سقوط فيسبوك وإنستغرام وواتساب.. ليلة تحول فيها العالم إلى أوف لاين
رغم عودة العمل، فإن شركة فيسبوك ستعيش واحدة من أسوأ أزماتها، عقب الانقطاع الطويل عن الخدمة لكل منصاتها عبر الإنترنت، في مشكلة ستضاف إلى قضية تسريب وثائقها الداخلية للصحافة.

السياق
ساعات مرت كالدهر، على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بعد توقف الخدمة عن «فيسبوك» و«واتس آب» و«إنستغرام»، مساء الاثنين، في ما بات يعرف بـ«ليلة سقوط فيسبوك»، التي تحوَّل فيها العالم إلى «أوف لاين».
تلك الليلة، انتهت بعودة مواقع التواصل الاجتماعي إلى العمل، بعد تقديم «فيسبوك» اعتذارًا عن توقف الخدمة عن مستخدميه ساعات عدة.
ورغم عودة العمل، فإن شركة فيسبوك ستعيش واحدة من أسوأ أزماتها، عقب الانقطاع الطويل عن الخدمة لكل منصاتها عبر الإنترنت، في مشكلة ستضاف إلى قضية تسريب وثائقها الداخلية للصحافة.
لكن ماذا حدث؟
باختصار، توقفت أنظمة «فيسبوك» عن التحدث إلى الإنترنت الأوسع، بينما قالت شركة «Cloudflare» للبنية التحتية، إن الأمر كان كما لو أن «شخصًا ما سحب الكابلات من مراكز البيانات الخاصة به مرة واحدة، وفصلها عن الإنترنت».
ذلك التفسير، كان لشركة «فيسبوك» رؤية أكثر تقنية عنه، قائلة، إن «تغييرات التكوين على أجهزة التوجيه الأساسية، التي تنسِّق حركة مرور الشبكة، بين مراكز البيانات لدينا، تسبَّبت في مشكلات أدت إلى قطع هذا الاتصال، ما كان له تأثير متتال... فتوقف خدماتنا».
التفسير
ينقسم الإنترنت إلى مئات الآلاف من الشبكات، بينما تمتلك الشركات الكبيرة مثل «فيسبوك» شبكاتها الخاصة الأكبر، المعروفة باسم الأنظمة المستقلة.
وعندما يريد المستخدم زيارة «فيسبوك» أو «إنستغرام» أو «واتس آب»، يجب أن يتصل جهاز الكمبيوتر الخاص به بشبكتهم، باستخدام بروتوكول بوابة الحدود (BGP)، وهو نوع من الخدمات البريدية للإنترنت.
وبحسب «بي بي سي»، فإنه من أجل توجيه الأشخاص إلى مواقع الويب، التي يرغبون في زيارتها، تبحث «BGP» في جميع المسارات المتاحة، التي يمكن أن تنتقل إليها البيانات وتختار أفضل طريق.
إلا أن «فيسبوك» توقف فجأة الاثنين، عن توفير المعلومات التي يحتاجها النظام ليعمل، ما يعني أنه لا يوجد لدى أجهزة الكمبيوتر الخاصة بأي شخص، أي طريقة للاتصال بـ«فيسبوك» أو «إنستغرام» أو «واتساب».
كيف سُمح لذلك بأن يحدث؟
بدأت موجة من التقارير نحو الرابعة و45 دقيقة عصر الاثنين، بالتوقيت الصيفي البريطاني، تفيد بأن «فيسبوك» أو «إنستغرام» أو «واتس آب» لا يعمل.
الأمر في البداية، تسبَّب في النكات المعتادة عن كيفية تعامل الناس، والسخرية من المنافسين مثل «تويتر»، لكن سرعان ما أصبح واضحًا أن هذه كانت مشكلة أكثر خطورة، مع تقارير عن حدوث فوضى في مقر «فيسبوك» في كاليفورنيا.
وإلى ذلك تقول شيرا فرنكل، مراسلة التكنولوجيا لصحيفة نيويورك تايمز، إن الأمر استغرق وقتًا طويلاً لإصلاحه، لأن «الذين يحاولون معرفة ماهية هذه المشكلة، لم يتمكنوا حتى من دخول المبنى، للتعامل مع الخطأ الذي حدث»، مشيرة إلى أن العطل أدى إلى زيادة هائلة في حركة المرور للمواقع والخدمات الأخرى، حيث ناقش الناس المشكلة أو بحثوا عن منصات وسائط اجتماعية بديلة.
وأشارت إلى أنه لم يعرف حتى الآن، ما إذا كانت المشكلة ناتجة عن خطأ برمجي أو خطأ بشري بسيط، إلا أنه مع ذلك، فإن نظريات المؤامرة يتم تداولها، بينها تلاعب متعمَّد من داخل شركة فيسبوك.
رد فِعل "فيسبوك"
كان على مؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرج، بشكل محرج إلى حد ما، اللجوء إلى «تويتر» المنافسة للاعتذار.
وبعد خروج منصاتها عن الخدمة سبع ساعات، غرَّدت فيسبوك، ليل الاثنين، قائلة: «الأشخاص والشركات في جميع أنحاء العالم، يعتمدون علينا للبقاء على اتصال ببعضهم(..) نتقدَّم بالاعتذار لأولئك الذين تأثروا بانقطاع خدمات فيسبوك والمنصات التابعة لها، الذين يحتمل أن يكون عددهم -وفقًا لخبراء في مجال الأمن الإلكتروني- مليارات الأشخاص».
