أوراق فيسبوك.. عملاق التكنولوجيا يواجه أسوأ أزماته وطوق نجاة يلوح في الأفق

سيل الأخبار السيئة، بما في ذلك موجة الأخبار المحظورة التي نشرتها الصحف الأمريكية، يأتي في وقت تفتقر فيه فيسبوك، إلى المدافعين الصاخبين في الكونغرس

أوراق فيسبوك.. عملاق التكنولوجيا يواجه أسوأ أزماته وطوق نجاة يلوح في الأفق

السياق

«الترويج للتطرف وإيذاء المجتمعات وتهديد الديمقراطية وتشجيع المعلومات المضللة وتعريض صحة الشباب للخطر»، حزمة اتهامات تواجه موقع التواصل الاجتماعي «فسبوك»، في وقت بدا فيه الأخير وحيدًا، بلا مناصرين، بعد أن فقد داعميه في الكونغرس الأمريكي.

ففي الوقت الذي لا تزال فيه الشركة، تبحث عن إجابات لأسئلة المسؤولة السابقة في «فيسبوك» فرانسيس هوغين، التي شاركت بجلسات في الكونغرس والبرلمان البريطاني، مدعومة بـ«مخزون من المستندات المسرَّبة التي تثير التساؤلات»، تكافح «فيسبوك» لإعادة تشكيل صورتها في واشنطن.

وقالت صحفية بوليتيكو الأمريكية، في تقرير، إن سيل الأخبار السيئة، بما في ذلك موجة الأخبار المحظورة التي نشرتها الصحف الأمريكية، يأتي في وقت تفتقر فيه «فيسبوك»، إلى المدافعين الصاخبين في الكونغرس، حتى إن بعض المشرعين الديمقراطيين يرفضون الاجتماع مع الشركة، أو مجموعات الضغط التي تدعمها

.

أسئلة بلا إجابة

وأكدت الصحيفة، أن «فيسبوك»، لا تزال تبحث عن إجابة فعالة للرسالة، التي مفادها أن إحدى مديري منتجاتها السابقين، فرانسيس هوغن، تجري جولات في جميع أنحاء العالم، مدعومة بمخزون من المستندات المسرَّبة، التي تثير تساؤلات عن تعامل الشركة مع خطاب الكراهية، والتضليل السياسي والعلل الاجتماعية الأخرى.

وأشارت إلى أن الإصدار الجماعي لعشرات الآلاف من المستندات، الذي يتطرق إلى كل جوانب أعمال «فيسبوك» تقريبًا ويسبب مخاطر محتملة من الإجراءات القانونية، يعد مأزقًا شاقًا تواجهه أي شركة، بينما يقول حلفاء فرنسيس هوغان، إن المعلومات التي قدَّمتها للكونغرس والمنظمين الماليين ووسائل الإعلام، يجب أن تجلب حسابًا طال انتظاره لـ«فيسبوك».

وتتضمن الوثائق -بحسب "بوليتيكو"- مناقشات لبحث «فيسبوك» الخاص عن تأثيره في الصحة العقلية للمراهقات، إضافة إلى فشل المنصة في وقف نظريات المؤامرة المتعلقة بالانتخابات قبل هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول.

من جانبه، قال روجر ماكنامي، مستثمر سابق تحول إلى ناقد تقني: «بالنسبة للكونغرس ووزارة العدل ولجنة التجارة الفيدرالية ولجنة الأوراق المالية والبورصات والمدعين العامين للولاية، فإن إفصاح فرانسيس هوغن يمثل لحظة فاصلة(..) لقد أزال أي عذر لمزيد من التأخير».

 

عمل رهيب

وقال بول أرجنتي، وهو خبير اتصالات الشركات منذ فترة طويلة وأستاذ في كلية دارتموث: «فيسبوك تقوم بعمل رهيب في التغلب على الأزمة»، مشيرًا إلى أن نهجهم في الاتصالات كان أكثر توجهاً نحو التسويق، وبناء صورة أكثر من محاولة أن تكون شفافة وقائمة على أساس ويمكن للناس احترامها».

