رئيس الشركة الإسرائيلية المتهمة بالتجسس على صحفيين ونشطاء: الأمر عبثي
قال هوليو: الادعاء بأنهم عثروا على شيء، قد يجعلنا مُدانين جنائياً، غير صحيح، فقد نشروا تصريحات محدَّدة بخصوص محرِّرة صحيفة فاينانشيال تايمز، زاعمين أنها كانت مستهدفة أيضاً، وقد فحصنا رقمها، ووجدنا أنها لم تكن هدفاً لأي عميل

ترجمات - السياق
أثارت المعلومات، التي تم الكشف عنها الأحد الماضي، عن برنامج التجسس "بيجاسوس"، الذي طوَّرته شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية NSO، تساؤلات عن مدى أخلاقية وقانونية استخدام مثل هذه البرامج، لكن يبدو أن بعض معلومات التحقيق مشكوك فيها، بحسب ما أكده الرئيس التنفيذي لشركة NSO.
وسلَّط موقع "Calcalistech"، الإسرائيلي، المعني بالتكنولوجيا، الضوء على القضية من خلال تقرير، تضمَّن مقابلة مع المدير التنفيذي لـ"NSO"، شاليف هوليو، للرد على المعلومات التي تم الكشف عنها، الأحد الماضي، في التحقيق الذي أجرته 17 مؤسسة إعلامية في العالم، بما في ذلك صحيفتا "ذا جارديان" البريطانية، و"واشنطن بوست" الأمريكية، بقيادة منظمة "Forbidden Stories" غير الهادفة للربح، ومقرها باريس، الذي تم الكشف فيه عن قائمة تضم 50 ألف رقم هاتف، يُزعم أنها كانت تحت مراقبة الحكومات، والمنظمات، في جميع أنحاء العالم، من خلال برنامج "بيجاسوس" التابع للشركة، وتضمَّنت القائمة أرقام هواتف صحفيين ورجال سياسة بارزين وبعض رجال الأعمال.
علامات استفهام
ذكر تقرير الموقع الإسرائيلي، أن القائمة الموجودة في التحقيق، تثير العديد من علامات الاستفهام، بين أي شخص على دراية بنشاط "NSO"، مرجعاً ذلك لأنه لم يتم ذكر مصدر الحصول على القائمة، في أي من التقارير الخاصة بالتحقيق، التي نُشرت في منصات الـ17 شريكًا إعلاميًا لـ"Forbidden Stories".
وقال إن تقرير "ذا جارديان" -على سبيل المثال- زعم أن "التسريب يحتوي على قائمة تضم أكثر من 50 ألف رقم هاتف، يُعتقد أنها لأشخاص محل اهتمام من عملاء NSO منذ عام 2016".
وتابع: "لم يتم توضيح مصدر الحصول على القائمة، في أي من التقارير التي تم نشرها، كما لم يتم ذكر سبب نسب القائمة إلى NSO، وهي تفاصيل أساسية، ينبغي أن تكون متاحة للقراء، كما أنه لم تتم الإشارة إلى ما إذا كان قد تم الحصول على المعلومات من مصدر موثوق، حتى أن صحيفة "واشنطن بوست" كتبت أنه لا يمكن تحديد الهدف من القائمة على وجه اليقين".
التخلي عن السِّرية
أشار التقرير إلى أنه هذه ليست المرة الأولى، التي يتم فيها الكشف عن الاستخدامات "الضارة" لبرنامج "بيجاسوس"، مضيفاً: "كان قد تم إجراء أول تحقيق عنه من معهد Citizen Lab Research التابع لجامعة تورنتو بكندا، كما أن الموقع نفسه، الذي كان أول مَنْ كشف عن نشاط NSO، نشر تقارير عدة عن الاستخدام الذي وصفه بـ"غير المُناسب" للبرنامج، إلا أنه قال إن التحقيق الذي نُشر الأحد الماضي، أثار ردود فعل شديدة، مرجعاً ذلك إلى أهميته الكبيرة، ونشره في مؤسسات إعلامية رائدة في العالم.
