نعيش كسجناء.. رسالة من طياري أفغان تكشف أوضاعاً مأساوية

لم يُسمح لهم بمغادرة المنشأة، وصودرت معظم الهواتف المحمولة، ويعيشون على حصص غذائية ضئيلة، ولا يتلقون سوى الرعاية الطبية الأساسية.

نعيش كسجناء.. رسالة من طياري أفغان تكشف أوضاعاً مأساوية
طائرة إجلاء أمريكية

ترجمات - السياق

«نحن نعيش كسجناء»، رسالة من طياري أفغانستان، الذين فروا في عشرات الطائرات العسكرية إلى طاجيكستان وأوزبكستان، أملًا أن ينقذهم شركاؤهم العسكريون الأمريكيون.

فبعد أن كانوا يحلقون في السماء، ويجوبون بقاع الأرض، أصبحوا سجناء في أفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان، يرقبون الساعة تلو الأخرى، خوفًا من بطش حركة طالبان، وطمعًا في إجلائهم من قِبل القوات الأمريكية.

صحيفة نيويورك تايمز سلَّطت في تقرير، الضوء على أوضاع هؤلاء الطيارين الأفغان، قائلة، إن الذين قاتلوا جنباً إلى جنب مع الأمريكيين، يشعرون الآن بأنهم منسيون، متسائلة: لماذا لا تهتم الولايات المتحدة بهؤلاء الذين قاتلوا إلى جانبها؟

وتقول الصحيفة الأمريكية: عندما كانت كابل تسقط في أيدي طالبان في أغسطس الماضي، نقل طيار شاب في سلاح الجو الأفغاني -لم تكشف هويته- مروحيته PC-12 من أفغانستان إلى طاجيكستان المجاورة للفرار، حاله كحال الضباط الأفغان الآخرين، الذين فروا في عشرات الطائرات العسكرية إلى طاجيكستان وأوزبكستان، على أمل أن ينقذهم شركاؤهم العسكريون الأمريكيون.

والطيار الملازم من بين 143 طيارًا أفغانيًا تحتجزهم السلطات الطاجيكية، بحسب «نيويورك تايمز»، التي تقول إنهم متحدثون باللغة الإنجليزية وتم تدريبهم من قِبل القوات الجوية الأمريكية، ويعتمدون على الحكومة الأمريكية أو الجيش الأمريكي لإجلائهم، وكذلك للمساعدة في إجلاء عائلاتهم من أفغانستان.

ويختبئ آلاف الطيارين وأفراد القوات الجوية الأفغانية في أفغانستان، حيث يشعرون بأن الجيش الأمريكي -حليفهم القتالي-تخلى عنهم، قائلين إنهم وعائلاتهم معرضون لخطر المطاردة والقتل من طالبان.

من جانبه، قال نقيب في القوات الجوية الأفغانية، كان يقود طائرات سي -208، من منزل آمن في كابل عبر الهاتف: «لقد وقفت كتفًا بكتف مع حلفائي الأمريكيين خمس سنوات (..) لكنهم الآن نسونا».

أمريكا نسيتنا

وقال العديد من الطيارين الآخرين، الذين تحدثوا عبر الهاتف من أفغانستان، إنهم لم يسمعوا شيئًا من الحكومة الأمريكية، لكنهم قالوا إنهم تلقوا المساعدة من مستشاريهم العسكريين السابقين، وكثيرون منهم متطوعون في مجموعة تسمى عملية الوعد المقدس، التي تشكلت للمساعدة في نقل أفراد القوات الجوية الأفغانية إلى بر الأمان.

من جانبه، قال الجنرال ديفيد هيكس، الضابط المتقاعد بالقوات الجوية، الرئيس التنفيذي لعملية الوعد المقدس، إن المجموعة التي تشكلت في أغسطس الماضي، تلقت رسائل «يائسة» من الطيارين الذين تقطعت بهم السبل، يسألون عما إذا كانت الحكومة الأمريكية لديها خطة لإيصالهم إلى بر الأمان.