وتابع: أفضل استراتيجية عندما يأتي هذا النوع من الهجوم في طريقك، أن تعترف بأنك فعلت شيئًا خاطئًا(..) ستكون بداية جيدة، إلا أنه يبدو أنهم في وضع إنكار لكل شيء وأي شيء».

في المقابل، قال المتحدث باسم «فيسبوك» آندي ستون، إن الشركة لا تندم على الرسائل التي ترسلها للمستخدمين، مضيفًا: «عندما يتم وصف عملنا بشكل خاطئ، لن نعتذر(..) سوف ندافع عن سجلنا».

وفي مكالمة مع المستثمرين، قال الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج إن «ما نراه هو جهد منسق لاستخدام المستندات المسرَّبة بشكل انتقائي، لرسم صورة خاطئة لشركتنا».

ورقة رابحة

ورغم مشكلاته السياسية، لا تزال «فيسبوك» من أكثر الشركات قيمة في العالم، ما اتضح من إعلان الشركة، أن إيراداتها شهدت زيادة بـ 35% على أساس سنوي للربع المنتهي في 30 سبتمبر الماضي، لتصل إلى 29.01 مليار دولار.

وقالت «بوليتيكو»، إن سهم الشركة ارتفاع بنحو 1% حتى قبل إعلان الأرباح، في إشارة محتملة إلى أن المستثمرين لا يرون احتمالًا ضئيلًا لعقوبة خطيرة من واشنطن.

لكن مساعدي «الكونغرس» قالوا إن جهود «فيسبوك» لإرسال جماعات الضغط للسيطرة على الأضرار، منذ أن بدأت تسريبات وتصريحات هوغن تتدفق، لا ترضي الأعضاء الغاضبين وموظفيهم في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ.

«لقد حاولوا تخفيف المخاوف»، يقول أحد مساعدي مجلس النواب الجمهوري، الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته، لمناقشة المحادثات الخاصة، مضيفًا: «إنهم يقومون بجولات(..) إنهم يمررون منشورات المدونات العامة، ويحاولون إما تشويه سُمعة الأشياء أو إثبات الخطأ، فهم يأخذون صحة المراهقين على إنستغرام على محمل الجد، ويتأكدون من إزالة المحتوى السيئ».

 

"فيسبوك" فقد داعميه

قال أحد مساعدي النواب، إن "فيسبوك" فقد دعم حتى المحافظين الملائمين للأعمال التجارية، مثل الجمهوري رقم 2 في مجلس الشيوخ، جون ثون من ولاية ساوث داكوتا، الذي قال على هامش جلسة استماع، إنه منفتح على تفكيك شركات وسائل التواصل الاجتماعي.

واستشهدت رئيسة اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار في مجلس الشيوخ آمي كلوبوشار (ديمقراطية) بمجموعة من القصص الإخبارية، لتجديد اتهاماتها بأن «فيسبوك» كان أقل صراحة مع الجمهور أو المشرِّعين.

وقالت كلوبوشار، عبر «تويتر»: «هناك الكثير مما يجب البحث عنه في هذه الأوراق، عن كيفية قيام فيسبوك بالترويج للتطرف وإيذاء مجتمعاتنا، لكن هذا هو بيت القصيد: لقد عرف فيسبوك».

وتقول «بوليتيكو»، إن «فيسبوك» لا تحظى أيضًا بالكثير من الدعم العام من حلفاء «سليكون فالي» المعتادين في الكونغرس، بما في ذلك مشرعو كاليفورنيا، الذين أمضوا شهورًا في معارضة قوانين مجلس النواب لمكافحة الاحتكار، التي تستهدف عمالقة التكنولوجيا في الولاية.

 

طوق نجاة

قالت النائبة في مجلس النواب الأمريكي زوي لوفغرين (ديمقراطية من كاليفورنيا): إنني قلقة للغاية بسبب الإجراءات والتقاعس المبلغ عنها على فيسبوك، التي تهدد الديمقراطية، وتشجِّع المعلومات المضللة، وتعرِّض صحة الشباب للخطر».

