انهيار المنظومة الصحية في تونس.. ومخاوف من نموذج البرازيل
ارتفعت حصيلة وباء كورونا، خصوصاً على مستوى الوفيات، إذ تراوحت بين 200 و180 حالة يومياً، وهي نسبة مرتفعة، مقارنة بعدد سكان تونس الذي يبلغ 10 ملايين نسمة.

السياق
"وضع كارثي"... هكذا وصفت نصاف بن علية، المتحدِّثة باسم وزارة الصحة التونسية، الوضع الصحي، في إشارة لانهيار المنظومة الصحية بسبب انتشار فيروس كورونا.
وارتفعت حصيلة وباء كورونا، خصوصاً على مستوى الوفيات، إذ تراوحت بين 200 و180 حالة يومياً، وهي نسبة مرتفعة، مقارنة بعدد سكان تونس الذي يبلغ 10 ملايين نسمة.
وفي ظِل هذا الوضع، تبادلت مؤسسات الدولة والقوى السياسية، الاتهامات عن المتسبِّب في هذا الانهيار، مع استمرار معاناة الشعب التونسي، التي بلغت حد إطلاق هاشتاج بعنوان #انقذوا_تونس، وإجراء الرئيس قيس سعيد اتصالات بدول عربية عدة بينها السعودية لطلب المساعدة.
سياسات خاطئة
الدكتور زكريا بوقيرة، طبيب بشري تونسي، ناشط في الحملة الشعبية للتوعية بمخاطر كورونا في تونس، قال لـ"السياق": "إن انهيار المنظومة الصحية التونسية، أمر مرتقب وحتمي".
وأضاف بوقيرة، وهو أحد أطباء مستشفيات العزل، أنه ومجموعة من الأطباء أطلقوا تحذيرات عن انتشار الإصابات بالفيروس، وعودة ارتفاعها مرة أخرى، مطالبين بالإغلاق الشامل، لكن الحكومة ومؤسسات الدولة رفضت المقترح.
وكشف الطبيب التونسي، أن "مؤسسات الدولة كان لديها نهجان مختلفان، الأول خلال الموجة الأولى، واعتمد على السياسة الاستباقية، إذ تم تطبيق الحظر الصحي الشامل خلال الموجه الأولي، وهو ما كان من نتائجه عدم تسجيل تونس أي حالات لمدة 63 يوماً، العام الماضي، ما يعني أنها استطاعت السيطرة على الوباء".
وتابع بوقيرة: "لكن في 27 يونيو 2020، قرَّرت الحكومة السابقة أن تتعايش مع كورونا، رغم أن الفيروس في ذلك الوقت لم يكن منتشراً"، مشيراً إلى أن مسألة التعايش مع الفيروس، تعني انتشاره مرة أخرى، وهو ما تحقَّق برفض تطبيق الحجر الصحي الإجباري للقادمين إلى البلاد، وهو الإجراء الوحيد الذي كان سيمنع عودة العدوي في تونس.
ولفت إلى أن "الحكومة قرَّرت أيضاً إعادة فتح الحدود، ما تسبَّب في انتشار الفيروس، وهو ما دفع مؤسسات الدولة إلى اعتماد (مناعة القطيع)، وهي كلمة تعني أن تترك الحكومة الشعب أمام الوباء،من دون إجراءات وقائية، ليواجه مصيره، سواء بالإصابة أو الوفاة.
تحركات متأخرة
وكان الحرس الوطني التونسي، أصدر بياناً صحفيا السبت، أكد خلاله تطبيق الحجر الصحي الشامل وحظر التجول، من دون المساس بالمرافق الحيوية الأساسية، مع تسهيل المتطلبات الحياتية للمواطنين.
وأعلنت السلطات التونسية 4 قرارات إجرائية، يطبِّقها الحرس التونسي الوطني هي: تطبيق حضر التجول ليلاً من الثامنة إلى الخامسة صباحاً، منع أو تحديد التحرك بين الولايات، التي أعلنت الحجر الصحي الشامل، إضافة إلى منع أو تحديد التحرك، في المناطق التي لا تخضع للحجر الصحي الشامل، واستمرار فرض ارتداء الكمامات بالأماكن العامة ووسائل المواصلات العامة والخاصة.
ويقول الدكتور زكريا بوقيرة، طبيب القلب التونسي، إنه مع كل موجة تشهدها البلاد، ترتفع الاصابات إلى مرحلة الذروة، بشكل يفوق طاقة المستشفيات، وأضاف: "بالمقابل في كل مرة عندما ترتفع فيها أعداد الإصابات، تتخذ الدولة إجراءات احترازية مشدَّدة، لكن مع الانخفاض، يتم رفع هذه الإجراءات مرة واحدة، ليعاود الفيروس الانتشار مرة أخرى".
مسؤولية سياسية
ويؤكد الدكتور بوقيرة، الناشط في الحملة الشعبية للتوعية بمخاطر كورونا، أن الحكومة المسؤول الأول، عمّا تعيشه تونس الآن من وضع كارثي.
وأشار إلى وجود مؤسستين بشكل محدَّد تتحملان مسؤولية تردي الأوضاع في تونس، هما: مؤسسة رئاسة الجمهورية ممثَّلة في الرئيس قيس سعيد، باعتباره رئيس الأمن القومي للبلاد، الذي يحق له فرض قرارات الحظر الشامل والإغلاق الصحي، للحفاظ على الشعب التونسي.
