استمرار مظاهرات المياه في خوزستان بإيران.. فهل تتمدَّد؟
عطشى خوزستان... احتجاجات تزعج النظام الإيراني وتعامل عنيف لقوات الأمن

السياق
لليوم الرابع على التوالي، تتواصل التظاهرات، التي نظَّمتها الأقلية العربية الأحوازية، في إقليم خوزستان غربي إيران، احتجاجًا على النقص الحاد في المياه، الذي أصاب الأحواز.
الاحتجاجات، التي انطلقت شرارتها في 7 يوليو الجاري، تصاعدت وتيرتها بسرعة في 15 من الشهر نفسه، مع إغلاق النشطاء الطرق الرئيسة في الإقليم، واقتحام مكتب البلدية في مدينة الأهواز، الأسبوع الماضي.
إلا أن تعامل قوات الأمن مع تلك الاحتجاجات، جاء عنيفاً، بحسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، مشيرة إلى أن قوات أمن، أطلقت الذخيرة الحية على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل 3 نشطاء محليين، اعترف النظام بوفاة أحدهم.
طوق أمني
وبحسب وسائل إعلام إيرانية معارضة، فإن الشرطة الإيرانية فرضت طوقاً أمنياً، على المدن العربية التي شهدت احتجاجات، ضد تجفيف الأنهار في محافظة الأحواز، كما انتشرت في شوارع مدينة السوس، بعد ليلة اتسع فيها نطاق الاحتجاجات.
وقالت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية: إن إيران اعترضت شحنات أسلحة غير مشروعة، إلى محافظة خوزستان، ما يشير إلى أن المواجهة مع قوات النظام، من المرجَّح أن تتصاعد أكثر.
تجفيف كارون
وشجب الأحواز خُطوات السلطات الإيرانية، التي عملت على تجفيف نهر كارون، الذي يمر بمحافظة خوزستان، ونقل جزء من مساره إلى مناطق أخرى، ما ترك السكان العرب يواجهون أزمة مياه، بينما يزعم الأحواز أن طهران تتعمَّد تحويل المياه، من المناطق التي يعيشون فيها، وبناء السدود والصناعة في أهوارهم، لإجبارهم على المغادرة.
وبحسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، فإن المياه قد تكون حافزًا لخروج التظاهرات، إلا أن الاحتجاجات الحالية لا يمكن حصرها في أنها عِرقية قومية، فالهتافات واللافتات بالعربية، بهدف حشد المزيد من الأحواز.
وقالت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، إن سكان الأحواز في المنطقة، التي تتكوَّن في الغالب، من أقليات عربية داخل إيران، كانوا غاضبين من نقص المياه النظيفة، لبناء طهران سدود جديدة، مشيرة إلى أن هناك أيضًا غضبًا مستمرًا من التمييز والشعور بأن المنطقة مهمَّشة.
وبينما تعهد نشطاء في أوروبا والمملكة المتحدة، بتنظيم احتجاج خلال عطلة نهاية الأسبوع، ردًا على تلك التظاهرات، تغافلت وسائل الإعلام الإيرانية التابعة للدولة، نقل الاحتجاجات، للتقليل من شأنها، أو اتهامها بارتكاب بعض الجرائم، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
اعتراف رسمي
وفي أول اعتراف رسمي بالأحداث، قال أوميد صبري بور، القائم بأعمال حاكم شادغان، لوكالة أنباء إرنا، إن عددًا من أبناء شادغان تجمعوا الجمعة، للاحتجاج على نقص المياه بسبب الجفاف، مشيرًا إلى أن من وصفهم بـ«الانتهازيين والمشاغبين قتلوا أحد المتظاهرين».
وقال صبري بور: إن الجناة سعوا لإثارة الناس بإطلاق النار في الهواء، وأصيب شاب من شادغان بالرصاص في هذه العملية.
ونقلت «إنترنيشنال» تصريحات لصحيفة «آرمان ملي» التي أشارت فيها إلى احتجاجات خوزستان، مؤكدة أن بُعدها عن المركز، جعلها لا تحظى بأهمية المسؤولين.
القوة القهرية
وقارنت بين الاحتجاجات في خوزستان وطهران، إذ يسارع المسؤولون إلى حل الأزمة، التي تندلع من أجلها احتجاجات في طهران، لكن عندما تحدث هذه الاحتجاجات في محافظة مثل خوزستان، يتم إنكارها أو قمعها، مؤكدة أن خوزستان متعطشة لاهتمام المسؤولين وعنايتهم، وليس قمعهم واستخدام القوة القهرية ضدهم، بحسب الصحيفة.
وأكدت الصحيفة، أن الاحتجاجات، اعتراض على الواقع، سواء حدثت في المركز أو المحافظات، مشدِّدة على ضرورة سماع صوت الناس واحتجاجهم، لحل المشاكل والأزمات.