وقال الجنرال هيكس، الذي قاد مهمة تدريب القوات الجوية، التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان: «اكتشفنا أنه لا توجد خطة من الولايات المتحدة لفعل أي شيء لإخراج هؤلاء الأشخاص (..) لقد أنفقت الولايات المتحدة الملايين على هؤلاء المتعلمين تعليماً عالياً وذوي الدوافع العالية، بناءً على ما فعلوه في قتال طالبان، نعتقد أنهم يستحقون الأولوية».

ولم يقدِّم المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أي جدول زمني لنقل الطيارين الأفغان، لكنه قال: «نحن على اتصال منتظم بحكومة طاجيكستان، وجزء من هذه الاتصالات يشمل التنسيق استجابة لطياري القوات الجوية الأفغانية».

وقال المتحدث: «الولايات المتحدة تحققت من هويات ما يقرب من 150 أفغانيًا، بعد أن تمكنت من الوصول إلى المجموعة الأخيرة منتصف أكتوبر الماضي».

89 مليار دولار

وتقول «نيويورك تايمز»، إن الولايات المتحدة أنفقت 89 مليار دولار على تدريب وتجهيز قوات الدفاع والأمن الأفغانية، بما في ذلك القوات الجوية الأفغانية وجناح المهام الخاصة، مؤكدة أنها دربت العديد من الطيارين في الولايات المتحدة.

وتم إجلاء بعض الطيارين وأفراد الطاقم وعائلاتهم، بمساعدة الحكومة الأمريكية والجيش، بعد سيطرة طالبان مباشرة، لكن الكثيرين لم يتمكنوا من الخروج، رغم محاولات مستشاريهم السابقين مساعدتهم.

الجنرال هيكس قال إنه منذ منتصف أغسطس الماضي، ساعدت عملية الوعد المقدس في إجلاء نحو 350 أفغانياً، مشيرًا إلى أن المجموعة فحصت ألفين من أفراد القوات الجوية الأفغانية وأقاربهم، الذين يحاولون مغادرة البلاد، بينما لا يزال هناك 8 آلاف يخضعون للفحص.

مكالمات مذعورة

وقالت اللفتنانت كولونيل صفية فيروزي، قائدة سرب سلاح الجو الأفغاني التي تم إجلاؤها إلى الولايات المتحدة مع زوجها -وهو طيار أيضًا- وابنتها، إنها تلقت مكالمات ونصوصًا مذعورة من طيارين أفغان، في أفغانستان وطاجيكستان.

وأضافت الكولونيل فروزي في مقابلة هاتفية، مع «نيويورك تايمز»: قاتلوا جنباً إلى جنب مع الأمريكيين (..) الآن يشعرون بأنهم منسيون، لماذا لا تهتم الولايات المتحدة بهؤلاء الذين قاتلوا إلى جانبها؟».

وفي سبتمبر الماضي، تم إجلاء مجموعة من الطيارين الأفغان وأفراد الطاقم من أوزبكستان، بمساعدة الحكومة الأمريكية وعملية الوعد المقدس، بعد أن احتجزتهم السلطات الأوزبكية.

لكن مجموعة أخرى من 143 من أفراد القوات الجوية الأفغانية، لا تزال رهن الاحتجاز في مصحة بالقرب من العاصمة الطاجيكية دوشانبي، قالوا إنهم يزدادون يأسًا، رغم أن مسؤولي السفارة الأمريكية في دوشانبي، وصلوا مؤخرًا لتسجيل بياناتهم البيومترية كجزء من محاولة لإجلائهم.

معنويات منخفضة

وقال رائد بالقوات الجوية الأفغانية، طار بطائرة عسكرية من طراز C-208 إلى طاجيكستان: «المعنويات بين زملائنا هنا منخفضة للغاية (..) نحن في وضع غير معروف، ولا نعرف ماذا يحدث بجانبنا»

وتحدث الرائد والعديد من الطيارين الآخرين على رسائل «واتس آب» الصوتية المسجلة على الهواتف المحمولة المهربة المخفية عن الحراس، قائلين، إنهم لم يُسمح لهم بمغادرة المنشأة، وصودرت معظم الهواتف المحمولة، مشيرين إلى أنهم يعيشون على حصص غذائية ضئيلة، ولا يتلقون سوى الرعاية الطبية الأساسية.

وقال الطيارون الآخرون، إن الكثيرين لم يكونوا على اتصال بعائلاتهم في أفغانستان، وبعضهم لا يعرف ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة.

