صراع السُّلطة في تونس... تأييد شعبي ومخاوف من تهديد السِّلم الأهلي
ضحي طليق، المحللة السياسية التونسية، تقول لـ"السياق": إن القرارات الرئاسية جاءت لتلبية دعوات شعبية واسعة، بضرورة زوال منظومة الحكم الحالية، بسبب الدمار الذي أحدثته للبلاد طوال العقد الأخير

السياق
أحداث متلاحقة، تشهدها الساحة السياسية التونسية، بعدما أصدر الرئيس قيس سعيد، قرارات تجميد سلطات مجلس النواب، وتوليه منصب رئيس الوزراء، بعد إعفاء هشام المشيشي من منصبه، فضلًا عن قرار اتخذه خلال اجتماع طارئ للقيادات العسكرية والأمنية، برفع الحصانة عن أعضاء البرلمان.
الرئيس التونسي، وهو أستاذ قانون دستوري، اعتمد في قراراته على ما خوَّله له الفصل 80، المندرج ضمن القسم الأول من الباب الرابع بدستور البلاد، المتعلِّق بصلاحيات رئيس الجمهورية، الذي يمنحه الحق "في حالة خطر داهم مهدِّد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، ويتعذَّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتِّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن التدابير في بيان إلى الشعب".
وفي بيانه قال سعيد: "نحن نمر بأدق اللحظات في تاريخ تونس، بل بأخطر اللحظات، ولا مجال لأن نترك لأحد أن يعبث بالدولة وبمقدراتها، وأن يعبث بالأرواح والأموال، وأن يتصرَّف بالدولة التونسية كأنها ملكه الخاص".
انتصار للشعب
قرارات الرئيس التونسي، التي استقبلها الشارع التونسي بتأييد كبير، ووصفتها الصحفية والمحللة السياسية التونسية ضحي السعفي لـ"السياق" بـ"الانتصار لرغبات الشعب"، إذ انحاز سعيد إلى الشعب التونسي، وقرَّر محاسبة كل مَنْ تورَّط في قضايا فساد، لافتة إلى أن الشارع التونسي، بدأ منذ فترة طويلة التعبير عن امتعاضه من تغول حزب النهضة الإخواني، وتسبُّبه في معاناة استمرت قرابة 10 سنوات، حسب قولها.
وجاءت قرارات الرئيس التونسي، عقب اندلاع احتجاجات في عموم البلاد، طالبت بحل البرلمان الذي يرأسه راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإخوانية، وإسقاط الحكومة برئاسة هشام المشيشي، وتشكيل حكومة جديدة، بينما رفعت شعارات مناهضة للحكومة والبرلمان.
ولفتت "السعفي" إلى أن ما اتخذه الرئيس التونسي، من قرار بتجميد البرلمان، لا يتعارض مع الفصل 80 من الدستور، لأن القرار جاء بالتجميد وليس الحل.
وما بين تأييد ورفض للقرارات، التي اتخذها الرئيس التونسي، والتي كان آخرها ما أعلنه بتكليف مدير الأمن الرئاسي، بالإشراف على وزارة الداخلية، اعتبر بعض المراقبين المؤيدين لحركة النهضة الإخوانية هذه القرارات "انقلابًا على الدستور بالتأويل للفصل 80"، بينما أبدي، غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، تحفظه عليها في بيان صحفي، عقب اجتماع طارئ للمكتب السياسي، رافضًا ما يترتب على قرارات الرئيس قيس سعيد من قرارات وإجراءات اعتبرها "خارج الدستور" بحسب وصفه.
الرهان على الشعب
يسري خضراوي الناشطة التونسية بالمجتمع المدني قالت لـ"السياق"، إنه في حين لم يتفاعل أي حزب سياسي آخر مع قرارات الرئيس سعيد، إلا أنه لا يمكن التغافل عن تفاعل الشعب معها وتأييده لها بالنزول والاحتفالات في الشوارع.
