قضايا الإرهاب تتصدر محكامات النهضة التونسية.. أين ملفات الفساد؟
المحللة السياسية التونسية ضحى طليق تقول لـ السياق إن السلطات تحاول إنقاذ البلاد من براثن الأخطبوط الذي جثم على تونس، باعتماد الوسائل القانونية الممكنة، من دون الوقوع في فخاخ ما يسمى المس بحقوق الإنسان، التي تحسن حركة النهضة ومَنْ والاها استغلالها، خاصة لدى المنظمات الدولية.

ترجمات - السياق
تستمر السلطات التونسية في ملاحقة قيادات حركة النهضة، بين التوقيف والإقامة الجبرية، للتحقيق في ملفات تتعلق بجرائم الإرهاب والعنف، وسط تساؤلات عن أسباب التركيز على ملاحقة "النهضة" أمنيًا، من دون فتح ملف الفساد، خصوصًا أن البلاد تعاني ترديًا اقتصاديًا كبيرًا بسبب إدارة الحركة وحلفائها، خلال العقد الماضي.
ففي ذكرى "ثورة الياسمين"، ذكرت قيادات سياسية بفساد حركة النهضة التونسي، خلال مسيرة جابت شوارع وسط العاصمة.
وأشار حمة الهمامي، الأمين العام لحزب العمال التونسي -خلال المسيرة- إلى أن "فساد النهضة خلال 10 سنوات، أدى إلى إفلاس البلاد، وأن عشريتها كانت الأكثر بؤسًا والأكثر فقرًا في حياة الشعب التونسي".
إجراءات غامضة
وعن عدم ملاحقة قيادات النهضة في ملفات الفساد، قال الكاتب والمحلل السياسي التونسي مختار اللواتي، لـ"السياق": "المسألة معقدة جدًا، وهناك أيضًا شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين تحيرهم الإجراءات ذاتها، التي يرونها غامضة ولا تعبِّـر عن تطلعاتهم".
وأضاف المحلل السياسي التونسي: "كان من الأولى محاسبة ومحاكمة مَنْ أوصلوا البلاد إلى حافة الإفلاس والانهيار، عبر محاسبة ومحاكمة علنيتين، وفق محاكمات عادلة من دون تشفٍ، لا بصفة إقصائية وثأرية".
وأكد اللواتي أن مَنْ تسبب في "كوارث تونس هم الإخوان، وعلى رأسهم حركة النهضة، ولوبيات الفساد وعلى رأسها حزب قلب تونس، مع إضافة الأحزاب التي تحالفت مع حركة النهضة، طوال السنوات العشر الماضية".
ويرى أن "ما زاد القلق الشعبي وخيبة الأمل، أن إجراءات الإقامة الجبرية وأسبابها ضعيفة، قياسًا بما يلاحق مَنْ شملتهم من شبهات إجرام وفساد، وبذلك لم تكن متوافقة مع تصريحات رئيس الدولة التونسية بملاحقة المجرمين والفاسدين والخونة وأعداء الوطن".
ولفت اللواتي إلى أن "الإجراءات التي اتخذتها السلطات، لم تكن في مستوى ما انتظروه، وحتى عملية نقل تاريخ الاحتفال بعيد الانتفاضة، لم تكن قضية لعموم التونسيين، إن ظلت بتاريخ 14 يناير، لأن الشعب ينتظر المحاسبة، وتحقيق الإصلاحات في مؤسسات الدولة".
من ناحية أخرى، لم يغفل اللواتي "انتشار وتغلغل الفساد في مفاصل الدولة، ما صعّب على رئيس الدولة التونسية التحرك وإنجاز بعض الإصلاحات".
وأوضح أن "حركة النهضة اخترقت المؤسسات التي كانت تتحكم فيها، وما زالت أيضًا في كثير منها على الأرجح، بأيدٍ غير مكشوفة الانتماء للحركة أو للوبيات الفساد".
