الرجال الأقوياء.. تعرف إلى المجموعة التي تحكم قبضتها على روسيا
بينما يركز الغرب على الأوليجارشية في روسيا هناك مجموعة أصغر بكثير تسيطر على السلطة

ترجمات - السياق
سلَّطت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية الضوء على ما وصفتها بـ"الدائرة الداخلية" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي قالت إنها المجموعة التي تحكم قبضتها على السلطة الحقيقية في موسكو.
وأضافت الصحيفة، في تقرير بموقعها الإلكتروني، أن النخبة الحاكمة في موسكو تبدو كأن لديها وهمًا واحدًا فقط هو روسيا، وهو ما رأت أنه يساعد في تفسير المجازفة الجماعية المروعة لأعضاء هذه النخبة من خلال غزو أوكرانيا، فقد يكونون قساة وجشعين لكنهم ليسوا متشككين في فكرة العظمة الروسية، حسب الصحيفة.
الأثرياء الروس
تستخدم وسائل الإعلام الغربية مصطلح الأوليجارشية (حكم الأقلية، وهو من أشكال الحكم، تكون فيه السلطة بيد فئة صغيرة من المجتمع، تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية) لوصف الأثرياء الروس بشكل عام، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في الغرب، أو إلى حد كبير فيه.
واكتسب المصطلح زخماً في التسعينيات، وكثيرًا ما أسيء استخدامه بشكل خطير، ففي عهد الرئيس بوريس يلتسين، هيمنت مجموعة صغيرة من رجال الأعمال الأثرياء على الدولة، ونهبوها بالتعاون مع كبار المسؤولين، لكن بوتين تخلص من هذه المجموعة، خلال سنواته الأولى في السلطة.
تحدي بوتين
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن هناك ثلاثة من كبار الأوليجارشيين السبعة في البلاد، تحدوا بوتين سياسياً، لكن بوريس بيريزوفسكي وفلاديمير جوسينسكي طُردا إلى الخارج، وسُجن ميخائيل خودوركوفسكي ثم نُفي، بينما سُمح للآخرين، والعديد من نظرائهم الأقل مكانة، بالاحتفاظ بأعمالهم داخل روسيا، مقابل الخضوع العام غير المشروط لبوتين، إذ إنه عندما التقى الأخير رجال الأعمال الروس البارزين، بعد غزو أوكرانيا، لم يكن هناك شك في من كان يعطي الأوامر.
ووفقاً للصحيفة، فإن هذه المجموعة ظلت مستقرة ومتجانسة بشكل ملحوظ في عهد بوتين، كما أنها اعتادت أن تكون قريبة منه بشكل شخصي، وقد نهبوا -تحت قيادته- البلاد، لكنهم احتفظوا بمعظم ثرواتهم داخل روسيا، على عكس الأوليجارشية السابقة، كما شاركوا في جرائمه أو وافقوا عليها، بما في ذلك أكبر هذه الجرائم وهو غزو أوكرانيا، إذ إنهم كثيرًا ما رددوا دعاية الرئيس الروسي الشريرة ضد كييف وإداناته للغرب، على حد تعبير الصحيفة.
تنحي بوتين
بينما تتعمق روسيا في هذا المستنقع العسكري والأزمة الاقتصادية الناتجة عن ذلك، فإن السؤال الأهم هو ما إذا كان يمكن عزل بوتين (أو إقناعه بالتنحي) من قِبل النخب الروسية نفسها، في حال عدم إنهاء الحرب بسرعة، من خلال تسوية سلمية، لمحاولة إخراج روسيا وأنفسهم من الحفرة التي حفرها لهم، لكن تقييم فرص حدوث ذلك، يتطلب فهم طبيعة النخبة الروسية المعاصرة، وقبل كل شيء الدائرة الداخلية لبوتين.
ورأت الصحيفة أنه رغم جمع الثروات الهائلة والسلطة، فإنه لا يزال بوتين ودائرته الداخلية مستائين بشدة، من الطريقة التي انهار بها الاتحاد السوفييتي وروسيا في التسعينيات، محذرة من أن القوة الممزوجة بالاستياء الشديد، من أخطر الأمور في السياسة.
وقالت "فاينانشيال تايمز": مع نمو ميول بوتين الاستبدادية، أصبحت السلطة داخل النظام تعتمد أكثر فأكثر على الوصول الشخصي المستمر إلى الرئيس، لكن عدد الذين لديهم هذا الوصول تقلص للغاية، خاصة بعد أن أدت جائحة كورونا إلى انعزال الرئيس الروسي عن المقربين منه بشكل كبير.
الرجال الأقوياء
وذكرت "فايننشال تايمز" أن الدائرة الداخلية لبوتين تضم وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، والرئيس السابق للاستخبارات الداخلية، والمسؤول الحالي عن مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، ونائب رئيس الوزراء السابق، الذي عينه بوتين لإدارة شركة روسنفت للنفط، إيجور سيتشين، كما كان هناك بعض كبار المسؤولين الاقتصاديين ذوي الميول "الليبرالية الوطنية" جزءًا من هذه الدائرة الداخلية، لكنهم استُبعدوا منذ مدة طويلة.