وقال التقرير إنه بسبب حجم الاهتمام الإعلامي بالتحقيق الأخير، قرَّر الرئيس التنفيذي لـ"NSO" التخلي عن السِّرية التي عادةً ما تحيط بالشركة، والإجابة عن الأسئلة المُثارة عن برنامجها "بيجاسوس" بشكل مباشر في مقابلة أجراها موقع "Calcalistech" معه.
تشكيك في الأرقام
هوليو، نفى في المقابلة، أنه يتم استخدام برامج شركته في أنشطة ضارة، قائلاً إن قائمة الهواتف التي يستند إليها التحقيق، والتي يُزعم أنها تعود لأهداف محتملة للشركة، لم يتم الكشف عن مصدرها، كما أنها وصلت إليه قبل شهر من نشر التحقيق، ومن مصدر مختلف، حسب قوله.
وأضاف هوليو: "تلقينا اتصالاً أولياً، منذ شهر، من وسيط لديه معلومات عن الأمر، قال إن هناك قائمة متداولة، وإن الشخص الذي يملكها يقول إن خوادم الشركة في قبرص تم اختراقها، وإن هناك قائمة بالأهداف هناك، وإنه يتعين علينا توخي الحذر، وقد نظرنا في الأمر، لأننا لا نفعل ذلك، وليس لدينا خوادم في قبرص، وليس لدينا هذه الأنواع من القوائم، كما أن الرقم غير منطقي بأي شكل من الأشكال، ولذا فإن هذه القائمة ليست لها علاقة بنا".
وتابع هوليو: "ثم اتصل بنا عميلان مختلفان، في وقت لاحق، وقالا إن هناك وسطاء أتوا إليهم، مدّعين أن لديهم قائمة متعلِّقة بالشركة، وتلقينا بعض صور هذه القائمة، التي تمكَّن الوسطاء من الحصول عليها، وبناءً على هذه الصور تيقنا أن الأمر لا يشبه نظام برنامج بيجاسوس، وبعدها بات من الواضح لنا، أنه ليس الخادم الخاص بنا، لكنه كان خادم HLR Lookup، وحينها اعتبرنا أن الأمر كان مجرَّد مزحة".
وبحسب التقرير، فإن " HLR" شبكة تربط كل أجهزة الهاتف المحمولة في العالم ببعضها، إذ تسمح لمقدِّمي الخدمة بتلقي المعلومات الأساسية عن الأجهزة، على سبيل المثال، ما إذا كانوا متصلين بشبكة، ومَنْ مُقدِّم الخدمة، وفي أي بلد.
وأشار إلى أنه وفقاً لخبير في أمان البيانات، عمل في القسم الهندسي لأحد مزوِّدي خدمة التليفونات المحمولة في إسرائيل، لم يذكر الموقع اسمه: "فإنه من خلال النظر إلى محرِّك البحث جوجل يمكن أن نجد العديد من المصادر، التي تبيع الوصول إلى هذه الشبكة، وبلا مقابل تقريباً".
هوليو يتساءل
ووصف هوليو التحقيق، بأنه محاولة لبناء شيء ما على "نقص جنوني في المعلومات"، وتساءل: "يقولون إن القائمة تم تسريبها، لكن من أين تم تسريبها؟، لا أريد أن أعرف هوية الشخص الذي سرَّبها، لكن من أين تسرَّبت؟ لماذا لا توجد لدينا هذه المعلومات؟"، واصفاً الأمر بـ"العبثي".
ووفقاً لهوليو، فإن متوسط عدد عملاء الشركة هو 100 هدف سنوياً، قائلاً إنه بالنظر إلى تاريخ "NSO"، فإن أهداف برنامج بيجاسوس، لن تصل إلى 50 ألف هدف، منذ تأسيس الشركة.
