هنا وصلت الحرب اليمنية.. عجز أممي وتقهقر حوثي وحاضر مرهون بإيران
يرى الباحث السياسي عادل الأحمدي أن تجربة الحوثي في اليمن ليس كتجربة حزب الله وإنما تجربة خامنئية خالصة يريدون تكوينها، على غرار الثورة الإيرانية، التي أفرزت نظام الحكم الحالي.

السياق
تواصل قوات الجيش اليمني، مدعومة بقوات التحالف، والمقاومة الشعبية، وقوات "العمالقة" التابعة للمجلس الجنوبي الانتقالي، معارك تحرير مناطق جديدة، وسط انهيارات متواصلة في صفوف ميليشيات الحوثي الانقلابية، بمحافظة البيضاء.
واستطاعت قوات عملية " النجم الثاقب" تحرير عدد من المواقع الاستراتيجية في "المديرية" خلال اشتباكات اليومين الماضيين، وصلت حتى الحدود الإدارية لمديرية البيضاء، عاصمة المحافظة.
وأسفرت تلك المعارك، عن مقتل وإصابة العشرات في صفوف الحوثي، وتدمير آليات ومركبات، واغتنام عدد من الأسلحة والذخائر وعربات مدرعة، وفرار العديد من القيادات الحوثية وذويهم، من البيضاء إلى صنعاء، حسب مصادر محلية.
جاء هذا الانتصار العسكري، بعد دعوة الرياض -مطلع الشهر الجاري- أطراف النزاع إلى الاستجابة العاجلة، ونبذ الخلافات والعمل بـ"الآلية المتوافق عليها"، وتغليب المصلحة العامة، لاستكمال تنفيذ بقية البنود، بهدف توحيد الصف، لمختلف أطياف الشعب اليمني، وحقن الدماء، ورأب الصدع بين مكوناته.
واعترفت جماعة الحوثي بالهزيمة، في خطاباتها الإعلامية، ووفق مراقبين، فإن هذه المرة الأولى، منذ سنوات، التي تتحدَّث فيها الميلشيا المدعومة إيرانياً، بهذه النبرة المستجدية، ما يؤكد أنها مُنيت بهزائم ساحقة.
ثغرة في جدار الصمت العسكري
يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالستار الشميري، أن النصر، الذي تحقَّق في البيضاء، سببه رغبة دولية بوجوب تطهير"المحافظة"، من أي كوادر إرهابية، مع ضرورة أمريكية، وأوروبية، باحتواء الدور الإيراني في اليمن، الذي اعتمدوا فيه منطق التدليل، وليس المواجهة، وهو النهج الذي طالما اعتمدته أوروبا، مراعاة لمصالحها مع طهران، إضافة إلى مهارات قوات العمالقة القتالية، ورغبة القبائل المهجرة في العودة إلى بلادهم.
ويعدِّد الشميري، في حديثه مع "السياق"، المكاسب الاستراتيجية، نتيجة تحرير"البيضاء"، التي استولت عليها ميلشيا الحوثي عام 2015، فهي جغرافياً، تقع بين مناطق الشمال والجنوب اليمني، وتطل على ثماني محافظات، أهمها مأرب، ما يساعد في تضييق الخناق على الحوثي، وقطع خطوط الإمداد عنه، وتقويض تحركاته.
كما أن البيضاء "مخزون بشري" وقوة قتالية، سيكون لها دور بالغ الأهمية، في جبهات القتال المرتقبة -وفق الشميري- الذي أشار أيضاً إلى "المكسب النفسي"، ورفع روح الأمل، واستعادة اليمنيين الثقة بأنفسهم بهذه الانتصارات، التي وصفها بـ"الثغرة في جدار الصمت العسكري"، وبها كُسر حاجز إخفاقات الحكومة الشرعية، التي علِقت في الدفاع عن مأرب، وفيها استنزفت كثيراً من قواها، حسب الشميري.
قوى أممية تحول دون تحرير باقي الأراضي
ويضيف الشميري، أن الوضع الراهن، نقطة تحول في تكتيكات القوات اليمنية، لكن يجب ألا نفرط في التفاؤل، بشأن تحرير باقي الأراضي، إذ توجد عوائق سياسية ودولية، متمثِّلة في "اتفاق استوكهولم"، تمنع القوى اليمنية، من الحرب في مناطق استراتيجية كـ"الحديدة".
وشدَّد الشميري، على أن القوات الشرعية، إذا تجرَّأت، وأسقطت هذا الاتفاق، واتجهت نحو الحديدة، ستسيطر على أهم شريان مائي في اليمن، وبه ستجفِّف منابع السلاح، والصواريخ البالستية، المتدفقة من طهران إلى الحوثي، عبر الزوارق الصومالية.
لكن الانتصار الأخير -بلا شك- سيشعل جبهات القتال، ويحدث انفراجة في جبهة مأرب.
المبادرة عُمانية.. والنتيجة صفر
المتغيرات الحالية في اليمن، تأتي بعد جولات، من الإدانات الأممية، والأمريكية، إلى ميلشيا الحوثي، وسلوك طهران السلبي في هذا الملف، وعرقلة جهود السلام، وفرضت أمريكا عقوبات، على كيانات، وأشخاص، يديرون شبكة من إيران، لبيع النفط، بطريقة غير مشروعة، لتمويل الحوثيين، والحرس الثوري الإيراني، وسبقت هذا التصعيد، زيارة وفد عماني رفيع المستوى، برفقة قيادات حوثية، كانت تقيم في مسقط، إلى صنعاء، في زيارة لم تعلن تفاصيلها، ولا أسبابها ولا نتائجها، رغم مرور أكثر من شهر عليها.
