قصة 14 ساعة أطاحت عمران خان... لماذا تخلى عنه حلفاؤه والجيش؟
قال المحلل السياسي الباكستاني، أحمد القريشي في مقابلة مع السياق، إنه لا يمكن لأي حكومة في باكستان أن تستمر، إذا لم تكن علاقاتها جيدة بالمؤسسة العسكرية الباكستانية.

السياق
بعد أسبوع دراماتيكي ولأول مرة في تاريخ باكستان، أطيح رئيس الوزراء عمران خان، من منصبه، عقب مواجهة بدأت بين المعارضة والحزب الحاكم، استمرت نحو 14 ساعة داخل البرلمان.
ولم يكمل أي رئيس وزراء ولايته في باكستان، ولم يشكل نجم الرياضي الكريكت البالغ من العمر 69 عامًا استثناءً. وقد أطيح بموجب مذكرة لحجب الثقة خلال التصويت عليها في الجمعية الوطنية بعدما فعل كل شيء لتأجيل هذا الأمر المحتوم.
واعتقد خان أنه نجا من هذا المصير -قبل ستة أيام- عبر حصوله على عدم طرح المذكرة على التصويت وأن يحل المجلس، لكن المحكمة العليا قضت بأن هذه العملية غير دستورية.
وصوَّت البرلمان الباكستاني، بالموافقة على حجب الثقة عن رئيس الوزراء عمران خان، بعد أن تمكنت أحزاب المعارضة من الحصول على 174 صوتًا في مجلس النواب المؤلف من 342 عضوًا لدعم اقتراح سحب الثقة، في موقف جعل لها الأغلبية في التصويت.
عملية الاقتراع، التي لم يحضرها سوى عدد قليل من النواب من حزب خان الحاكم، حاول الأخير طوال 14 ساعة مضطربة تأجيلها وعرقلتها في الجمعية الوطنية، من دون جدوى.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس النواب بالبرلمان الاثنين، للتصويت لاختيار رئيس وزراء جديد، حسبما أُعلن السبت.
عزف النشيد الوطني الباكستاني في البرلمان بعد عزل #عمران_خان.#السياق #باكستان #Pakistani #ImranRiazKhan pic.twitter.com/mZbuBKtoz6
— خارج السياق (@k_alsyaaq) April 9, 2022
ساعات ما قبل التصويت
وبينما كان خان يعقد اجتماعات مع الوزراء وكبار الشخصيات العسكرية السبت، خشي الكثيرون أنه سيحاول إقناع الجيش الباكستاني القوي بالتدخل وإعلان الأحكام العرفية، بدلاً من تسليم السلطة للمعارضة، ما يعيد باكستان إلى أيامها السوداء من التدخلات العسكرية، التي أدت إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي.
إلا أن مصدرين تحدثا بشرط عدم كشف هويتهما، قالا إن مجلس النواب صوَّت بعد أن التقى قائد الجيش القوي الجنرال قمر جاويد باجوا خان، مع تصاعد الانتقادات بشأن تأجيل العملية البرلمانية.
ومع تصاعد المخاوف من «انتهاك» خان لقرار المحكمة العليا، اتخذ رئيس المحكمة خطوة غير مسبوقة، بمطالبة المحكمة العليا بالاستعداد لفتح أبوابها منتصف الليل، إذا لم يحدث التصويت. كما أعدت المحكمة العليا في إسلام أباد نفسها لنظر قضية ازدراء المحكمة في وقت متأخر من الليل.
وقبل 10 دقائق فقط من منتصف الليل، الموعد النهائي القانوني للتصويت، استقال رئيس مجلس النواب أسد قيصر، (حليف خان) الذي كان له دوره في طرح التصويت على سحب الثقة في البرلمان، من منصبه، قائلًا إنه لا يستطيع المشاركة في ما وصفها بـ«مؤامرة خارجية» لعزل رئيس الوزراء.