وأوضحت "فيسبوك" -في بيان- أن العطل سببه «تغيير خاطئ في إعدادات الخوادم» التي تربط من خلال الإنترنت هذه المنصات بمستخدميها، مشيرة إلى أن «العطل الفني تسبَّب بسلسلة من المشكلات أثرت في أدوات وأنظمة كثيرة، نستخدمها داخليًا بشكل يومي، ما عرقل جهودنا لتشخيص المشكلة وحلها».
ويقول المحلل مايك برولكس، إن الحادث يثير تساؤلات عن الطريقة التي جمعت بها «فيسبوك» الكثير من عملياتها الفنية في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن هناك أيضًا اقتراحات بأن هذا الانقطاع -إلى جانب الأحداث المماثلة في السنوات الأخيرة- يوضح مشكلة تركز الكثير من الاتصالات في العالم، بين عدد قليل من الشركات العالمية الكبرى.
وبينما كان عدم الوصول إلى خدمة «فيسبوك» مجرد إزعاج للكثيرين، إلا أنه كان كارثة بالنسبة للشركات الصغيرة في العالم النامي.
فبالنسبة للآخرين، كان يعني ذلك تعتيمًا على الاتصالات لأن «فيسبوك» أو «إنستغرام» أو «واتس آب»، هي المنصات الوحيدة التي يستخدمها الكثيرون للأخبار والتحدث إلى الأقارب والأصدقاء.
كم خسر «فيسبوك»؟
ربما تكون أكبر مشكلة لـ«فيسبوك» نفسها، هي التأثير الذي أحدثه في إيراداته وسعر سهمه، فلم يتم عرض الإعلانات أكثر من ست ساعات عبر الأنظمة الأساسية.
وفقًا للبعض، كلف انقطاع الخدمة شركة «فيسبوك» أكثر من 6 مليارات دولار (4.4 مليار جنيه إسترليني)، مع انخفاض أسهمها 5% تقريبًا.
ويستمر الأسبوع السيئ بالنسبة لـ«فيسبوك» اليوم، عندما يتخذ المُبلغ عن المخالفات، المسؤول عن تسريب العديد من الوثائق الداخلية، موقفًا في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي.
يأتي ذلك، قبل ساعات من مثول موظفة سابقة في شركة «فيسبوك» أمام لجنة برلمانية لمناقشة التأثير المضر لمنصات فيسبوك على المجتمع.
واتهمت المهندسة فرانسيس هوغن، الموظفة السابقة في الشركة، عملاق التواصل الاجتماعي باختيار "الربح المادي على سلامة مستخدميها" في مقابلة بثتها محطة «سي بي إس» الأمريكية.
وبحسب تقرير لقناة «الحرة»، فإن لدى السُّلطات الأمريكية حججًا كثيرة لشن حملة على «فيسبوك» خصوصًا بعد تسريب تلك الوثائق الداخلية لصحيفة «وول ستريت» التي نشرت على ضوئها سلسلة من التحقيقات عن الآثار الضارة على المجتمع، بما في ذلك المشكلات النفسية للمراهقات.
وأظهر التحقيق أن 32% من المراهقات، شعرن بأن استخدام إنستغرام منحهن صورة أكثر سلبية عن جسدهن، اللائي لم يكنّ راضيات أصلًا عنه، وأكدت المهندسة السابقة في «فيسبوك» أن شبكة التواصل الاجتماعي هذه مدركة جيدًا لهذا الانحراف.
وستحث هوغن التي استقالت في أبريل الماضي، بعد أن تم تعيينها مديرة للمساعدة في الحماية من التدخل بالانتخابات على فيسبوك، البرلمانيين على وضع ضوابط لـ "فيسبوك" وهو أمر يعد به كثيرون منهم.
وقالت هوغن إنها تصرفت لأنها شعرت بالإحباط، بسبب ما اعتبرته افتقار "فيسبوك" إلى الانفتاح بشأن إمكانية تعرُّض المنصات للضرر، وعدم رغبتها في معالجة عيوبها.
وسعت الموظفة السابقة إلى الحصول على الحماية الفيدرالية للمبلغين عن المخالفات، في لجنة الأوراق المالية والبورصات، وهي مهتمة أيضًا بالتعاون مع المدعين العامين للدولة والمنظمين الأوروبيين.
كانت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، قالت، تعليقًا على التسريبات: إن الإدارة تنظر إلى التسريبات باعتبارها أحدث حلقة توضح أن «التنظيم الذاتي» داخل شركات التواصل الاجتماعي الضخمة «لا يعمل».
وقال موقع «داون ديتيكتور» المتخصص برصد أعطال الخدمات الرقمية، إن العطل الذي أصاب "فيسبوك" وتطبيقاته «أكبر انقطاع شهدناه حتى الآن، فقد طال مليارات المستخدمين».
إحصاءات رسمية
بحسب تقديرات شركة البيانات «سيسور تاور، فإن 2.76 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، استخدموا منتجًا واحدًا على الأقل من «فيسبوك» يوميًا خلال يونيو، بينما حظي "واتس آب" الذي اشتراه "فيسبوك" عام 2014، بما يقرب من 6 مليارات عملية تحميل منذ بداية هذا العام.
وتقول «نيويورك تايمز»، إن العديد من الناس اكتشفوا أن فيسبوك وتطبيقاته أصبح في كل جوانب حياتهم تقريبًا، مشيرة إلى أن تلك التطبيقات، أكثر من مجرد أدوات يدوية للدردشة ومشاركة الصور، بل إنها منصات مهمة لممارسة الأعمال التجارية، وترتيب الرعاية الطبية، وإجراء دروس افتراضية، وتنفيذ الحملات السياسية، والاستجابة لحالات الطوارئ، وغير ذلك الكثير.