من ناحية أخرى، قالت إنها لا تزال تشعر بالقلق من أن مشاريع قوانين مجلس النواب «إما لا تعالج بعض هذه المشكلات الحديثة، مثل الخصوصية وانتهاكات البيانات، وانتشار المعلومات المضللة والمحتوى المتطرف، والأمن السيبراني، أو ستسبب هذه المشكلات الاسوأ».

وبدلاً من ذلك، قالت لوفغرين إنها تدعم التشريعات التقنية «الذكية والمعقولة»، مثل إنشاء وكالة تنظيمية جديدة، تشرف على المنصات الرقمية.، في تشريع قالت «فيسبوك» إنها تدعمه.

 

«فيسبوك» يستعد للمزيد

وتقول «بوليتيكو »، إن «هوغن»، أثبتت أنها خصم هائل، بينما العقول القانونية تنصحها في كل خطوة على الطريق. مشيرة إلى أن الأخيرة أخبرت لجنة في البرلمان، بأنه عندما «يرى مديرو فيسبوك تضاربًا في المصالح بين الأرباح والأشخاص، فإنهم يواصلون اختيار الأرباح».

من جانبه، قال بيل بيرتون، المتحدث السابق باسم الرئيس باراك أوباما، وهو أكبر ممثل للعلاقات العامة لهوغن في الولايات المتحدة، لصحيفة بوليتيكو: «فيسبوك ليس لديه مشكلة في العلاقات العامة(..) لديهم مشكلة في نموذج العمل، لا يستطيع حتى أفضل المتصلين في العالم توصيلها إليهم».

ويستعد "فيسبوك" داخليًا لتكثيف العاصفة الإعلامية، في وقت تشير فيه التقارير الإخبارية، إلى أن الشركة تستعد لتغيير العلامة التجارية لها، مع استكمال اسم جديد ليعكس طموحاتها في الواقع الافتراضي وهو «metaverse».

وحثَّ نائب رئيس الشؤون العالمية في «فيسبوك»، نيك كليج، الموظفين في مذكرة، على «إبقاء رؤوسنا مرفوعة والقيام بالعمل الذي جئنا إلى هنا للقيام به».

وتابع: «نحتاج إلى أن نجهز أنفسنا لمزيد من العناوين السيئة في الأيام المقبلة»، محذرًا من أن التقارير الإخبارية التي ستنشر عن الأزمة «ستحتوي على توصيفات خاطئة لأبحاثنا ودوافعنا وأين تكمن أولوياتنا».

وفي غضون ذلك، لا تظهر «فيسبوك» أي بوادر للتراجع في مواجهة الأزمة، وهو ما أكده زوكربيرغ خلال مكالمة الأرباح، قائلًا: أنا فخور بسجلنا في التنقل في المقايضات المعقدة(..) يجب أن نرغب في أن تقوم كل شركة أخرى في صناعتنا بالاستثمار وتحقيق النتائج التي لدينا».

 

فزع داخل «فيسبوك»

لكن داخل «فيسبوك»، شعر بعض الموظفين بالفزع من استراتيجيات الشركة لتقليل الضرر، وفقًا لأحد العمال الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته، لأنه غير مصرح له بالتحدث علنًا.

وتقول «بوليتيكو»، إنه بعد أن مثلت هوغين أمام اللجنة التجارية الفرعية في مجلس الشيوخ في 5 أكتوبر، حاولت «فيسبوك» أن تركز القصة على هوغين نفسها، مشيرة إلى أنها «عملت في الشركة أقل من عامين، ولم تكن لديها تقارير مباشرة ولم تحضر أي قرار، نقطة لقاء مع المديرين التنفيذيين على مستوى عال».