إلا أنه بدلًا من ذلك، نقل دور المتحدث إلى نائب آخر، وفي اللحظات الأخيرة، وبعد أنباء عن ضغوط من الجيش على خان، إما للاستقالة وإما مواجهة التصويت بحجب الثقة، وافق الأخير على عرض رئاسته للوزراء على البرلمان، رغم أنه غادر قاعة البرلمان حيث جرى التصويت.
جاء تصويت الأحد، بعد جلسات تأجيل عدة في القاعة، بسبب الخطب المطولة لأعضاء حزب خان، الذين قالوا إن هناك مؤامرة أمريكية لإطاحة نجم الكريكيت الذي تحول إلى سياسي.
وقال رئيس مجلس النواب أياز صادق، إن أحزاب المعارضة تمكنت من الحصول على 174 صوتًا في مجلس النواب، المؤلف من 342 عضوًا، لدعم اقتراح سحب الثقة، ما جعله تصويتا بالأغلبية.
وأضاف أمام المناضد في القاعة: «نتيجة لذلك جرى تمرير الاقتراح ضد رئيس الوزراء عمران خان». ولم يكن لدى خان -الذي لم يحضر للتصويت- تعليق فوري.
وكما هو متوقع، خسر خان، التصويت الذي أقصاه من السلطة قبل انتهاء فترة ولايته، ليكون أول رئيس وزراء باكستاني يسقط في تصويت بحجب الثقة.
أحمد القريشي @AhmedQuraishiAR الكاتب والمحلل السياسي: حلفاء عمران خان السابقين سيصوتون ليس لإخراجه فقط من السلطة، بل سيتعرض لعملية طرد مهينة من الحكم، وبعدها ستبدأ عملية ملاحقته وأسرته وحزبه عبر قضايا فساد.#السياق #باكستان pic.twitter.com/VmtMYKPQmC
— السياق (@alsyaaq) April 8, 2022
عمران والجيش
بدوره قال المحلل السياسي الباكستاني، أحمد القريشي، إنه لا يمكن لأي حكومة في باكستان أن تستمر، إذا لم تكن علاقاتها جيدة بالمؤسسة العسكرية الباكستانية.
وأوضح -في مقابلة مع "السياق"- أن عمران خان هو الزعيم الباكستاني الوحيد، الذي تلقى دعمًا لا محدودًا من المؤسسة العسكرية الباكستانية، عندما حاول أن يدخل السلطة، مشيراً إلى أن هذه إحدى نقاط التوتر بين المؤسسة العسكرية وأحزاب المعارضة الباكستانية، التي اتهمت المؤسسة العسكرية بالانحياز لخان.
وقال القريشي: خان لم يحسب حسابات المؤسسة العسكرية في الأشهر الأخيرة، مشيرًا إلى أن بعض القرارات التي اتخذها داخليًا وخارجيًا، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية لباكستان، خصوصًا فتح باب علاقات جديدة مع روسيا، في الوقت الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، كان أحد الأخطاء القاتلة لخان.
بالنسبة لعمران خان، فإن سياسته الخارجية، أدت إلى سوء فهم كبير بينه وبين المؤسسة العسكرية الباكستانية، وأدت إلى انتهاء الدعم السياسي، من المؤسسة العسكرية الباكستانية له، كي يستمر في السلطة.
ردود فعل
وصف فؤاد حسين، وزير الإعلام في حكومة خان، تصويت البرلمان بأنه «يوم حزين لباكستان»، مشيرًا إلى «عودة اللصوص ورجل طيب عاد إلى المنزل».
بينما قال محمد علي خان، النائب عن حزب خان، إن رئيس الوزراء قاتل حتى النهاية، وسيعود لقيادة البرلمان في المستقبل.
وقالت ريما عمر، المستشارة القانونية لجنوب آسيا للجنة الحقوقيين الدولية، إنها «نهاية مخزية لفترة ولاية خان»، مضيفة عبر حسابها في "تويتر": «شاب سنوات حكم خان عدم الكفاءة، والرقابة الشديدة، والاعتداء على القضاة المستقلين، والاضطهاد السياسي، والاستقطاب المرير والانقسام، وأخيرًا، التخريب الوقح للدستور»، على حد قولها.
