الجزائر والمغرب.. أزمة جديدة وتلويح بالتصعيد
تصريح الرد بالمثل يسبِّب أزمة بين الجزائر والمغرب.. إلى أين تصل؟

السياق
إعلان وزارة الخارجية الجزائرية، استدعاء سفيرها لدى المغرب فورًا للتشاور، جاء كأحدث حلقة للأزمات المتكرِّرة بين البلدين الجارين، بسبب قضية الصحراء الغربية، إلا أنها تطوَّرت هذه المرة، وأخذت منحى مغايرًا، ينذر بأزمة دبلوماسية وتصعيد محتمل.
الأزمة الجديدة بين البلدين، بدأت قبل أيام، وتحديدًا خلال أعمال اجتماع حركة عدم الانحياز، في 13 و14 يوليو الجاري، بإثارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة قضية الصحراء الغربية، الإقليم المتنازع عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي تطالب بالاستقلال.
إثارة القضية الشائكة، من الجزائر، قوبل باستنكار مغربي، لم يقف عند هذه النقطة، بل تطوَّر إلى توزيع سفير الرباط في الأمم المتحدة عمر هلال، مذكرة على أعضاء منظمة عدم الانحياز، أثار خلالها موضوع «حق تقرير المصير لمواطني القبائل»، معلناً لأول مرة، دعمه حركة استقلال منطقة القبائل ومقرها باريس، التي تصنِّفها جارتها منظمة إرهابية.
إجراءات تصعيدية
إلا أن الجزائر عبَّـرت -من خلال وزارة الشؤون الخارجية- عن غضبها من الموقف المغربي، لتعلن في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، استدعاء سفيرها بالرباط، فورًا للتشاور، نظراً لما وصفته بـ«غياب» أي صدى إيجابي ومناسب، من الجانب المغربي.
وبينما لم تستبعد وزارة الخارجية الجزائرية، اتخاذ إجراءات أخرى، حسب التطور الذي تشهده هذه القضية، أكدت أنها طالبت المغرب، بضرورة توضيح موقفه من الوضع الذي وصفته بـ«بالغ الخطورة الناجم عن التصريحات المرفوضة لسفيره بنيويورك»، بحسب البيان.
العشرية السوداء
إعلان سحب السفير والتلويح بإجراءات أخرى، جاء بعد 3 أيام من بيان أول لوزارة الخارجية الجزائرية، أكدت فيه أن المذكرة، التي وزَّعتها الممثلية الدبلوماسية المغربية بنيويورك، على الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، يكرِّس محتواها بصفة رسمية، اشتراك المملكة المغربية في حملة معادية للجزائر.
وقالت «الخارجية الجزائرية»، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن ما وصفته بـ«الادعاء المزدوج» يُعَدُّ «اعترافًا بالذنب» بخصوص الدعم المغربي متعدِّد الأوجه، الذي يقدَّم حاليًا لجماعة «إرهابية» معروفة، كما كان الحال مع دعم الجماعات الإرهابية، التي تسببت في إراقة دماء الجزائريين خلال «العشرية السوداء».
حملة تراشق
المذكرة المغربية، أثارت ردود فعل كبيرة، على المستويين الإعلامي والشعبي في البلدين، فبينما شبَّهت صحيفة الشروق الجزائرية اليومية، رد فِعل بلادها على الخطوة المغربية، بـ«طوفان غضب»، وصفت صحيفة «هيسبريس» المغربية الغضب الجزائري بـ«السعار».
حملة التراشق بين وسائل إعلام البلدين، لم تتوقَّف حتى اللحظة، فكلاهما يستعين في رؤيته الإعلامية، بمَنْ يؤيد الموقف الرسمي لبلاده، من دون بحث القضية من وِجهة نظر مغايرة.
إلا أن ذلك التناحر الإعلامي، لم يكن له وجود كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أطلق عبرها الناشطون، حملة دعوا فيها إلى ضرورة النأي بالشعبين، عن الصراعات السياسية.
لكن ما هي حركة انفصال منطقة القبائل؟ ولِمَ كل هذا الغضب من الجزائر بسبب التصريحات المغربية؟
حركة انفصال منطقة القبائل المعروفة اختصارا بـ«ماك» تأسست في أعقاب ما يعرف بـ«الربيع الأمازيغي» سنة 2001، ويقودها الناشط الأمازيغي فرحات مهني، الذي يتخذ من العاصمة الفرنسية باريس، مقراً له.
وتتهم السلطات الجزائرية «ماك»، بأنها «حركة انفصالية» وعنصرية، وصنَّفتها ضمن قائمتها للمنظمات الإرهابية.
وجرَّدت الجزائر مؤسسها فرحات مهني، من الجنسية الجزائرية، بعد أن نصَّب نفسه رئيساً لما يسميها "دولة القبائل"، وطالب في أكثر من مناسبة، باستقلال منطقة القبائل عن الجمهورية الجزائرية، وأعلن عام 2010 من باريس، تشكيل حكومة قبائلية مؤقتة، كما أنشأ عملةً وجواز سفر خاصين بمنطقة القبائل، لإنهاء ما سماه «ظلماً واحتقاراً وهيمنةً للحكومة الجزائرية على المنطقة وأبنائها».
وفي 20 أبريل 2021، نظَّم المئات من أنصار الحركة لأول مرة، مظاهرة في قلب مدينة تيزي وزو، حاملين علم الماك الانفصالي، بمناسبة الذكرى العشرين لما وصفوه بـ«الربيع الأسود».
ورغم ذلك، هل كانت حركة "انفصال منطقة القبائل" سبب نزاع البلدين؟
الوضع على الأرض ليس كذلك، فسبب التوتر بين البلدين، الذي يطل برأسه بين الحين والآخر، هو دعم الجزائر لجبهة البوليساريو، التي تطالب باستفتاء لتقرير المصير.
فالصحراء الغربية، التي تصنِّفها الأمم المتحدة، ضمن «الأقاليم غير المتمتعة بالحُكم الذاتي»، يدور حولها نزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
ويسيطر المغرب على نحو 80% من المنطقة الصحراوية الشاسعة والثرية بالفوسفات والموارد البحرية، ويقترح منحها حُكمًا ذاتيًا تحت سيادته.
أما البوليساريو التي أعلنت عام 1976 قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، فتطالب بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، أقرته الأمم المتحدة، تزامنًا مع اتفاق لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع عام 1991، إلا أن تلك المساعي الدولية، لم تنجح في التوصل إلى تسوية النزاع، حتى اليوم.