كيف مزق آبي أحمد إثيوبيا؟
بعد مرور عام، أصبحت الحرب التي شنها آبي أحمد، تهدد بقاءه السياسي وبقاء إثيوبيا.

ترجمات - السياق
قالت صحيفة واشنطن بوست، إن قوات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لم تخسر الحرب، التي شنها قبل عام على جبهة تحرير تيغراي، رغم أن الصراع يبدو أنه يخرج عن نطاق السيطرة مع توحيد 9 فصائل إثيوبية في تحالف سياسي ضد الحكومة.
وأضاف كريستوفر رودس المحاضر بجامعة هارفارد، في تحليل للصحيفة، أنه حتى لو نجح المقاتلون الموالون لآبي أحمد في تحقيق انتصار عسكري على جبهة تحرير شعب تيغراي، فقد خسر رئيس وزراء إثيوبيا إلى الأبد صورته كمنقذ وصانع للسلام.
علاقات عامة
وواصل رودس، انتقاده لرئيس الوزراء الإثيوبي، قائلًا: إنه خلال أيام من إطلاق عملية عسكرية، لإزاحة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من السلطة في نوفمبر من العام الماضي، كان آبي أحمد يخسر حرب العلاقات العامة، مشيرًا إلى أن استراتيجيته لفرض التعتيم على الاتصالات والإعلام، لفتت انتباه المجتمع الدولي، مضيفًا: "بما أن المعلومات تسرَّبت لا محالة من تيغراي، فقد تأكدت أسوأ الشكوك في أفعال قواته الإجرامية التي يرفضها المجتمع الدولي".
كانت منظمة العفو الدولية، أكدت بعد أيام من بدء الصراع، التقارير التي نُشرت عن المذابح وعمليات الاغتصاب الجماعي، وتوضح "واشنطن بوست"، أن هذه التقارير استمر توثيقها في الأشهر التي انقضت منذ بدء القتال.
وأوضح الكاتب، أن هذه الفظائع ارتكبت من قِبل القوات الإثيوبية والجنود من إريتريا المجاورة، مشيرًا إلى أن هذه الأفعال قوَّضت الثقة الدولية في قيادة آبي أحمد، لإنكاره وجود القوات الإريترية قبل الاعتراف بأن القوات الأجنبية تقاتل نيابة عنه في تيغراي.
وأشار رودس، إلى أن إعلان النصر الذي أصدره آبي أحمد في نوفمبر 2020، بعد أسابيع فقط من بدء الصراع، أصبح مثيرًا للسخرية، خصوصًا مع تقدم قوات جبهة تحرير تيغراي نحو العاصمة أديس أبابا.
حشد المواطنين
في محاولة لمواجهة هجوم تيغراي المحتمل على العاصمة، دعا آبي أحمد المواطنين إلى حمل السلاح و"دفن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، وفقًا للكاتب.
مشيرًا إلى أن مثل هذه الدعوات ميئوس منها وخطيرة على حد سواء (حتى إن فيسبوك أزال منشور رئيس الوزراء باعتباره تحريضًا على العنف).
وقال رودس، إن آبي أحمد استغرق أقل من عامين للفوز بجائزة نوبل للسلام، واستغرق وقتًا أقل لينتقل من حائز جائزة نوبل إلى زعيم محاصَر ومنبوذ دوليًا.
واستغرب الكاتب عدم حُسن إدارة آبي أحمد للصراع العسكري والعلاقات العامة، ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، خصوصًا بالنسبة لرجل بنى حياته المهنية باستخدام الأسلحة والمعلومات.
وأشار إلى أن آبي أحمد بدأ كرجل عسكري، بعد أن قاتل عندما كان مراهقًا في التمرد الذي أطاح نظام الدرج العسكري الشيوعي عام 1991، موضحًا أنه من هناك، شق طريقه في رتب الجيش الإثيوبي، وفي الوقت ذاته لعب دورًا كبيرًا في تأسيس وكالة أمن شبكة المعلومات، المكلفة بالتجسس ضد المعارضين والصحفيين.
ولفت إلى أنه بمجرد انتقاله من القوات المسلحة إلى السياسة، كان آبي أحمد تكتيكيًا بالقدر نفسه في إدارة المعلومات المتعلقة بحياته، فعند وصوله إلى السلطة وسط احتجاجات مقيدة من أكبر مجموعتين عِرقيتين، الأورومو والأمهرة، لعب آبي أحمد دورًا في تكريس إرثه العِرقي، إذ إنه أول رئيس وزراء من الأورومو المهمشين تاريخيًا، ومتزوجًا بامرأة من أمهرة.
ولتكريس سلطته، زار آبي أحمد، المغتربين الإثيوبيين، والتقى الجماهير الذين رأوه منقذ البلاد، وعمد إلى نشر رسالة سلام ووحدة تحمل شعارًا بليغًا: "Medemer" ، وهي كلمة أمهرية تعني "الوحدة" أو "معاً".
ويضيف الكاتب: رغم كل ذلك، لم ينجح آبي أحمد في القضاء على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بل عمد إلى إلقاء اللوم في المشكلات السياسية التي تحيط بالبلاد، على جبهة تحرير تيغراي وعلى أهالي تيغراي، ما أدى إلى تطهير أفراد الأقلية العِرقية الصغيرة، التي كانت تشغل معظم المناصب السياسية والعسكرية العليا في البلاد.
وتابع الكاتب: "حتى أنه عندما أعلن الوحدة للمجتمع الدولي، أشار آبي أحمد في التجمعات المحلية ووسائل الإعلام الإثيوبية ضد "الضباع النهارية"، التي فسَّرها كثيرون على أنها افتراء ضد التيغرايين.
تيغراي تتوحد
أمام ذلك -يضيف رودس- أعادت قوات تيغراي تجميع صفوفها في الجبال الشمالية، قبل شن هجوم مضاد ناجح هذا الصيف، معتمدة في ذلك على تاريخ جبهة تحرير تيغراي، كمجموعة متمردة مسلحة قادرة على مواصلة الصراع، إضافة إلى التدريب العسكري والأسلحة التي جمعها قياديي تيغراي خلال عقود في السلطة.
وأشار الكاتب إلى نجاح مناشدة قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وسائلَ الإعلام الدولية، وتصوير أنفسهم على أنهم مقاتلون مضطهدون من أجل الحرية في مقابلات استراتيجية مع منافذ إعلامية مثل "بي بي سي" و"نيويورك تايمز".
ورغم ذلك -حسب الكاتب- بدأت وسائل الإعلام الدولية تسليط الضوء على الفظائع التي ارتكبتها قوات تيغراي، وهذا ليس مفاجئًا بالنظر إلى التاريخ الطويل للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كحزب استبدادي حاكم في إثيوبيا قبل صعود آبي أحمد، لكن هذه التقارير لا تزال تدين قوات آبي أحمد وحلفاء إريتريا، باعتبارهم أسوأ الجناة في الصراع.
وختم ردوس تحليله: حتى لو تضاءل التعاطف مع الجبهة، من غير المرجَّح أن يترجم ذلك إلى دعم لآبي أحمد، الذي أظهر نفسه على أنه زعيم ضعيف وطموح للغاية في أحسن الأحوال.
وأشار إلى أن صعود آبي أحمد الصاروخي في إثيوبيا والثناء المفرط عليه من المجتمع الدولي، أديا إلى غطرسة أثبتت أنها كارثية لآبي أحمد وإثيوبيا ككل، لافتًا إلى أنه بعد مرور عام، أصبحت الحرب التي شنها آبي أحمد، تهدد بقاءه السياسي وبقاء إثيوبيا.