فورين أفيرز: هل تدعم أمريكا الديمقراطية حقًا؟

منذ توليه السلطة، رسم الرئيس الأمريكي جو بايدن، صورة لعالم منقسم بشكل أساسي، بين الديمقراطية والاستبداد، موضحاً أن أجندته الداخلية والخارجية، تضع بلاده في وضع جيد، لكسب ما سماه "الصراع التاريخي بين معسكري الديمقراطية والاستبداد".

فورين أفيرز: هل تدعم أمريكا الديمقراطية حقًا؟

ترجمات - السياق

منذ توليه السلطة، رسم الرئيس الأمريكي جو بايدن، صورة لعالم منقسم بشكل أساسي، بين الديمقراطية والاستبداد، موضحاً أن أجندته الداخلية والخارجية، تضع بلاده في وضع جيد، لكسب ما سماه "الصراع التاريخي بين معسكري الديمقراطية والاستبداد".

وقال جيك ويرنر، الباحث في مركز سياسة التنمية العالمية، في جامعة بوسطن، في مقال نشرته "فورين أفيرز"، إن تركيز إدارة بايدن، على الصدام بين الاستبداد والديمقراطية، يخفي انقسامًا أعمق في الجغرافيا السياسية، وهو الصراع بين الأغنياء والفقراء، إذ تؤكد الولايات المتحدة، أنها تقود الديمقراطيات في العالم، لكنها في الواقع تقف ضد معظم الديمقراطيات، في العديد من القضايا العالمية الأكثر أهمية.

 

تقويض الديمقراطيات

من جائحة كورونا، إلى قواعد التجارة العالمية، وملف التغيُّـر المناخي، تعمل السياسة الخارجية للولايات المتحدة -باسم الديمقراطية– على تقويض أولويات معظم الديمقراطيات في العالم، حسب كاتب المقال.

وأوضح الكاتب، أن الدول الغنية والفقيرة تتشارك مشكلات عدة، أبرزها: تردي الخدمات، وظروف العمال، وتفكك الشعور بالانتماء الجماعي، في توفير المادة الخام للقومية، والعنصرية والاستبداد في الأنظمة الديمقراطية، غنية كانت أم فقيرة.

وأكد الكاتب أن الإدارة الأمريكية الحالية، تتفهم ذلك جيداً، مشيرًا إلى خطاب سابق للرئيس الأمريكي قال فيه: «الناس يفقدون الثقة في الديمقراطية لأنها لا تلبي احتياجاتهم»، بينما على المستوى الداخلي، يدرك بايدن أن توفير قدر أكبر من القوة لبلاده، والأمن الوظيفي للعمالة، وتعبئة الناس لمواجهة أزمة المناخ، هي عوامل حاسمة للتصدي للسياسات غير الليبرالية، وإحياء الديمقراطية في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، تعاني سياسة بايدن الخارجية انفصامًا غريبًا، وبدلاً من اتباع إدارته استراتيجية عالمية لإحياء الإيمان بالديمقراطية، يركز بايدن على منافسة الصين، كما لو أن الناس خارج الولايات المتحدة، يقدِّرون الديمقراطية، لا لأنها تمكّنهم من الحريات، لكن لأنها مرادفة لقوة الولايات المتحدة.

كما يرى بايدن، أنه من أجل تحقيق الديمقراطية، يجب على الأمريكيين "تطوير منتجات وتقنيات المستقبل والسيطرة عليها"، وهو أمر قد يساعد المستثمرين الأمريكيين، لكنه لا يمثِّل رؤية لاقتصاد عالمي، تستطيع من خلاله كل الديمقراطيات، تحقيق ما تصبو إليه لشعوبها.

وأشار الكاتب، إلى مقاربة أخرى مختلفة، بإمكانها عكس المد العالمي المناهض للديمقراطية، من خلال فتح فرص جديدة للناس، في جميع أنحاء العالم، وهي مقاربة تتطلَّب إطارًا نظرياً أفضل لفهم صراعات اليوم، بدل الرؤية قصيرة النظر، التي تضع الديمقراطية الليبرالية، في مواجهة الآخر الاستبدادي.

ديمقراطيات غير مرئية

يبدو الادعاء، بأن الولايات المتحدة على خلاف مع معظم الديمقراطيات، متناقضًا، لكن ذلك لأن القادة ووسائل الإعلام الأمريكية، غالبًا ما يخلطون بين "ديمقراطيات العالم" وعدد قليل من الدول الغنية، بما في ذلك القوى الاستعمارية السابقة في أوروبا واليابان والدول التي بدأت كمستعمرات مثل أستراليا وكندا، بحسب الكاتب.

وأضاف الكاتب، أن مقالًا نُشر عام 2020 في "نيويورك تايمز" تناول نتائج استطلاع رأي، أجراه مركز بيو للأبحاث، يشير إلى أن عدم الثقة في الصين، يقفز إلى مستويات عالية جديدة في الدول الديمقراطية.

ومع ذلك، لم يكن الاستطلاع عن "الدول الديمقراطية"، يشمل معظم أكبر الديمقراطيات في العالم، مثل البرازيل والهند وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا، كما لم يتضمن العديد من الديمقراطيات الأصغر مثل بوتسوانا وغينيا وسريلانكا.

ووفقاً للكاتب، فإن البلدان النامية الديمقراطية، ثلاثة أضعاف عدد الديمقراطيات الغنية، إذ تضم "أنظمة هجينة" شِبه ديمقراطية، مثل تلك الموجودة في بنغلاديش ونيجيريا.

ومع ذلك لا تزال ديمقراطيات فقيرة في العالم، هامشية إلى حد كبير، بالنسبة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة.

وأشار الكاتب، إلى أن الديمقراطيات الغنية تمثل نحو 15 في المئة من سكان العالم، لكنها تتمتع بـ 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا للقوة الشرائية، وتبلغ ميزانياتها العسكرية، ما يقرب من ثلثي الإنفاق الحربي في العالم.

وقال إن السياسة الأمريكية الخارجية، الهادفة إلى تجديد الديمقراطية ودعمها، ستفشل إذا كانت قائمة فقط على تفضيل الدول الغنية، وأضاف أن "اقتصار الصراع في العالم، على أنه بين الديمقراطيين والسُّلطويين، إخفاء للظلم الاجتماعي والاقتصادي، بين دول العالم المنقسمة بين الثرية والغنية، بل ويسير في اتجاه محدَّد سلفًا، لخدمة دول بعينها، بعيدًا عن الديمقراطية".