وقال رائد، الذي قاد العديد من المهام القتالية: «نشعر بأننا مهجورون، لكن لا يزال لدينا أمل بأن تساعدنا الولايات المتحدة».

ولم ترد سفارة طاجيكستان في واشنطن على الفور على رسائل البريد الإلكتروني التي تطلب التعليق، ومن المحتجزين في طاجيكستان طيارة أفغانية حامل، قالت إنها بحاجة إلى رعاية ما قبل الولادة، بينما كان زوجها طيارًا محتجزًا معها.

وقالت في رسالة صوتية أواخر الشهر الماضي: «نحن نعيش كسجناء (..) لقد سئمنا، نحن نشعر بالضعف، أود أن أطلب من الحكومة الأمريكية التعجيل بوضعنا هنا».

وخلال انهيار أفغانستان، نُقل نحو 25% من طائرات القوات الجوية الأفغانية إلى طاجيكستان وأوزبكستان، وفقًا لتقرير صدر في 31 أكتوبر عن المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان.

وقدَّر الجنرال هيكس الرقم من 56 إلى 60 طائرة (جعلت القوات الأمريكية 80 آخرين غير صالحين للاستخدام في مطار كابل أواخر أغسطس الماضي).

وحالة الطائرات غير مؤكدة، وعندما سئل منتصف أغسطس، عما فعله لاستعادة الطائرة، أجاب وزير الدفاع لويد جيه أوستن الثالث: «نحن نركز على المطار ونخرج الناس بأمان».

وتحدث العديد من طياري القوات الجوية الأفغانية من أفغانستان، قائلين إنهم انتقلوا من منزل إلى آخر، لتجنُّب أسر طالبان، مشيرين إلى أن أموالهم كانت تنفد ولم يجرؤوا على البحث عن عمل، لأنهم يخشون أن يكتشفهم مسؤولو طالبان.

طالبان تتدخل

وقال رائد في سلاح الجو الأفغاني، حلَّق بطائرات سي -208 ثماني سنوات، إن طالبان تصدت لأقاربه، وطالبت بمعرفة مكانه.

وأضاف الرائد، الذي انتقل مع زوجته وأربعة أطفال إلى سلسلة من المنازل الآمنة، أن مقاتلي طالبان فتشوا منزله واستجوبوا والدته، متابعًا: «إنه أمر خطير للغاية بالنسبة لنا هنا».

وقال إنه لم يتمكن من الوصول إلى أي شخص في الحكومة أو الجيش الأمريكي، بخلاف مستشاره السابق في القوات الجوية الأمريكية، مضيفًا: «يبدو أننا لم نعد مهمين بالنسبة لهم بعد الآن».

وقالت طالبان إن هناك عفوًا عامًا، عن أي أفغاني خدم في الحكومة السابقة، أو عمل مع الحكومة الأمريكية أو الجيش، لكن العديد من طياري القوات الجوية الأفغانية قُتلوا على يد طالبان هذا العام.

وقال الجنرال هيكس: «ليست لديهم خيارات جيدة (..) إنهم معرَّضون لخطر مطاردتهم وقتلهم».

وقال رائد يقود طائرات سي -208 وتم تدريبه في قاعدة للقوات الجوية الأمريكية في تكساس، إنه رفض فرصة للسفر إلى طاجيكستان في أغسطس، لأنه لم يرغب في ترك عائلته، مشيرًا إلى أنه الآن وزوجته وأطفالهما السبعة مختبئون، يعانون نقص المال والطعام.

وتابع الرائد: «حياتنا تزداد سوءًا يومًا بعد يوم (..) لا يمكننا البقاء في مكان واحد، نحن دائما نختبئ، حتى أقاربنا لا يعرفون أين نحن».

وقال الجنرال هيكس، إنه يخشى أن ينفد المال والطعام من الطيارين وأفراد الطاقم في أفغانستان قريبًا، وربما يفقدون الحرية التي تركوها، متابعًا: «لا مكان لهم للاختباء داخل أفغانستان (..) علينا أن ندرك أنه على وشك أن يكون شتاء قاتمًا للغاية بالنسبة لهؤلاء الأشخاص».