أما المؤسسة الثانية، فممثَّلة في رئيس الحكومة هشام المشيشي، الذي رفض فرض حظر صحي شامل، وظل يسوق أسباباً خاصة بالاقتصاد، لكن التجربة أثبتت العكس، وجاءت النتيجة انهيار النظام الاقتصادي، والبلاد على وشك الإفلاس بسبب تفشي كورونا، بحسب بوقيرة.
وأضاف: "لقد حذرنا من أن القرارات الخاصة بالتعايش، نتائجها السلبية كبيرة جدا"، في إشارة إلى عدم اهتمام الحكومة بما يطلقه الأطباء من تحذيرات، أكدها تقرير للبنك الدولي في أكتوبر 2020".
ويصف الوضع الحالي قائلاً: "ارتفعت الوفيات والإصابات بشكل قياسي، كان أبرزها وفاة نحو 200 تونسي في يوم واحد، وهو عدد كبير مقارنة بعدد سكان البلاد، الذي لا يتجاوز 10 ملايين نسمة، ومع ذلك لم تتخذ الحكومة الإجراء المناسب، أمام انهيار المنظومة الصحية، وهو الحظر الصحي الشامل، فهناك عجز في اسطوانات الأكسجين، التي كان من أبرز نتائجها انقطاع الأكسجين عن مدينة الفحص، ما تسبَّب في محاولة إجلاء المرضي أو نقلهم، وخلال عملية النقل توفي 3 منهم".
ويتابع: "اليوم يوجد نقص في أدوية التخدير، وهناك مخاوف من تكرار مشاهد الجثث الملقاة على الأرض، كما في البرازيل، كما تأثَّرت الفرق الطبية التونسية بشدة، وتعاني جسدياً ونفسياً، خاصة أن معظمهم أصيب بالفيروس وتسبَّبوا في إصابة أقاربهم، نتيجة عدم توافر الإمكانات الوقائية، بسبب عدم التفات السُّلطة التونسية لهم، وعدم دعمها، سواء كان مادياً أو معنوياً".
وكشف بوقيرة عن كارثة في المستشفيات التونسية، بأنها لم تعد تقبل المرضي فوق 40 عاماً، خاصة الحالات الطارئة، التي تحتاج إلى غرف الإنعاش.
تحركات شعبية
ومع تصاعد الأزمة، دشن تونسيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي "هاشتاجات" منها: "تونس تستغيث" و"أنقذوا تونس" و"إلى كل دول العالم أنقذوا تونس"، عبَّـروا خلالها عن غضبهم، وحمَّلوا الحكومة مسؤولية ما تمر به البلاد.
ضحي السعفي، الصحفية التونسية المتخصَّصة في الشأن الصحي، قالت لـ"السياق": "إن تونس تعيش حالياً وضعاً صحياً كارثياً، يعود الأول إلى أن الحكومة قرَّرت فتح الحدود، بعد فترة إغلاق أنقذتها من قبل، من انتشار الوباء، حتى أننا سجلنا صفر إصابة، في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وبعد ذلك فتحت الحدود، فانتشر الوباء وتفشى المرض بين الناس، مع ضعف منظومة التلقيح، إذ لم يتم تلقيح سوى مليون شخص من 10 ملايين".
ولا تعفي السعفي، المجتمع التونسي من تحمُّل مسئوليته في ما آلت إليه البلاد، فتقول: "التزم المجتمع في البداية، بالإجراءات التي اتخذتها الدولة، لكنه سرعان ما مل الإغلاق العام، بعد تدهور الوضع الاقتصادي، والضرر البالغ الذي أصاب جل القطاعات، خاصة أصحاب المهن الصغيرة".
كل ذلك وأكثر أدى، بحسب الصحفية التونسية المتخصِّصة في الشأن الطبي، إلى "تعميق أزمة الشعب التونسي اقتصادياً وصحياً، خاصة ونحن نعاني منذ سنوات طويلة، بسبب منظومة صحية ضعيفة، مع قِلة التجهيزات والمرافق الصحية العمومية".
و"حالياً يتربَّص الفيروس بالتونسي من كل الجهات، ولا يبدو أن الحل قريب وعاجل، في ظل حكومة عاجزة عن اتخاذ قرارات صارمة، بالإغلاق والحظر الشامل، في وضع اقتصادي صعب، فإما الموت وإما الفقر، فهي معادلة صعبة فهمها الشارع التونسي، الذي أتوقَّع أنه لن يقف صامتاً، أمام هذا الانهيار"، بحسب قولها.
وترى ضحي السعفي، أنه للخروج من هذه الأزمة، فإن تونس عليها "إعلان حالة الطوارئ الصحية، وطلب دعم الدول الصديقة والشقيقة في هذه الأزمة".
مساعدات عربية
بالمقابل، بدأت بعض الدول العربية، إرسال تجهيزات ومساعدات طبية، لدعم جهود تونس في احتواء الكارثة الصحية، بينما تعهدت دول أخرى، مثل السعودية والجزائر وليبيا والكويت وتركيا، بإرسال مساعدات عاجلة.
وقالت الرئاسة التونسية، في بيان، إن طائرتين لسلاح الجو المصري حطتا في مطار العوينة العسكري، محمَّلتين بمساعدات طبية عاجلة، لمكافحة كورونا.
السعودية كانت ضمن المبادرين لمد يد العون إلى تونس، متعهدة بتمكينها من كلّ ما تحتاجه، من لقاحات وتجهيزات طبية، وغيرها من المعدات الضرورية، لمواجهة الجائحة.
وقالت الرئاسة التونسية، إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تعهد للرئيس قيس سعيد، خلال اتصال هاتفي، بمد بلاده بكل ما تحتاجه من معدات طبية، لمواجهة كورونا.