بعد إعلان زحفها نحو أديس أبابا.. هل تطيح قوات تيغراي آبي أحمد؟
المفاوضات... الطريق الوحيد للخروج من الأزمة رغم أنها السيناريو الأقل احتمالًا

ترجمات - السياق
رأى الكاتب البريطاني ديفيد بيلينج، أن العام الأخير الذي وصفه بـ"المتهور" في إثيوبيا، يتوقع أن ينتهي "نهاية مريرة"، وقال إنه نادراً ما تنهار آفاق أي دولة بشكل مذهل، مثلما يحدث في أديس أبابا الآن.
وأشار بيلينج، في مقال لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، إلى أنه منذ وقت ليس ببعيد كانت الدولة، التي يبلغ عدد سكانها 110 ملايين نسمة، كثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، نموذجاً نادراً للنجاح الاقتصادي، إذ أدى استمرار النمو الكبير على مدى عقدين من الزمن، والمكاسب التي تحققت بسبب هذا النمو، إلى محو السُّمعة السابقة بسوء الإدارة والمجاعات.
وتابع: "كان يُنظر إلى صعود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السلطة قبل ثلاث سنوات، الذي كان من المتوقع أن يكون محدثاً للبلاد، كفرصة للمضي قدماً بشكل أفضل، إذ كانت هناك توقعات بأنه سيتمكن من تحرير الاقتصاد وإضافة صبغة ديمقراطية على الحكم الاستبدادي القاسي".
أفغانستان وإثيوبيا
ورأى بيلينج، محرر الشؤون الإفريقية في "فاينانشيال تايمز"، أنه منذ نوفمبر الماضي، تكشفت المأساة في أديس أبابا، بسرعة شبيهة بسرعة الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، لافتاً إلى أنه في الذكرى السنوية الأولى للحرب بين الحكومة الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تؤكد الأخيرة أنها يمكنها السير نحو العاصمة أديس أبابا، وإطاحة آبي أحمد.
وأضاف الكاتب، أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي حكمت البلاد 27 عاماً حتى عام 2018، ليست مثل حركة طالبان بحجم الوحشية في الحُكم، لكنها مثل الحركة المجرمة والمرفوضة من الحكومة، يمكنها الآن أن تشق طريقها نحو السلطة، إذ أدى القتال بينها وبين الحكومة، إلى إطلاق العنان لأعمال عنف وحشية للغاية.
انتهاكات حقوق انسان
قال الكاتب إن تحقيقًا مشتركـًا أجرته الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان المعينة من الدولة الإثيوبية، هذا الأسبوع، خلص إلى أن جميع الأطراف بما في ذلك قوات الحكومة وحلفاؤها الإريتريون والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والميليشيات المختلفة، "ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني وقانون اللاجئين، يصل بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وشبَّه الكاتب ما وصفه بـ"خطاب الكراهية المشحون" في أديس أبابا اليوم، بالخطاب السائد في رواندا، في مرحلة ما قبل الإبادة الجماعية، وقال إن الحرب بين أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أدت إلى حرب أخرى بين تيغراي وأمهرة، وهما إقليمان متجاوران لديهما تنافس قديم ونزاعات حديثة تتعلق بالأرض والسلطة.
ووفقاً للكاتب، فإن آبي أحمد، الحائز جائزة نوبل للسلام، بدا مرتبكاً في بعض الأحيان، مشيراً إلى ما قاله في كلمة ألقاها هذا الأسبوع: "الحفرة التي تم حفرها عميقة للغاية، وسيتم دفن العدو بها... سندفن هذا العدو بدمائنا وعظامنا"، إلا أنه نشر نسخة أخف قليلاً من التصريح على "فيسبوك" لانتهاكه قواعد التحريض على العنف.
طريق الخروج
ونقل الكاتب عن تيودروس هايلي العضو البارز في الحركة الوطنية في أمهرة قوله: "من الصعب رؤية طريق للخروج من هذه الأزمة الحالية، فهناك خياران، إما هزيمة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وإنقاذ الحكومة الإثيوبية، وإما وصول الجبهة للسلطة في أديس أبابا واندلاع حرب أهلية في جميع أنحاء البلاد".
وتساءل الكاتب: "كيف وصلت إثيوبيا إلى هذا المأزق الملطخ بالدماء؟" قائلاً إن معظم المناطق، بما في ذلك تيغراي وأمهرة وأوروميا، تعد نفسها أمماً مستقلة، لها لغاتها وثقافاتها ونسخها المتنافسة من التاريخ، وأدى نقل السلطة عبر التاريخ إلى تحولات عميقة في ميزان القوى، بين المناطق المكونة للإمبراطورية الإثيوبية.
وتابع: "لقد تمت إطاحة هيلا سيلاسي، الذي أشرف على النظام الإقطاعي، ثم إعدامه بعد بعد انتفاضة قادها الطلاب الماركسيون عام 1974، صحيح أن النظام الذي تبع ذلك (ديرج) فكك نظام الأراضي الإقطاعية، لكنه فرض حملات تطهير سميت "الرعب الأحمر" أدت إلى مجاعات من صُنع الإنسان، وبعد عقود من الهيمنة المتصورة للأمهرة، قاد جيش متمردين من تيغراي عملية إطاحة الديرج عام 1991، واحتفظت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالسلطة حتى عام 2018، رغم أنها تمثل منطقة فيها 6% فقط من سكان إثيوبيا".
يأتي آبي من أوروميا، المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، التي تضم أكثر من ثلث سكان إثيوبيا، لكنها ظلت تقليدياً على الهامش، وجاء انتخابه بعد سنوات من الاحتجاجات ضد النفوذ الضخم لتيغراي على السياسة، إذ أنه ظل يروِّج للوحدة الوطنية، وكان وصوله للسلطة يعد بالديمقراطية الحديثة المحايدة بالنسبة للبعض، أما بالنسبة للبعض الآخر، فإنه كان سيؤدى إلى العودة إلى قمع الحقوق العِرقية، حسب بيلينج.
تهدئة المخاوف
وبحسب الكاتب، فإن آبي أحمد لم يفشل فقط في تهدئة المخاوف، من خروج الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من السلطة، التي ألقى باللوم عليها في أعمال إرهابية، تهدف إلى زعزعة استقرار حكومته، لكنه تجاهل قاعدته من الأورومو، التي كانت تخشى أن يتراجع عن الحكم الذاتي الإقليمي، في سعيه لتحقيق رؤيته الوطنية، وتسبب هذا التصور في كارثة، إذ انضم جيش تحرير أورومو إلى قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وبات من الممكن أن يسيروا معاً الآن للوصول إلى أديس أبابا".
ورأى الكاتب، أن آبي أحمد يجد نفسه الآن محاصراً، مؤكداً أن أي شيء غير النصر سيؤدي إلى نهايته سياسياً، كما أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في وضع مماثل أيضاً.
وفي نهاية المقال، قال بيلينج إن عدم استعادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي السلطة الوطنية، سيدفع هذه الحركة التي يصنفها آبي بأنها "عصابة إجرامية" لمواجهة الحياة في البرية، معتبراً أن المخرج الوحيد المعقول من هذه الأزمة، هو أن يتحدث الطرفان معاً، لكنه قال: "للأسف، يبدو أن هذا هو السيناريو الأقل احتمالاً".