وتابعت: "يُعرف هؤلاء الرجال في روسيا باسم (السيلوفيكي) أو الرجال الأقوياء، لكن يجب الفصل بين السيلوفيكي والنخب الروسية الأوسع، التي تمثل مجموعات كبيرة ومتباينة، من كبار رجال الأعمال والمسؤولين خارج الدائرة الداخلية للرئيس، وشخصيات إعلامية بارزة، وكبار الجنرالات والمثقفين ومجموعة من الأعيان".
ولفتت الصحيفة إلى أن القلق من غزو أوكرانيا وعواقبه يبدو واضحاً بين بعض النخب الروسية الأوسع، الأمر الذي يتضح جلياً في النخب الاقتصادية، نظراً لمخاطرها العميقة في الأعمال التجارية مع الغرب، وفهمها للتأثير الكارثي للعقوبات الغربية في الاقتصاد الروسي، فقد دعا ميخائيل فريدمان رئيس مجلس إدارة شركة "ألفا جروب" التي تضررت بشدة من العقوبات الغربية، وأحد أفراد القلة الحاكمة السابقة في التسعينيات، إلى إنهاء الحرب مبكراً، وهو ما فعله أيضاً قطب الألمنيوم أوليج ديريباسكا.
طريق مسدود
رأت الصحيفة أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق سلام، ودخول الحرب في طريق مسدود، فإن الاقتصاد سيتراجع بشكل حاد وسيشهد الشعب الروسي انخفاضاً حاداً في مستويات المعيشة، ومن ثم فإن الاضطرابات العامة وممارسة الدولة للقمع ومحاولاتها استغلال الأعمال التجارية ستزداد حتماً، وكذلك تعاسة النخب الأوسع.
وأضافت: "قد يأتي بعض الضغط الأكثر فاعلية على نخبة بوتين من أولادهم، فرغم أن جميع الآباء تقريباً نشأوا وبدأوا حياتهم المهنية في السنوات الأخيرة من الاتحاد السوفييتي، فإن أولاد كثيرين منهم تلقوا تعليمهم وعاشوا إلى حد كبير في الغرب، ويتفق الكثيرون منهم -على الأقل في السر- مع إليزافيتا بيسكوف، ابنة المتحدث الرسمي لبوتين ديمتري بيسكوف، التي أعلنت احتجاجها على الحرب عبر "إنستجرام" قبل حذف المنشور بسرعة".
ومع ذلك، فإن السيلوفيكي مرتبطون ارتباطاً وثيقاً ببوتين والحرب، لدرجة أن أي تغيير في النظام الروسي يجب أن يشمل رحيل معظمهم عن السلطة، وذلك ربما مقابل وعد بأنهم لن يلقى القبض عليهم وسيحتفظون بثروة عائلاتهم، حسبما ترى الصحيفة.
وأضافت "فاينانشيال تايمز": رغم أن أحد أسوأ آثار الحرب في أوكرانيا، العزلة الروسية العميقة طويلة الأمد عن الغرب، فإن بوتين والسيلوفيكي (إن لم يكن كثيرين في النخب الأوسع أيضاً) يرحبون بهذه العزلة، إذ أصبحوا معجبين بالنموذج الصيني، الذي يتمثل في الاقتصاد الديناميكي والمجتمع المنضبط، والقوة العسكرية العظمى المتنامية، التي تحكمها سيطرة حديدية من نخبة تجمع بين الثروة الهائلة والوطنية العميقة، مع الترويج لفكرة أن الصين تمثل حضارة منفصلة ومتفوقة.
المجهود الحربي
وفقاً لـ "فايننشال تايمز" فإن السيلوفيكي قد يرغبون في أن يدفع الغرب روسيا إلى أحضان الصين، ورغم ذلك سيحول موسكو إلى مجرد تابع لبكين، كما أنهم يعتقدون أن الحرب في أوكرانيا سترسخ الشعور الوطني في روسيا، فضلاً عن السماح لهم بقمع مكثف باسم دعم المجهود الحربي، وهو ما بدأ بالفعل مع إغلاق آخر وسائل الإعلام الروسية المستقلة المتبقية، وفرض القوانين التي تعاقب أي انتقاد للحرب كخيانة.
وتابعت: "لأسباب تاريخية وثقافية وشخصية عميقة، فإن السيلوفيكي والنخبة الرسمية الروسية بشكل عام ملتزمون -بشكل لا رجعة فيه- بفكرة روسيا كقوة عظمى وقطب واحد لعالم متعدد الأقطاب، وأن مَنْ لا يؤمن بذلك ليس جزءًا من المؤسسة الروسية، وهو ما يشبه الفكر الذي يرى أن مَنْ لا يؤمن بهيمنة الولايات المتحدة على العالم، ليس جزءًا من المؤسسة الخارجية والأمنية الأمريكية".
ونهاية التقرير، قالت "فاينانشينال تايمز": المؤسسة الروسية ترى أن تشجيع القومية الأوكرانية يعد عنصراً أساسياً في استراتيجية واشنطن المناهضة لموسكو، حتى أن الأعضاء الذين يتمتعون بالهدوء والعقلانية في المؤسسة الروسية، أعربوا عن غضبهم الشديد عند رؤية مَنْ يروِّجون لفكرة أنه قد يكون من الأفضل لروسيا أن تترك أوكرانيا تتصرف بحرية، ولذا يبدو أنهم مستعدون للقتال بلا هوادة مدة طويلة بتكلفة هائلة والمخاطرة بنظامهم، لمنع حدوث ذلك".