دروس سياسية وعسكرية... لماذا ترفض الصين التخلي عن روسيا؟
رغم الغضب الدولي من موسكو والعقوبات الأوروبية والغربية القاسية التي شملت أركان نظام الرئيس فلاديمير بوتين، إضافة إلى الأصوات التي تطالب بكين بإصلاح سياستها الحالية تجاه روسيا، وإعادة ضبط علاقاتها مع موسكو، فإنه من غير المرجح حدوث تحول في هذا الموقف قريبًا

ترجمات – السياق
مع دخول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أسبوعها السابع، من دون حل يلوح في الأفق، بدأت معظم الدول تعيد حساباتها وفقًا لموازين القوى الجديدة، التي تشكل نواة لعالم ما بعد الحرب الأوكرانية.
إحدى تلك الدول كانت الصين، التي تعلمت دروسًا من الأزمة الروسية الأوكرانية، جعلتها لم تتخل يومًا عن دعم موسكو وإن كانت تحاول إيجاد وسيلة لتوازن العلاقات مع الغرب، بحسب مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
فرغم الغضب الدولي من موسكو والعقوبات الأوروبية والغربية «القاسية» التي شملت أركان نظام الرئيس فلاديمير بوتين، إضافة إلى الأصوات التي تطالب بكين بإصلاح سياستها الحالية تجاه روسيا، وإعادة ضبط علاقاتها مع موسكو، فإنه من غير المرجح حدوث تحول في هذا الموقف قريبًا.
وأرجعت «فورين بوليسي»، موقف الصين إلى سببين: الأول يتمثل في أن التخلي عن حليفتها موسكو لا يخفف أهم تحديات الأمن القومي الخارجي للصين، المتمثلة في المنافسة مع الولايات المتحدة.
السبب الثاني: تمسك الصين بروسيا، ويتمثل في أن الرئيس شي جين بينغ، يركز اهتماماته على الداخل، خاصة أنه مُقبل على فترة رئاسية جديدة لمدة 5 سنوات، خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، المقرر عقده في النصف الثاني من عام 2022، بحسب «فورين بوليسي».
إلهاء استراتيجي
الموقف الرسمي في الصين يتناغم مع «الأصوات القوية» في بكين، التي تؤيد عدم التخلي عن روسيا، لأن الولايات المتحدة لا تقدم أي علامات على تحسن التعامل، ولأن هناك تخوفات داخلية من أن الصين هي التي ستكون في القائمة بعد روسيا.
ورغم استبعاد المجلة الأمريكية حدوث تغيير قريب في العلاقات الصينية الروسية، فإنها عادت لتؤكد أن حرب أوكرانيا تقدم دروسًا وفرصًا للصين.
فرصة للصين
واعتبرت «فورين بوليسي» أن الحرب الأوكرانية فرصة للصين، التي ليست طرفًا في الصراع، الذي لا تدور رحاه على أراضيها، مشيرة إلى أن السياسيين في الصين، يعتقدون أن الحرب زادت نفوذ الصين في مواجهة الولايات المتحدة، وأصبحت معضلة لواشنطن بين سياستها تجاه روسيا وسياسة الصين، وعمقت القلق الأمني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشأن التخلي عن الولايات المتحدة.
وأكدت «فورين بوليسي» أن علاقات الصين بروسيا ينظر إليها على أنها وسيلة ضغط، لترسيم طريق وسط بين موسكو والغرب.
"فروسيا تسير بشكل مباشر على طريق مواجهة مطولة على غرار الحرب الباردة مع الغرب، تعتمد فيها على الصين للحصول على الدعم الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي والدبلوماسي، الذي سينمو بشكل متناسب مع عزلتها عن الغرب"، بحسب «فورين بوليسي».
وتوقعت المجلة الأمريكية أن ينمو الشعور الأيديولوجي بازدراء الولايات المتحدة لدى الصين، التي ستحاول استخدام هذه الحرب لجني أقصى فائدة من أهداف سياستها الخارجية طويلة الأجل.
