاب المزدوجة بطبيعتها مع/ ضد الولايات المتحدة، بنى الحاكم العسكري آنذاك برويز مشرف رواية أيديولوجية متناقضة مماثلة في الداخل، حيث باع "الاعتدال المستنير" للغرب، بينما عمد إلى أسلمة باكستان بشكل جذري.

ومن ثم، لا عجب من أن استيلاء طالبان على السُّلطة، قوبل بالبهجة من جميع الباكستانيين، رغم الانقسامات الأيديولوجية والسياسية، حسب الكاتب.

 

نظرية المؤامرة

وأشار الكاتب الباكستاني، كونوار خلدون شهيد، إلى أن بعض الإسلاميين يمجِّدون عودة الحُكم الإسلامي، بينما يبثون في الوقت نفسه، نظريات المؤامرة "اليهودية-الهندوسية" الخالدة.

وأضاف: "حتى المعتدلون يسخرون من سقوط كابل، فهناك لاعبو الكريكيت وكبار القضاة، وحتى بعض المدارس والمنظمات النسائية، يدعمون طالبان جهارًا".

وكان قائد الكريكيت الباكستاني السابق محمد نابي، أعلن ترحيبه بطالبان، قائلًا: "انتصارهم هو انتصارنا"، مضيفًا بسخرية: "على الباكستانيات أن يرتدين الحجاب لجعلنا أقوياء مثل طالبان". 

وكما هو واضح -يضيف الكاتب- خلال عقود الاضطرابات، التي عزَّزتها في أفغانستان لتسهيل صعود طالبان إلى السُّلطة، أكملت باكستان بنجاح عملية طالبان الخاصة بها.

وتابع: في الواقع، خلال العام الماضي، أثناء وضوح أن عهد طالبان الثاني بات وشيكًا في أفغانستان، بدأ عمران خان تمجيد أسامة بن لادن، الذي وصفه بـ "الشهيد" بينما رفض وزير خارجيته تسمية بن لادن بـ "إرهابي"، وتحدَّث عن قوانين الحياء الإسلامية، كحل للعنف الجنسي المتزايد ضد المرأة، وحتى حشد من أجل تصدير قوانين التجديف القاتلة في البلاد إلى الغرب.

 

نتائج عكسية

وسط كل ذلك، يشير الكاتب إلى أن المؤسسة الحاكمة في باكستان، تقلل من أن تأتي هذه الاستراتيجية -أي دعم طالبان أفغانستان وأسلمة البلاد- بنتائج عكسية، وأضاف أنه بدلاً من دعم الدمى الأفغانية في دولة تابعة، ربما تكون باكستان قد مكنت نظامًا جهاديًا من التوسع عبر الحدود إلى أراضيها.

وتابع: "بدلاً من القلق من هذه المخاوف، يرى حُكام باكستان النصر فقط، (يرون انتصار روايتهم الإسلامية، ورعايتهم لطالبان)، التي لا يزالون يأملون أن تعني السيطرة، وتعزيز نسب قيادتهم في العالم الإسلامي".

كما تأمل باكستان أيضًا، كسب علاقة ودية مع إيران والمملكة العربية السعودية، من خلال الترويج لقصة نفوذها على طالبان، وباعتبارها صانعة الحُكام في أفغانستان، لتعويض الانعكاس في العلاقات الرومانسية الناشئة بين إسلام أباد وتركيا، وفقًا للكاتب.

فقد اختار وزير الخارجية شاه محمود قريشي، حث القادة الغربيين على الاستمرار في الاستثمار في أفغانستان، بتحذيرهم من أن عدم الاستقرار قد يؤدي إلى أحداث 11 سبتمبر أخرى، بينما يتهم الهند بدعم الجماعات الجهادية.

ويشير الكاتب، إلى أن الرواية الباكستانية، بأن الغرب بحاجة إليها للوصول إلى طالبان والتأثير عليها، تأتي مصحوبة بزيادات في قوة الإقناع الإضافية، ففي الوقت نفسه، تبتز إسلام أباد القوى الغربية، لقبول أولوية باكستان في أفغانستان، أو على الأقل سُلطة جيشها، من خلال التلميح إلى وضعها كدولة مضطربة مسلَّحة نوويًا.