واستند في رؤيته إلى عرقلة المحاكمات ضد متهمي الإخوان في قضايا الاغتيالات، وهو "ما دعا رئيس الجمهورية إلى اتخاذ قرار حل المجلس الأعلى للقضاء".
وعزا اللواتي، تراخي السلطات في ملاحقة الفسادين من قيادات الإخوان، إلى الضغط الخارجي، الذي ينادي باحترام حقوق الإنسان والحريات، التي عدها "كلمة حق يراد بها باطل"، مشيرًا الى أن معارضي الرئيس ومَنْ يحملون لواء الدفاع عن الحريات وعن الدستور وعن الديمقراطية، باستغلال هذه المهادنة أو التراخي وبعض التململ والحيرة في صفوف شرائح من المواطنين، لتجميع الأنصار في معارضتهم".
حقل ألغام
ضحى طليق، الكاتبة والمحللة السياسية التونسية، تقول لـ"السياق": "السلطات تسير على حقل ألغام، بعد قرارات 25 يوليو الاستثنائية"، مؤكدة أن قرارات الإقامة الجبرية بحق قيادات الإخوان إجراء احترازي، منعًا للهروب أو ما شابه ذلك، حتى انتظار استكمال التحريات والملفات، التي كان آخر مَنْ طبقت عليهم ما تعرف بـ(روابط حماية الثورة) وهي مليشيا نهضاوية".
ونوهت ضحى إلى أن هذا الإجراء يُتخذ من وزارة الداخلية التونسية وليس القضاء، وأشارت إلى أن ذلك يؤكد اختراق النهضة الإخوانية للقضاء، خلال السنوات العشرة الأخيرة، وهو ما عدته "أمرًا صحيحًا وبات مفضوحًا، وتسبب في تأجيلات للقضايا وإتلاف ملفات وغيرهما من الممارسات التي عرفها ملفا اغتيال شكري بلعيد والبراهميي، وكذلك المئات من الملفات الإرهابية، وتسفير أبناء تونس إلى بؤر التوتر، إلى جانب التغطية على جرائم الفساد".
ورأت المحللة السياسية التونسية، أن السلطات تحاول "إنقاذ البلاد من براثن الأخطبوط الذي جثم على تونس، باعتماد الوسائل القانونية الممكنة، من دون الوقوع في فخاخ ما يسمى المس بحقوق الإنسان، التي تحسن النهضة ومَنْ والاها استغلالها، خاصة لدى المنظمات الدولية".
نفس طويل
وأكدت المحللة السياسية التونسية ضحى طليق، أن "الشعب التونسي متعجل ويريد مشاهدة الفاسدين يحاسَبون، لكنه واع بأن السرعة قد تؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه، وهو ما يحاول الرئيس قيس سعيد فِعله الآن".
ولفتت إلى أن "عملية التطهير في العمق وطويلة النفس، وتتم بحذر من دون خروق تكون نتائجها وخيمة على مسار الإنقاذ الذي انطلق في 25 يوليو".
من جانبها، قالت الطبيبة التونسية ريم بن عامر، وهي ناشطة وحقوقية لـ"السياق"، إن "محاسبة مَنْ أجرم في حق الشعب ضرورية، لكننا نؤكد تطبيق إجراءات تحترم حقوق الإنسان".
ونوهت إلى أن "إجراءات الإقامة الجبرية نافذة من زمن نظام بن علي، وقد نددنا بها، وأبقى عليها مَنْ اعتلوا السلطة في العشرية السابقة، وعلى رأسهم أعضاء حركة النهضة".
وفي ما يتعلق بتعطل فتح ملفات الفساد، قالت: "نحن ننتظر ونراقب ونتمنى أن تكون الإجراءات سليمة، حتى يحاكم البحيري وغيره محاكمة عادلة، وينصف من ظُلِم وانتُهِكت حقوقه في الفترة السابقة".