حملة دعم
أكد أكثر من مئة وثلاثين مخرجًا وثائقيًا إيرانيًا، دعمهم لاحتجاجات الأحواز ضد التجفيف، معبِّـرين عن إدانتهم قمع الاحتجاجات الشعبية، ضد نقص المياه، وأنهم يقفون إلى جانب «عطشى خوزستان».
وفي بيان بعنوان «مرة أخرى فتح الرصاص على الماء»، اطلعت «السياق» على نسخة منه، قال 134 وثائقيًا سينمائيًا، إن هذه هي القصة المريرة، لأغنى محافظة في إيران بالمياه، إذ يشهد كارونها ومارونها وكرختها وشط أروندها (شط العرب) الدماء تنزف من أعين الناس، مشيرين إلى أن هذه المرة في هور العظيم، ينمو الموت دائمًا، وتُسكَت أصوات طُلّاب العدالة في الأهوار (المسطحات المائية).
لا توسع
وفي الوقت الحالي، من غير المرجَّح أن تنضم القوى الأخرى المناهضة للنظام، إلى احتجاجات الأحواز، لأن أغلبية المعارضة الإيرانية الرئيسة، لا تدعم النشاط السياسي للجماعات العِرقية الإيرانية، التي يخشون أن تقوِّض سلامة إيران، بحسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية.
ومن المرجَّح أن يظل التأثير، في الوقت الحالي، معزولًا عن قطاع صناعة النفط والغاز، إذ يمكن أن تؤدي الاحتجاجات المستمرة إلى تعطيل الإنتاج، إلا أنه من شِبه المؤكد أن حملات القمع التي يقوم بها النظام ستستمر.
سكان الأحواز
ويبلغ عدد سكان الأحواز في إيران نحو 5 ملايين نسمة، يتركزون في موقعين استراتيجيين مهمين: مقاطعة خوزستان (موطن إنتاج النفط والغاز الطبيعي الرئيس في إيران والموانئ الرئيسة)، ومنطقة الخليج الفارسي، بين بوشر وبندر عباس، التي تشهد حركة بحرية كبيرة.
ووفقًا للاستطلاعات، فإن الأحواز بين أقل الأقليات العِرقية في إيران اندماجًا، فنحو 82% من الأحواز يتحدَّثون العربية في المنزل.
إضعاف الأغلبية
وسعت طهران - عمداً على مدى عقود - إلى إضعاف الأغلبية العرقية الأحوازية في خوزستان، بسبب الأهمية الاستراتيجية لهذه المحافظة، بحسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، التي قالت إن النظام يدير برامج، لتشجيع الفرس وغيرهم من غير العرب، على الانتقال إلى المحافظة، من أجل الديموغرافيا.
وفي تقرير صدر في ربيع 2021، أشار جافيد رحمن، المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة بشأن إيران، إلى «تقارير عن عمليات إخلاء قسري، في مناطق الأقليات العِرقية، أثَّرت في الأحواز»، مؤكدًا أن عرب الأحواز يواجهون تمييزاً وظيفياً، في صناعة النفط والغاز في خوزستان.
مواجهات عنيفة
الهجوم الأخير والأكثر جرأة كان في 22 سبتمبر 2018، عندما هاجمت مجموعة مسلَّحة عرضًا عسكريًا في مدينة الأحواز، ما أسفر عن مقتل أكثر من 30 من قوات الأمن الإيرانية، فضلاً عن الحاضرين، إلا أنه في أعقاب الهجوم، أعدم النظام أكثر من 20 أحوازيًا، واعتقل مئات آخرين في محافظة خوزستان.
وقال المقرِّر الخاص لمجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة بشأن إيران، إن حملة النظام القمعية على الأحواز، في أعقاب موجة أوسع من الاحتجاجات، عامي 2017 و2018 كانت قاسية بشكل خاص، ما أدى إلى مقتل 84 شخصًا في خوزستان، مشيرًا إلى أنه في شتاء 2019، ووسط حملة قمع، على الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء إيران، قتل النظام عشرات الأحواز، الذين فروا إلى أهوار خوزستان.
تجنيد ميليشيات
وجنَّدت طهران ميليشيات عربية وأجنبية، لسحق الاضطرابات الأحوازية، ففي ربيع وصيف 2019، تسبَّبت فيضانات خوزستان، في قتل ودمار واسع النطاق، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات، ونشرت طهران مقاتلين أجانب من لبنان والعراق، بما في ذلك وحدات الحشد الشعبي العراقية وحزب الله اللبناني لقمعها، بحسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية.
وتستهدف طهران أيضًا، قادة الأحواز المقيمين خارج إيران، ففي نوفمبر 2017، قُتل الناشط الأحوازي أحمد مولا نيسي، وهو هولندي من أصل إيراني، بالرصاص على عتبة منزله في لاهاي، بينما وجهت الحكومة الهولندية رسميا أصابع الاتهام إلى النظام.
وفي أكتوبر 2020، اختطف النظام الناشط العربي الإيراني المقيم في السويد حبيب شعب، في إسطنبول ونقله إلى إيران.