ويقول عادل الأحمدي، مدير مركز نشوان للدراسات والسياسات لـ"السياق" عن المبادرة العُمانية، إنها لم تحقق شيئًا يذكر ولا نتيجة ملموسة، ويرى أن الحوثيين، أحرجوا الُعمانيين في صنعاء، وسبب إقدام مسقط على هذه المبادرة، هي أن تكون "خط رجعة" للحوثي
-حسب وصف الأحمدي- الذي قال: إن أشقاءنا في عُمان، يجب عليهم أن يغُيِّـروا مواقفهم، ففشل هذه الجهود يوضح للجميع، خبث نوايا الحوثي.
وفي الصدد ذاته، أكدت مصادر إعلامية عُمانية مقرَّبة من وفد مسقط، أن الحوثيين رفضوا "المبادرة" وتحايلوا على مافيها من شروط.
ويرى أنس عبدالمؤمن، الصحفي المتخصِّص في الشأن اليمني، أن الوساطة العُمانية، لم تؤثِّر في مساري السِّلم والحرب في اليمن، لأن دورها حيادي سلبي، فمسقط تحتضن قادة حوثيين كبارًا، كما أنها تقدِّم لهم أنواعًا عدة من الدعم.
ويصف عبدالمؤمن، في حديثه لـ"السياق" دوافع زيارة الوفد العُماني إلى صنعاء في 5 يونيو الماضي، بأنها محاولة لتعزيز الدور البريطاني في اليمن، وذلك بدعمها سفير بريطانيا، في اليمن، مايكل آرون، لشغل منصب المبعوث الأممي الخاص، إذ كان أحد أبرز المتنافسين، على هذا المنصب. والسعي أيضًا، لإحداث تقارب، بين الحوثيين وبعض القيادات اليمنية الأخرى، مثل المسؤول البارز في نظام علي عبدالله صالح، أبو بكر القربي، وهو ما اتضح بعد قرار الحوثي، رفع الحجر عن أمواله وممتلكاته، نهاية يونيو الماضي، الإجراء الذي يراه عبدالمؤمن، أحد مخرجات زيارة الوفد العُماني.
أموال القربي تثير الشك الوطني
وفي السياق ذاته، يرى الباحث السياسي، عادل الأحمدي، أن القربي خذل الشعب اليمني، بهذا الاستسلام، رغم مواقفه المشرِّفة، في التصدي لميلشيا الحوثي، لكن الغلبة كانت للمصلحة الاقتصادية، فهناك أيضاً العديد من المسؤولين السابقين، لهم استثمارات في صنعاء، وهم "مقيدون من بطونهم" بسببها، على حد وصفه.
ورجَّح الأحمدي، أن يكون الغرض من هذا "القرار" إثارة الشك الوطني، داخل المكونات اليمنية، وأشار إلى أنه من المتوقَّع أن يفك الحوثيون تجميد أموال آخرين، للهدف ذاته.
اليمن في حاجة إلى مجلس الأمن لا الأمم المتحدة
بعد أسابيع من المبادرة العُمانية، عُيِّن مبعوث أممي جديد، السويدي هانس جروندبرج، وهو ذاته المبعوث الأوروبي الأخير لدى اليمن، خلفاً للبريطاني مارتن غريفيث، الذي رآه محللون، انعكاسًا لإخفاق الجهود البريطانية والأمريكية، في إدارة الملف اليمني، وتولي الاتحاد الأوروبي المهمة.
ويؤكد الباحث اليمني، عبدالستار الشميري، لـ "السياق" أنه لا يمكن التعويل على المبعوث الأممي الرابع، فلن يحدث خرق على الصعيدين العسكري أو السياسي، فبطبيعة الحال، تلعب الأمم المتحدة، دورًا هامشيًا إنسانيًا، والأزمة في اليمن تحتاج إلى تدخل مجلس الأمن، لا الأمم المتحدة، وفق رؤية الشميري، الذي أشار إلى أن الدول الكبار المسيطرة على المجلس، كل له رؤيته الخاصة للملف اليمني، بما يتماشى مع مصالحه، ورؤيته لإيران، أو منفعته الاقتصادية في اليمن "مابعد الحرب".
واستطرد الشميري، أن دور المبعوث الأممي الجديد، سيقتصر على تحسين جودة العمل الإنساني، وتحقيق خطوات في ملفات الأسرى، والمفقودين، ومن الممكن أن نشهد أول خطوات المبعوث هانس جروندبرج في حل أزمة "خزان صافر" على اعتبار أنه كان الاتفاق الأممي الأخير مع الحوثي، بالسماح بترميم ناقلة النفط، والإبقاء عليها بحمولتها.
التجربة الخامنئية
واستبعد الباحث السياسي، عادل الأحمدي، في حديثه مع "السياق"، احتمال حدوث انفراجة يمنية، تزامنًا مع مباحثات فيينا، الجارية حاليًا مع إيران، والقوى الغربية، بهدف عودة طهران، إلى الامتثال للاتفاق النووي 2015.
وأضاف الأحمدي: من المؤسف أن يكون اليمن رهينة إيرانية، وشدَّد على أن أي تنازلات، قد تظهرها إيران، أو ميليشيا الحوثي، ستكون صورية، ويجب عدم الوثوق فيها، إذ يرى أن مشروع طهران، في العراق، وسوريا، ولبنان، يختلف عن اليمن، فالحوثي ليس كتجربة "حزب الله " وإنما تجربة "خامنئية" خالصة يريدون تكوينها، على غرار الثورة الإيرانية، التي أفرزت نظام الحكم الحالي.