ويوضح شهيد، أن القادة العسكريين الباكستانيين -منذ برويز مشرف- أكدوا مرارًا وتكرارًا أن قنبلتها النووية، قد تقع في أيدي الجهاديين، إذا لم يتم القيام بكل ما يطلبونه.

في المقابل، يبدو أن قِلة من القادة الغربيين، توقَّفوا للتفكير في ما إذا كانوا يمدون الآن يد المساعدة للجيش الباكستاني، الذي رفض التنازل حتى عن أدنى قدر من السُّلطة للقادة المدنيين، على مدى سبعة عقود، والمنخرطين في تحالف مع ميليشيا إسلامية، ومن ثم عليهم أن يعيدوا التفكير في الأمر، خصوصًا بعد زيارة رئيس المخابرات الباكستانية إلى كابل، نهاية هذا الأسبوع، وما تم فيها من تأكيد لعلاقات قديمة بين باكستان ومسلَّحي طالبان.

 

الترسانة النووية والصين

ويشير الكاتب، إلى أن الترسانة النووية الباكستانية، كانت على مقربة من الجهاديين منذ عقود، لكن الآن، يمكن أن يكون هذا الوصول أقرب، ويتضاعف مع اعتراف الجنرال باجوا، بأن الجهاديين (بمن في ذلك أولئك المتعاطفين بشدة مع طالبان) موجودون داخل الجيش الباكستاني.

وتعلن باكستان الاهتمام الذي حظيت به، منذ استيلاء طالبان على السلطة، ليس فقط للفت انتباه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وإنما يقصد به في الوقت نفسه، أن يكون رسالة لحُكام الخليج.

وعن الدور الصيني، قال الكاتب: إن إعلان إسلام أباد لأهميتها قد يكون همسة لطيفة تجاه الصين، التي فرضت سيطرتها الاقتصادية على باكستان، لكنها تلقَّت مؤخرًا تذكيرًا مؤلمًا، بالتهديد الجهادي من داخل باكستان، الذي يلوح في الأفق فوق الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني -مبادرة الحزام والطريق- العمود الفقري لبكين.

ففي حين أن الانسحاب الأمريكي، ترك الصين تتعامل مع نظام جهادي مسلَّح بترسانة تقدَّر بالملايين، ستكافح باكستان لاستنزاف بكين، بالطريقة التي فعلتها مع واشنطن.

فبفضل التواصل الجغرافي، والدبلوماسية النيوليبرالية، التي تضع الإمبريالية الغربية الحديثة في الظل، يمكن للصين أن تدير مصالحها في باكستان بشكل دقيق، ما يترك هامشًا ضئيلًا للعب المزدوج.

وينهي شهيد تحليله، بتوجيه رسالة إلى الرئيس الأمريكي بايدن قائلًا: "فقط ألقِ نظرة على سجل باكستان في مكافحة الإرهاب"، ستجدها بينما تحالفت مع الولايات المتحدة، قامت بحماية أسامة بن لادن، وها هي الآن تلاحق بشغف، الجيل الثاني من مسلمي الأويغور، الذين وجدوا ملاذًا لهم في أفغانستان، كمحاولة لابتزاز الصين من خلالهم.

وأضاف الكاتب: ربما كانت باكستان تأمل أن يمنحها استيلاء طالبان على السُّلطة، وحرب العطاءات التي تطمح لإثارة النفوذ، بعض الامتيازات للتفاوض على شروط أفضل على الجبهة الصينية.

ورغم محاولات باكستان الصاخبة، لإعلان نفوذها على طالبان وأفغانستان، فإنها لا تستطيع منافسة عوامل الجذب الاقتصادية لبكين، التي يعتمد عليها بقاء نظام كابل الجديد.

فبعد أن أعلنت الصين هذا الأسبوع "شريكها الرئيس"، إذا تمكنت طالبان من إثبات نفسها كضامن أكثر موثوقية للاستقرار على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، فإن الجيش الباكستاني، في أحسن الأحوال، سيبيع الآن الجيش الغربي بسرعة وسهولة، عبر المزيد من التطمينات الفارغة، قبل أن تتولى الصين زمام الأمور.