ماذ بعد؟
وتقود خسارة خان الطريق لتشكيل حكومة ائتلافية معارضة جديدة، يتولى فيها زعيم المعارضة شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء السابق المسجون نواز شريف، منصب رئيس الوزراء المؤقت، بينما أعلنت المعارضة عزمها إجراء الانتخابات في الأشهر المقبلة، رغم أنها من المرجح أن تكون في أكتوبر المقبل، على أقرب تقدير.
وقال شريف، الذي سيؤدي اليمين رئيسًا للوزراء في الأيام المقبلة، لصحيفة «الغارديان» إن المعارضة ليست لديها نية للانتقام من خان، ولا نية لمتابعة سياسة الكراهية والانقسام، مشيرًا إلى أن باكستان بحاجة إلى التعافي، ويجب أن تتطلع إلى الأمام.
وأكد شريف أنهم سيمنحون الأولوية للإصلاح الانتخابي لإجراء انتخابات عامة في الوقت المناسب، مضيفًا: «البلد في حالة من الفوضى، لسوء الإدارة الملحمي لحكومة عمران خان(..) من البيروقراطية المشلولة إلى تحديات السياسة الخارجية إلى الاقتصاد المنهار، تسود الفوضى».
وطرحت المعارضة تصويتًا -الأسبوع الماضي- على سحب الثقة وسط أزمة اقتصادية أدت إلى تقويض شعبية خان. وصدم خان المعارضة بإصدار تعليماته لنائب رئيس مجلس النواب، الحليف المقرب، برفض التصويت على أساس مزاعمه بأنها كانت نتيجة «مؤامرة أجنبية» لإسقاطه.
ثم أمر خان الرئيس، وهو حليف آخر، بحل البرلمان وأعلن أن انتخابات جديدة ستجرى في غضون ثلاثة أشهر، ودافع عن هذه الخطوة كمحاولة لحماية باكستان من مؤامرة يقودها الغرب والولايات المتحدة على وجه التحديد للتدخل في شؤونها.
ووصفته المعارضة بأنه «انقلاب مدني» ومحاولة خائنة من خان للتمسك بالسلطة، رغم خسارته للأغلبية، واستأنفوا أمام المحكمة العليا التي نقضت قرار خان.
ماذا قال خان؟
ورغم أن الكثيرين توقعوا أن يستقيل بدلًا من مواجهة الإذلال الناتج عن الهزيمة في البرلمان، فإن خان أوضح -في خطاب ألقاه في وقت متأخر من الليل- أنه لا ينوي التنحي طواعية.
ودعا أنصاره إلى النزول إلى الشوارع في احتجاجات حاشدة، وقال إنه لن يقبل بأي حكومة «مستوردة»، في إشارة مقنعة إلى مزاعمه بأن المعارضة السياسية تآمرت مع قوى غربية لإطاحته، وهي تهمة ينفونها.
وفي تغريدة على "تويتر" بعد حكم المحكمة العليا، كتب خان: «رسالتي إلى أمتنا هي أنني كنت دائمًا وسأواصل القتال حتى الكرة الأخيرة».
وانتُخب خان، الذي كان بطلًا وطنيًا في لعبة الكريكيت ولاعبًا دوليًا، عام 2018، كوجه «حديث» لباكستان، التي حظيت بدعم الجيش ووعدت بالازدهار الاقتصادي ووضع حد للفساد.
لكن الفترة التي قضاها في المنصب أفسدت بسبب الأزمة الاقتصادية، بما في ذلك التضخم القياسي، وخلال وجوده في المنصب، تصاعدت أعمال العنف الديني وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون للمتهمين بالتجديف.
ومع ذلك، لا يزال من المتوقع أن يخوض خان الانتخابات المقبلة، رغم عدم وجود دعم ضمني من المؤسسة العسكرية هذه المرة.