وأوضح هوليو: "لدى البرنامج 45 عميلاً، مع نحو 100 هدف لكل عميل في السنة، كما أن القائمة المنشورة في التحقيق، تضم بلدانًا ليست من عملائنا، ولا يوجد لدى الشركة أي قائمة تتضمَّن جميع أهداف البرنامج، وذلك ببساطة لأن الشركة نفسها، لا تعرف كيف يستخدم عملاؤها النظام في الوقت الفعلي".
ليست مجرَّد أرقام عشوائية
إلى ذلك، ذكر تقرير موقع Calcalistech أنه حتى في حال لم يكن هناك دليل، على أن القائمة مرتبطة بشكل مباشر بـ"NSO" أو بـ"بيجاسوس"، فإن القائمة المتداولة لا تضم مجرَّد أرقام عشوائية، لكن محرِّري التحقيق حلَّلوا 67 هاتفاً في القائمة، ووفقاً لهذا التحليل، الذي أجراه مختبر الأمن، التابع لمنظمة العفو الدولية، احتوى 37 منهم على ملفات تتعلَّق بـ"بيجاسوس"، أو على محاولات لتثبيت البرنامج، وإضافة إلى ذلك، كانت هناك حالات عدة، كان هناك ارتباط فيها بين الوقت الذي يتم فيه إدخال رقم الهاتف في نظام HLR Lookup وبدء نشاط البرنامج على الجهاز، إذ تُظهر القائمة كيف بحثت أجهزة الاستخبارات ووكالات إنفاذ القانون المختلفة في نظام HLR، وربما كيف أجرت عمليات البحث هذه، قبل اختراق هاتف ضحية البرنامج، حسب الموقع.
وفي هذا الصدد يقول هوليو: لم نتلقَ قائمة بجميع هذه الأرقام الـ37، التي يُفترض أنها تعرَّضت لاختراق من "بيجاسوس"، لقد أرسلوا لنا بعضها فقط، وقد وجدنا أن هذه الأرقام، التي تم إرسالها، ليست مرتبطة بالبرنامج.
وتابع: "الادعاء بأنهم عثروا على شيء، قد يجعلنا مُدانين جنائياً، غير صحيح، فقد نشروا تصريحات محدَّدة بخصوص محرِّرة صحيفة فاينانشيال تايمز، زاعمين أنها كانت مستهدفة أيضاً، وقد فحصنا رقمها، ووجدنا أنها لم تكن هدفاً لأي عميل".
خطيبة خاشقجي
كما أنه بخصوص خطيبة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، التي قالوا إنهم عثروا على دليل أيضاً على هاتفها، فقد فحصنا الأمر ووجدنا أنها لم تكن مستهدفة هي الأخرى، إذ لم نجد آثاراً للبرنامج على هاتفها، وفقاً لهوليو.
وأكد هوليو أن عملية التحقق هذه، تمت لدى جميع عملاء "بيجاسوس" في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك العملاء السابقون، الذين طلبت الشركة منهم الإذن بالبحث في أنظمتهم، مشيراً إلى أن عملية الفحص هذه، استمرت أسبوعًا.
وبسؤاله عمّا إذا كانت أدلة منظمة العفو الدولية ملفقة، قال هوليو: "هناك خطأ جوهري في هذا التحقيق، فربما كانت هذه الأرقام هدفاً لكيانات أخرى، وظهروا في عمليات البحث في HLR، لكن ما علاقة ذلك بشركة NSO؟".
وقال محرِّر الموقع لهوليو: "لقد أوضحت منظمة العفو منهجيتها، وأكدت أنها تحقَّقت من القائمة، من خلال محقِّقين مستقلين، أما من جانب NSO، فكل ما لدينا هو كلماتك فقط، إذ أنك لا تقدِّم أي مستند، أو على سبيل المثال، وثيقة تثبت عملية الفحص التي أجريتها"، وهو ما رد عليه هوليو قائلاً: "كيف يمكنني إثبات شيئاً لم يحدث؟ هل تريدون أن نأخذكم إلى العملاء للتحقُّق بأنفسكم، حتى تتمكنوا من البحث عن الأرقام، وتروا أن ذلك لم يحدث؟".
