لماذا لا ينحاز جنوب العالم إلى الغرب في موقفه ضد روسيا؟

خريطة المشاركة العالمية في العقوبات المفروضة على موسكو تشير إلى احتمال ظهور حركة عدم انحياز جديدة

لماذا لا ينحاز جنوب العالم إلى الغرب في موقفه ضد روسيا؟

ترجمات - السياق

سلَط الخبير الاقتصادي السياسي ديفيد أدلر، الضوء على تباين موقف دول العالم، من الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا، قائلاً إن العديد من المعلقين أشاروا إلى خريطة عالمية، تظهر أن قرار الأمم المتحدة إدانة العدوان الروسي في كييف، يؤكد وحدة الغرب والعالم، في مواجهة حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأضاف أدلر، في مقال بصحيفة غارديان البريطانية، أنه من أجل فهم العواقب الجيوسياسية للغزو الروسي، يجب النظر إلى ما وراء المسرح الدبلوماسي للجمعية العامة للأمم المتحدة، لفحص كيفية دخول الدول فعليًا في الحرب بهذه المرحلة من التصعيد السريع، مشيراً إلى أنه لذلك يجب البدء بخريطة مختلفة للعالم، خريطة المشاركة العالمية في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا.

 

مثير للدهشة

يبدو التناقض بين هذه الخرائط مثيرًا للدهشة، إذ إنه بخلاف التحالف الذي يضم الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وكوريا الجنوبية، وسويسرا، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا، وتايوان، وسنغافورة، والاتحاد الأوروبي، اختار عدد قليل جدًا من الدول، المشاركة في الحرب الاقتصادية ضد حكومة بوتين، بينما رفض العديد من أكبر دول العالم، بما في ذلك الصين والهند والبرازيل وبنجلاديش وباكستان وإندونيسيا وحتى تركيا حليفة "الناتو"، الانضمام إلى الحلف، بحسب الكاتب.

وأشار إلى أن دول أمريكا اللاتينية ظلت ثابتة أيضًا في التزامها بالحياد، إذ قال الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور: "لا نرى أن هذه الحرب تهمنا، ولن نتبنى أي شكل من أشكال الانتقام الاقتصادي، لأننا نريد أن تكون لدينا علاقات جيدة بجميع الحكومات"، ورغم تصويت الأرجنتين لإدانة تصرفات روسيا في الأمم المتحدة، فإن وزير خارجيتها سانتياجو كافييرو كان مُصرًا على عدم مشاركة بلاده في دفع العقوبات الجديدة.

 

الجغرافيا السياسية

رأى أدلر أن صدى موقف أمريكا اللاتينية تردد في إفريقيا أيضًا، ناقلًا عن رئيس معهد Imagine Africa الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية بيير سانيه قوله: "لقد ظللنا على مدى خمسة قرون بيادق في أيدي الدول الأوروبية المتحاربة، التي كانت عازمة على نهب إفريقيا من مصادرها البشرية والطبيعية".

وأضاف: " أخبرني سانيه بأن السفارة في أوكرانيا تجند المرتزقة أو المتطوعين من السنغال وساحل العاج للقتال في الحرب".

ووفقاً لأدلر فإن "خريطة العقوبات تشير إلى أن الصدع الحقيقي ليس بين اليسار واليمين، ولا حتى بين الشرق والغرب، ولكن على العكس من ذلك، فإن الخريطة تكشف عن شقاق بين الشمال والجنوب، بين الدول التي نسميها متطورة وتلك التي نسميها نامية، ومن خلال الكشف عن هذا التحول، يمكن للخريطة أن تخبرنا بشيء مهم عن الجغرافيا السياسية في العصر المقبل ذي الأقطاب المتعددة".

ففي عصر العالم أحادي القطب، وذلك خلال الثلاثين عامًا الطويلة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، أُعطيت دول العالم خيارًا بسيطًا إلى حد ما: إما الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، وإما الوقوف بمفردها، وقد سعت دول إلى التجمع في أعمال مقاومة جماعية لهذه القوة المهيمنة، لكن العواقب كانت حتمية إذ تمثلت في غزوات وانقلابات وعقوبات واسعة، لعزل اقتصاداتها عن العالم، حسب الكاتب.

 

قوى جديدة

وقال الكاتب: مع ظهور قوى جديدة تعمل على تشكيل أقطاب جديدة، فإن الخيارات المتاحة للدول المجاورة للولايات المتحدة لم تعد مقتصرة على الامتثال أو المقاومة، حيث يظهر خيار ثالث هو الحياد، مشيرًا إلى أنه بالعودة إلى الحرب الباردة الأولى، كان لهذا الحياد اسم: عدم الانحياز، إذ إنه عندما اشتبكت الولايات المتحدة مع الصين والاتحاد السوفييتي في سماء كوريا، رفضت دول الانحياز إلى أحد الأطراف، وبعد ذلك بخمس سنوات ولدت حركة عدم الانحياز، وتوحد أكثر من 100 دولة حول مبادئ عدم التدخل والتعايش السلمي.

وأضاف: "اليوم باتت الدول في جميع أنحاء العالم مدعوة مرة أخرى للانحياز إما لروسيا وإما للغرب، وقريبًا جدًا إما للصين وإما للغرب، ولكن كما تظهر خريطة العقوبات، فإن الضغط المتبادل بين هذه القوى العظمى، قد يؤدي -مرة أخرى- إلى إطلاق حركة عدم الانحياز".

ورأى الكاتب أنه لا شك في أن هذا الموقف المحايد ستكون له عواقب، لافتًا إلى أنه كثيرًا ما كانت دول عدم الانحياز في الحرب الباردة الأولى، ضحية للعدوان والغزو والحصار الاقتصادي، وهي المخاطر نفسها التي قال إنها تبدو واضحة اليوم.

ونهاية المقال، قال الكاتب: بينما تستعد القوى العظمى لقرن جديد من الحروب، فإن الدعوة إلى عدم الانحياز ستزداد قوة، وأضاف: "مهمتنا فهم أن هذه الدعوة ليست سلبية -كما يُزعم أحيانًا- لكنها تمثل سياسة إيجابية نشطة وبنّاءة، تهدف إلى أن يكون السلام الجماعي أساس الأمن الجماعي".