خطوة التقليل من أهمية تقارير هوغين، تضاف إلى محاولة نائب رئيس الاتصالات في «فيسبوك» جون بينيت، تصوير هذا الجهد على أنه حملة تشويه، قائلًا عبر «تويتر»: «ينهي أكثر من 30 صحفيًا سلسلة منسقة من المقالات، بناءً على آلاف الصفحات من الوثائق المسرَّبة(..) نسمع أنه للحصول على المستندات، كان على المنافذ أن توافق على الشروط والجدول الزمني الذي وضعه فريق العلاقات العامة، الذي عمل على مستندات مسرَّبة».

 

انتقادات وتلويح بالقضاء

أثار هذا النهج انتقادات واسعة النطاق، من الصحفيين وموظفي «فيسبوك» السابقين، بينما قال جيسي ليهريتش، المؤسس المشارك لمجموعة المحاسبة Accountable Tech والمتحدث السابق باسم هيلاري كلينتون: «أعتقد أنهم هدموا الكثير من الجسور(..) في الوقت نفسه... بعض نقاطهم ستكون مقنعة إذا لم يوبخوا الصحافة لالتزامهم بالحظر».

وأصرت شركة «فيسبوك» على أن المستندات، التي سرَّبتها هوفين من لوحات الرسائل الداخلية على «فيسبوك»، «مسروقة»، ملوِّحة باحتمال اتخاذ إجراءات قانونية ضدها.

عدد متزايد من مكاتب المشرِّعين يرفض لقاء «فيسبوك»، بينما قال أحد مساعدي الكونغرس الديمقراطيين: «يتعامل فيسبوك مع الكونغرس لجعل الأخير يشعر بالغباء، وتصوير الأمور وكأنها معقدة للغاية، بحيث لا يمكننا فهم ذلك».

وقال العديد منهم إنهم لا يعتقدون أن «فيسبوك» يمكن أن يتعافى من هذه اللحظة.

ويتزايد تأثير الكونغرس في عدد من المقترحات، التي يمكن أن تكبح جماح سلطة «فيسبوك»، بما في ذلك مشروع قانون من رئيس لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب لتضييق درع المسؤولية القانونية لوسائل التواصل الاجتماعي والفواتير لتقليل سيطرة عمالقة التكنولوجيا على السوق.

 

ماذا فعلت هوغين؟

أمضت شهورًا في التحضير للتسريب، وبدأت التحدث إلى جيف هورويتز مراسل «وول ستريت جورنال» الذي كشف القصص الأولية عن إفصاحاتها، أواخر العام الماضي، بينما قالت «بوليتيكو» إن هوغين قدَّمت أدلة وبيانات ملموسة، لإثبات ما قاله النشطاء للكونغرس والمدعين العامين بالولاية، وصناع السياسات في أوروبا، ولجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.

وبحسب المجلة الأمريكية، يدعم هوغين فريق من المستشارين ذوي الخبرة السياسية، بمن في ذلك بيرتون ولاري ليسيج، الباحث القانوني البارز في مجال التكنولوجيا الذي ترشح فترة وجيزة لمنصب الرئيس عام 2015.

وتتمتع هوغين بموارد أفضل من أبرز المبلغين عن المخالفات في السنوات الأخيرة، بينما أخبرت صحيفة نيويورك تايمز بأنها حققت أرباحًا كبيرة من استثمار سابق في العملة المشفرة.

وجذبت شهرة هوغين المفاجئة أيضًا اهتمامًا جديدًا بخلفيتها، إضافة إلى الدعم المالي الذي ساعدها في خوض معركتها ضد عملاق التكنولوجيا القوي.

والأسبوع الماضي، أفادت «بوليتيكو» بأن الشبكة الخيرية العالمية لمؤسسة إيباي بيير أوميديار تتعامل مع علاقاتها الإعلامية والحكومية في أوروبا، وتعتزم تقديم المزيد من الدعم.

ويمكن أن تستفيد هي ومحاموها أيضًا من الشكاوى التي قدَّمتها إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات، ويمكن أن تتراوح جوائز المبلغين عن المخالفات من هيئة الأوراق المالية والبورصات، من 10 إلى 30% من الأموال المحصلة، عندما تتجاوز العقوبات المالية ضد الشركة المتهمة مليون دولار.