فورين بوليسي: التصدُّعات تتزايد في نظام أردوغان

في الأشهر الأخيرة، أثار رجل المافيا التركي، سادات بكر، حالة من الجدل في البلاد، من خلال نشر سلسلة من مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب تتضمن مزاعم صادمة، تربط كبار المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم وزير الداخلية، بتهريب المخدرات والقتل والفساد.

فورين بوليسي: التصدُّعات تتزايد في نظام أردوغان

ترجمات - السياق

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أن قدرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على فرض السيطرة وإحكام قبضته، في جميع أنحاء البلاد "باتت معرَّضة للخطر"، ما قد يزيد احتمالات حدوث احتجاجات واسعة، وزيادة نطاق العنف، والصراعات السياسية في تركيا.

البداية

وأشارت المجلة -في تقرير- إلى أنه عندما أسس أردوغان، والرئيس التركي السابق عبدالله جول وآخرون، حزب العدالة والتنمية في صيف 2001، فإنه قدَّم حينها رؤية طموحة للمستقبل، مبنية على التدين والمشاركة السياسية الأوسع والازدهار، الأمر الذي لقي صدى لدى مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من الناخبين الأتراك، وقتها.

وتابعت: "لقد استفاد الحزب من تنفيذ الحكومة -التي حلَّ محلها عام 2002- إصلاحات اقتصادية مهمة، ساعدت في دفع عجلة النمو الاقتصادي خلال العقد الأول من هذا القرن، كما استفاد أيضاً من حقيقة أنه رغم عدم حصوله على أكثر من 49.5% من أصوات الناخبين، فإن النظام الانتخابي التركي منحه (العدالة والتنمية) الأغلبية البرلمانية، وبذلك لم تكن هناك حاجة لتشكيل حكومة بمشاركة أحزاب أخرى، ونتيجة لذلك، تمتَّعت البلاد بفترة من الاستقرار السياسي والاجتماعي".

ولفتت المجلة، إلى أنه بالتأكيد كانت هناك مشكلات على مر السنين، إذ أساء حزب العدالة والتنمية، وشركاؤه، إلى النخبة القومية العلمانية التقليدية في البلاد.

كما وصف أردوغان وقادة أحزاب آخرون، مثل جول، أنفسهم بأنهم المعادل الإسلامي للديمقراطيين المسيحيين، لكن تبيَّـن أنهم أقل ديمقراطية إلى حد كبير مما أرادوا أن يعتقد العالم.

لحظة الانهيار

ورأت "فورين بوليسي" أن استبداد أردوغان في حد ذاته، لم يكن السبب في جعل تركيا غير مستقرة، قائلة إنه من الصعب تحديد لحظة دخول البلاد، في حالة عدم الاستقرار، وذلك لأن الأمر عادة ما يكون عبارة عن سلسلة متصلة من الأزمات.

وقالت المجلة، إنه من الممكن اعتبار احتجاجات متنزه "جيزي" عام 2013 نقطة البداية، لحالة عدم الاستقرار التي تشهدها أنقرة الآن، تليها فضيحة الفساد التي أثارها أتباع فتح الله جولن، نهاية العام نفسه، التي أدت إلى تطهير واسع النطاق لأتباع رجل الدين، من الحكومة والإعلام والتعليم العالي عام 2014.

وتابعت: "عام 2015، اندلعت الحرب مرة أخرى، مع حزب العمال الكردستاني، إلى جانب تراجع حظوظ الحزب الحاكم في الانتخابات في العام نفسه، ثم محاولة الانقلاب المزعومة عام 2016، والتراجع المستمر في حظوظ تركيا الاقتصادية عامي 2018 و2019، وأخيراً تفشي جائحة فيروس كورونا عام 2020".

 

الصحافة... بوق الحكومة

قالت المجلة: إن هذه الأحداث تعكس فشل حزب العدالة والتنمية، في توسيع المشاركة السياسية، وتكوين مجتمع أكثر ازدهاراً، وإدراك إمكانات تركيا، وإضفاء الطابع المؤسسي على القيم الدينية، التي تؤدي إلى الحكم الرشيد، وتساعد في التغلُّب على الانقسامات الموجودة في المجتمع.

وأضافت المجلة: "على مدى نصف العقد الماضي على الأقل، اعتمد حزب العدالة والتنمية على الصحافة، التي حوَّلها إلى أكثر من مجرَّد بوق للحكومة، ووسيلة للإطراء المفرط على أردوغان، واستخدامها لإقناع الأتراك بأن مسؤولية وجود فجوة بين الوعود السابقة والواقع الحالي، تقع على عاتق المصرفيين الدوليين، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكيةCIA ، وإسرائيل، وجولن، ومجموعة من مثيري الشغب المزعومين الآخرين".