وأشارت إلى أن روسيا -الصديقة والغنية بالموارد- توفر للصين فناءً خلفيًا استراتيجيًا قيمًا وواسع النطاق مطلوبًا لمنافستها طويلة الأجل، والمواجهة المحتملة مع الولايات المتحدة.
توازن العلاقات
ورغم التناغم الروسي الصيني، فإن «فورين بوليسي»، استبعدت أن تلجأ بكين لقرارات تجعلها تخسر علاقاتها التي وصفتها بـ«الكبيرة» مع الغرب، مشيرة إلى أنها ستعمل على توازنها.
"ففي الوقت الحالي، لا تفعل الصين سوى القليل لمساعدة روسيا، باستثناء الدعم الدبلوماسي والخطابي"، تقول المجلة الأمريكية، مشيرة إلى أن بكين تملك الوسائل لفعل المزيد إذا تغير الوضع.
ورأت المجلة الأمريكية، أنه يمكن لبنوك وأنظمة الصين المالية، أن تجعل شريان الحياة يدب في الاقتصاد الروسي، عبر تكثيف بكين لخططها الهادفة لاستيراد السلع والأسلحة الروسية، بأسعار أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب من جانب، بينما الجانب الآخر يتمثل في صفقة إنقاذ اقتصادية، يمكن أن تمثل طوق النجاة لروسيا حال انهيار اقتصادها.
وعن إمكانية التهرب من العقوبات الغربية، قالت «فورين بوليسي»، إن بكين تستطيع تجنُّب العقوبات الغربية، من خلال القوة المطلقة لنفوذها الاقتصادي والقنوات السرية مع موسكو، مشيرة إلى أن الصين قد تعد العقوبات أيضًا ثمنًا مقبولًا تدفعه مقابل ولاء موسكو وتبعيتها.
ورغم تلك الفوائد الاقتصادية والسياسية، التي ستجنيها الصين من روسيا، فإنه حال تصاعد وتيرة الحرب الأوكرانية، فإن بكين ستعيد ضبط التزاماتها تجاه موسكو، متذرعة باستخدام الأخيرة للأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، وسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.
وتقول «فورين بوليسي»، إن الصين لو حاولت تغيير سياستها تجاه روسيا، فإنها ستتجنب ذلك أثناء حرب أوكرانيا، لأن الرئيس الصيني لا يمكنه التنصل من البيان المشترك الصادر في 4 فبراير الماضي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعاد فيه الطرفان تأكيد تعاونهما.
دروس الحرب
لم تكن الدروس المستفادة من الحرب الأوكرانية سياسية واقتصادية فقط، بل إن «فورين بوليسي» قالت إن الصين استنتجت أن «إعادة التوحيد» القسرية أو ضم تايوان في المستقبل القريب، لن يكون من الممكن تحقيقه.
وأكدت المجلة الأمريكية، أن الغزو العسكري لتايوان قد يكون أكثر تعقيدًا من الناحية العسكرية، وحتى أقل قابلية للتنبؤ به مما يحدث في أوكرانيا، كما أن مخاطر جر الولايات المتحدة وحلفائها إلى صراع على تايوان ستكون أعلى أيضًا.
ثاني الدروس التي استنتجتها الصين من الحرب الروسية، يتمثل في ضرورة الإسراع من الحد في الاعتماد على الأنظمة والتقنيات والموارد المالية للغرب، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت: رغم أن الصين تفعل ذلك حاليًا، فإنه سيكون من الصعب تحقيقه على المدى القصير إلى المتوسط، لاحتياجها للأسواق الغربية ورأس المال والتقنيات في الوقت الحالي.
وأكدت المجلة الأمريكية، أن بكين ستتعلم من أخطاء روسيا، في ساحة المعركة الأوكرانية وفي الدبلوماسية وفي مجال المعلومات، كما فعلت مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ما أثمر ظهور الصين كقوة عالمية.