وتابعت الناشطة التونسية: "إن إختيار 25 يوليو الموافق لعيد الجمهورية التونسية، جاء لرمزية هذا التاريخ عند التونسيين، وإن الخروج العفوي للشباب في جميع محافظات البلاد، مطالبين بحل البرلمان، محمِّلين حركة النهضة الإخوانية مسؤولية انهيار الأوضاع بالبلاد منذ تاريخ الثورة 2011، هذا الخروج الذي مثَّل -حسب قولها- حركة احتجاجية عفوية غير متوقَّعة ليست لأي حزب سياسي ولا مجتمع مدني، وقابلها قرارات غير متوقَّعة من الرئيس، كانت صدمة لحركة النهضة الإخوانية.
ولا تخفي يسري خضراوي، الناشطة التونسية بالمجتمع المدني، تخوفها من عواقب القرارات الرئاسية، التي يصعب التنبؤ بنتائجها، حسب قولها، فهي قرارات خطرة في ظروف صعبة تمر بها تونس، وقد تنعكس سلبًا على الأمن والسِّلم الاجتماعي.
جاهزية أمنية
ضحي طليق، المحللة السياسية التونسية، تقول لـ"السياق": إن القرارات الرئاسية جاءت لتلبية دعوات شعبية واسعة، بضرورة زوال منظومة الحكم الحالية، بسبب الدمار الذي أحدثته للبلاد طوال العقد الأخير، ولا شك في أن الرئيس التونسي، اتخذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية المنشآت والمؤسسات، لدى اجتماعه الطارئ بالقيادات العسكرية والأمنية .
أما عن دعوة راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، رئيس البرلمان، أنصاره للنزول إلى الشارع، فتقول "طليق"، إن الأمر متوقَّع وقد صدرت في وقت سابق تهديدات من قيادات إخوانية.
الأمل في كل ذلك، بحسب قولها، ألا تتطور الأمور إلى أعمال عنف وتخريب "ولا شك في أن قوات الأمن والجيش، ستكون جاهزة في هذه الأوقات، وستختار -كما عودتنا- الوقوف إلى جانب الشعب التونسي، الذي رفض بأعلى صوته منظومة الحكم منذ 14 يناير 2011"، بحسب قولها.
ويرى مراقبون للشارع التونسي، أن على حركة النهضة، أن تفهم هذه اللحظة التاريخية، وما تقتضيه من عدم تصعيد في الشارع، الذي لن يؤدي إلا لتهديد السِّلم الأهلي وضرب وحدة الشعب، مطالبين بتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية، لمراقبة الالتزام بالدستور، وعدم تجاوز الأجل الزمني لقرار تجميد البرلمان، مع ضمان عدم المساس بالحقوق والحريات العامة.
تضاؤل القوة الشعبية
"النهضة ليست لها قوة حقيقية في الشارع التونسي"، بحسب خباب عبدالمقصود الباحث السياسي المقيم بتونس، الذي قال لـ"السياق": "إن المتحكِّم في تونس هو الدولة العميقة ورجال الأعمال"، لافتًا إلى أن الصراع بين الرئيس التونسي قيس سعيد وراشد الغنوشي -ممثلًا لحركة النهضة الإخوانية- ظهر إلى العلن عقب عدم دعوة الأخير للمرة الثانية، للاجتماع الرئاسي قبل أيام.
يتابع عبد المقصود، أن تونس مرَّت بضغوط سابقة، لكن الأمر حاليًا يختلف، لأن حجم الأزمة الاقتصادية كبير جدًا، فنحن أمام معادلة بالغة الصعوبة، قد تودي بمستقبل أي سياسي.
ويري الباحث السياسي المقيم في تونس، أن الخيارات جميعها مفتوحة في الأزمة التونسية، والقادم يكاد يكون مجهولًا لا يمكن التنبؤ به، فـ"الكل يعض أصابع الكل... ينتصر من يتحمَّل فقط" حسب قوله.
وختم بقوله: "يبقى الشارع التونسي، الرهان والمفاجأة في الخروج من تلك الأزمة، خاصة بعد عشر سنوات ثورة من غير تطورات اقتصادية".