وطالما كان التحدُّث علانية ضد حزب "العدالة والتنمية" في تركيا ينطوي على مخاطر جسيمة، كما أنه لا تتم أي تحقيقات بشكل نزيه، وأي شخص يجرؤ على التشكيك في الرواية الرسمية، يمكن أن يتوقَّع مواجهته من الحكومة التركية بكل ثقلها، ما قد يؤدى لدخول السجن، ومصادرة الممتلكات، وتدمير الأسرة، أما أولئك الذين حالفهم الحظ، بالهروب خارج أنقرة، فهم في خوف دائم، من أن يتم تسليمهم إلى الحكومة، أو مواجهة انتقام عنيف على أيدي عملاء المخابرات التركية، حسب "فورين بوليسي".

 

اتهامات صادمة

ورأت المجلة، أن هذا الخوف يضاف إلى حالة عدم الاستقرار المتزايدة في تركيا، موضحة أنه في الأشهر الأخيرة، أثار رجل المافيا التركي، سادات بكر، حالة من الجدل في البلاد، من خلال نشر سلسلة من مقاطع الفيديو على موقع "يوتيوب" تتضمن مزاعم صادمة، تربط كبار المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم وزير الداخلية، بتهريب المخدرات والقتل والفساد.

وأشارت المجلة، إلى أنه رغم أن بكر لم يوجه أصابع الاتهام، إلى أردوغان بشكل مباشر، فإنه ألمح بقوة إلى أن الزعيم التركي متورِّط أيضاً، قائلة إن اتهامات بكر، التي لا تزال أغلبيتها غير مدعمة بأدلة، لقيت اهتماماً كبيراً، إذ استخدمها الصحفيون الأتراك  في أوروبا وضخموها، من خلال عمل استقصائي دؤوب، لافتة إلى تقارير الصحفي التركي، جوهري جوفين، الذي فر من تركيا، بحثاً عن الأمان في ألمانيا، والذي قالت إنه أصبح ظاهرة على "يوتيوب" هو الآخر، ما يكشف الفجوة بين ما يقوله "حزب العدالة والتنمية" والواقع على الأرض.

 

أكثر اضطرابًا

قالت المجلة: إن رجال المافيا -أمثال بكر والصحفيين الأتراك المنفيين- أصبحوا مصادر إخبارية موثوقة، أكثر من الحكومة أو الصحافة في تركيا، وهو ما رأت أنه أمر ليس بسيطاً، معتبرة أن هذا الأمر يؤثِّر في استقرار البلاد، لأن الرؤية الإيجابية للمستقبل، مثل تلك التي كان قد تبناها "حزب العدالة والتنمية" عنصر مهم، في كسب الولاء والسيطرة الاجتماعية.

وتابعت: "عندما كانت الحياة على الأرض، تتوافق مع رؤية الحزب، كما بدا في السنوات الأولى من حُكم العدالة والتنمية، كانت تركيا أقل اضطراباً، لكن بعد مرور سنوات، بدأ عدد أقل وأقل من الأتراك يرون تشابهاً بين وعود الحزب وما يتم تنفيذه، وهذا هو السبب في أن بكر والصحفيين المنفيين، يحظون بنسب مشاهدة مذهلة على "يوتيوب" تصل إلى الملايين، كما باتت تركيا أكثر اضطراباً".

ولفتت المجلة، إلى أنه مع تعرُّض رؤية "العدالة والتنمية" للخطر، اضطر أردوغان إلى الاعتماد أكثر فأكثر على المحسوبية والإكراه، للحفاظ على سيطرته، وهي الأمور التي وصفتها المجلة بـ"المكلفة ومحدودة التأثير".

 

عدم يقين

وقالت "فورين بوليسي" إن هذا النوع من البيئة السياسية، يدعو المنافسين، الذين قد يكون بعضهم ضعيفًا، مثل رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، ووزير الدولة الذي كان يحظى باحترام كبير في مجال الاقتصاد، علي باباجان، للظهور على الساحة، وإبعاد بعض الأصوات عن حزب العدالة والتنمية.

وتساءلت المجلة: "ماذا سيحدث عندما يُعرِّض الرئيس، الذي لا يمكنه طرح رؤية تجعله يحظى بولاء الشعب، التماسُك الاجتماعي للخطر؟"، قائلة إن هذا الشكل من عدم اليقين، يوفِّـر فرصة للأقوياء والطموحين.

ووصفت المجلة المسار السياسي لتركيا، بأنه "غير واضح على الإطلاق"، رغم التحديات التي يواجهها، حزب "العدالة والتنمية" وأردوغان، ولذلك فإن الإجابة عن السؤال، عمّا إذا كانت تركيا مستقرة أم لا؟ هي: "نعم ولا" في الوقت نفسه.