القاهرة في منتصف الليل.. حكايات الفن والثقافة قبل مئة عام

مؤلف بريطاني يكتب عن حياة الليل في القاهرة قبل مئة عام

القاهرة في منتصف الليل.. حكايات الفن والثقافة قبل مئة عام

ترجمات - السياق

" كانت القاهرة في القرن العشرين، نقطة جذب للطموحين والموهوبين، وخلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ازدهرت الموسيقى والمسارح وكانت نابضة بالحياة، وحدَّدت ما يعنيه أن تكون مصريًا حديثًا، كما هيمنت النساء على صناعة الترفيه المصرية، وروجن لصناعة ترفيه حديثة بشكل لافت للنظر"

 هكذا بدأ المؤلف البريطاني رافائيل كورماك، كتابه "القاهرة في منتصف الليل"، الذي أحدث دوياً معرفياً تاريخياً، عن العاصمة المصرية القاهرة، في القرن الماضي، وأسرار حياتها الليلية، وحراكها الثقافي والفني.

أجاب كورماك -عبر الكتاب- عن تساؤلات مهمة، سقطت سهواً من الذاكرة الجمعية المتوارثة، فكيف كانت مفاهيم الحرية والعلمانية المصرية قبل قرن من الزمان؟ وهل كانت هناك حركة نسائية في تلك الحقبة؟

يحكي الكتاب، الذي صدر باللغة الإنجليزية، عن الأجواء القاهرية الغائبة عن تخيلاتنا، وعن الفن والطرب والرقص والمسرح، و"زمن الفن الجميل"، وذلك عبر رصد حياة فنانات ومؤثِّرات في المجتمع وقتها مثل "روز اليوسف" و"منيرة المهدية" و"تحية كاريوكا" و"أم كلثوم" و"سامية جمال" وغيرهن.

العنوان الذي أحدث ضجة معرفية، سلَّطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الضوء على صفحاته، ومؤلفه.


اهتمام عالمي بالفن المصري

يروي الكتاب تاريخ الحياة الليلية، والأعمال الترفيهية في القاهرة، المسرح والغناء والرقص، من عام 1870 إلى خمسينيات القرن الماضي، مع التركيز على العشرينيات والثلاثينيات.

ويحاول الكاتب، إظهار مدى أهمية الأغاني والمسرحيات، في تاريخ مصر الحديث، كما أنه يضع النساء في قلب هذا التاريخ، ويحكي عن شكل الحياة في مصر من وجهة نظرهن.

بحسب الكاتب، فقد اجتذب الفن في حقبة "العشرينيات الصاخبة" في مصر، اهتمامًا عالميًا، إذ ارتقت فيها النساء المتميزات بشكل متكرِّر إلى قمة الشهرة، وأحيانًا إلى قمة السلطة.

من هنا جاءت فكرة "القاهرة في منتصف الليل"، الذي يروي حكاية مذهلة عن فترة لم يتم استكشافها.

بدءاً من الأزبكية، وإلى ضفاف النيل، تشكَّـل مزيج انتقائي ومتداخل من الفن والترفيه، في وقت كانت تمر مصر بتغيُّـر اجتماعي وسياسي. فقد كان هذا البلد -صاحب الحضارة العريقة- يحاول الخروج من نظام ملكي عثماني ما بعد الإمبريالية، لكن الإمبرياليين البريطانيين أوقفوا تطوره.

 

كأنك في لندن أو باريس

يرصد الكتاب، الحراك المسرحي في هذه االفترة، إذ قدَّمت فرق الدراما مسرحيات كلاسيكية مترجمة، وانجذب الجمهور لقاعات الموسيقى والمسارح، وأصبحت الأوبرا تحظى بشعبية جماهرية، وسط كل ذلك كانت هناك الكازينوهات، التي ارتادها جمهور مختلف، ظل يتزايد طوال هذه الفترة المهمة في التاريخ الفني المصري، بحسب "فايننشال تايمز".

يرى التقرير -حسب كتاب "القاهرة في منتصف الليل"- أن الكازينوهات أو مسارح الرقص، كانت المحطة الرئيسة التي أخرجت العناصر الأساسية في صناعة السينما المصرية، والتي هيمنت على العالم العربي دراميًا حينها.

ويقول كورماك في كتابه، إن أي شخص في القاهرة، خلال ذروة الحياة الليلية، بين الحربين العالميتين، يمكن أن يدَّعي أنه يعيش في واحدة من أعظم مدن العالم، مثل باريس أو لندن أو برلين أو نيويورك، فقد كانت العاصمة المصرية، ملتقى العديد من الثقافات، تمزج بين المسلمين والمسيحيين واليهود والسوريين والفلسطينيين والأتراك والأرمن والإيطاليين والفرنسيين واليونانيين، بحسب "فايننشال تايمز".

 

أعظم شعراء العالم

يذكر التقرير، أن القاهرة كانت ملتقى لأعظم الشعراء، فقد عاش فيها شعراء اليونان، أمثال قسطنطين كفافي وجورج سفيريس في الإسكندرية والقاهرة على التوالي.

بينما جذبت مسارح القاهرة والإسكندرية، إدوارد أمير ويلز الذي زار نادي كيت كات الشهير لمشاهدة راقصيه عام 1928، بينما كانت هذه الحقبة بداية انطلاقة السينما المصرية، التي سيطرت على الصناعة الفنية في العالم العربي عقودًا طويلة.

وسط كل ذلك، كانت هناك مغنيات وراقصات وممثلات، جاذبات بشدة لطبقة الأثرياء، من جميع أنحاء المنطقة وأوروبا.

 

النسوية المصرية

ووفق الكتاب، فإن هؤلاء المغنين أو الراقصين والممثلين، نالوا شهرة واسعة حينها، وكانوا هدفًا لحكايات الصحافة الصفراء، وقد كانت أغلبية هؤلاء الراقصات والممثلات، من قاع المجتمع، وبعد فترة يملكن مسارح خاصة وأندية للرقص، بل إن بعضهن انطلقن إلى العالمية.

وهنا يقول كورماك: «لقد غيَّـروا شروط الثقافة الشعبية المصرية، وشقوا طريقًا للنساء في مجتمع ذكوري".

فكان من أبرز هؤلاء اللاتي سلكن طريقًا مغايرًا داخل هذا المجتمع المحافظ: روز اليوسف، التي أنشأت مجلة تحمل اسمها، لا تزال حتى يومنا هذا.

والمطربة أم كلثوم، التي سحرت العالم العربي بفنها حتى اليوم، وعاشت وماتت كأسطورة غنائية وفنية، بل عند وفاتها عام 1975، كانت الحشود المتجمعة في شوارع القاهرة خلال جنازتها، أشبه  بجنازة جمال عبدالناصر، الزعيم العربي الراحل الذي توفي عام 1970.