وتابع: "لا يمكن للعميل الكذب، لأن هذه الفحوص التي نجريها تتم في أنظمته، وقد تحقَّقنا من جميع الأرقام التي تم إرسالها إلينا، وسننظر في كل رقم نتلقاه، وحتى الآن جميع الأرقام التي حصلنا عليها، لا علاقة لها ببيجاسوس، بأي شكل من الأشكال".
لن نستهدف النشطاء
وبسؤاله عمّا إذا كان يمكنه التعهد، بألا يتم تعقُّب الصحفيين من الأنظمة المختلفة، عن طريق بيجاسوس، قال: "الصحفيون ونشطاء حقوق الإنسان، والمنظمات المدنية جميعاً، فئة محظورة، ومنذ هذه اللحظة فصاعداً، أي عميل سيستهدف صحفياً أو ناشطاً، في مجال حقوق الإنسان، لن يعد عميلاً لدينا، لأن ذلك ليس هدف البرنامج، وسنفعل أي شيء، من أجل منع إساءة استخدام برامجنا".
ومضى يقول: "يتم إلقاء اللوم علينا بسبب أشياء كثيرة، لكن الأساس الذي يستند إليه هذا التحقيق، قائمة لا يعرف أحد -على وجه اليقين- ما إذا كانت صحيحة أم لا، كما أنه يستند إلى قائمة لا علاقة لها بـNSO".
وأشار هوليو إلى أن توصل 80 صحفياً، في 17 مؤسسة إعلامية في العالم، إلى 37 شخصاً فقط، وجدوا أنهم مستهدفون من البرنامج، من أصل 50 ألف رقم هاتف في القائمة، يكشف أن هناك خطأ ما في هذه القائمة.
التعلُّم من الأخطاء
وبمواجهته بأن هذه الأرقام غير دقيقة، إذ إن المحقِّقين فحصوا 67 هاتفاً فقط من الـ50 ألف رقم، ووجدوا 37 منها بها آثار لـ"بيجاسوس"، وكان بينهم 12 صحفياً، قال هوليو: "لقد غيَّـرنا سياستنا في مجال حقوق الإنسان عام 2020، وأدخلنا معايير الأمم المتحدة، وهذه البيانات المذكورة في التحقيق، تعود إلى عامي 2017 و2018، ومنذ ذلك الحين أوقفنا خمسة أنظمة كانت لدينا، وسنتحقَّق من كل شيء، وإذا كان هناك عميل يستهدف صحفياً، فإنه لن يستمر بعد ذلك".
وتابع: "نحن نتعلَّم ونتحسَّن طوال الوقت، فعندما أسسنا الشركة عام 2010، لم يكن أحد يفكر في هذا الاتجاه، وأنا أعمل دائماً على تعلُّم كيفية وضع آليات الأمان، ومنع إساءة الاستخدام، والتحقُّق من الأمور، وكيفية اختيار العملاء، الذين تكون فرصتهم في إساءة استخدام النظام محدودة، ولهذا السبب توجد أغلبية الدول الـ45 التي نعمل معها في أوروبا، وهناك 90 دولة أخرى اخترنا عدم العمل معها".
وأضاف: "ربما كانت هناك بعض الحالات غير الجيدة في الماضي، التي نُصحِّحها، لأننا نأخذ قضية حقوق الإنسان والصحفيين على محمل الجد، لكننا نبيع أنظمة تعمل على منع الجريمة والإرهاب، ففي النهاية ما هو البديل الذي قد تستخدمه أجهزة إنفاذ القانون، مثل المخابرات والشرطة عند العمل ضد المجرمين؟
صحيح أنه يُقال إن هذه البرامج ليست جيدة، ولا ينبغي استخدامها، لكن السؤال: ما البديل؟ هل هناك بديل للتوصل للمجرمين، من دون اكتشاف المعلومات الاستخباراتية، في الوقت الفِعلي، من الهواتف الموجودة في عالم، من المفترض أنه يتضمَّن تشفيراً من طرف إلى طرف؟".