كاتب أمريكي: انقلاب تركي وإيراني في كردستان العراق.. وغياب أمريكي

في السليمانية، قد تتساهل السلطات مع شكاوى المواطنين، حتى لا تزيد الأمور اشتعالاً، بينما في أربيل، قد تؤدي الشكاوى نفسها إلى الاعتداء على المواطنين في مقار الشرطة، وربما يصل الأمر حد السجن سنوات.

كاتب أمريكي: انقلاب تركي وإيراني في كردستان العراق.. وغياب أمريكي

ترجمات – السياق

حذَّر مايكل روبين، الكاتب الأمريكي، مما سماه -انقلابًا تركيًا إيرانيًا- في كردستان العراق، وسط غياب الولايات المتحدة عن المشهد في الإقليم، مشيرًا إلى أن كردستان العراق، تقدِّم نفسها كحليف للولايات المتحدة فقط، عندما تتوافق مصالحها مع واشنطن، لكنها -في كثير من الأحيان- تعتمد "الغاية تبرِّر الوسيلة"، فتظهر تناقضات القادة الأكراد، بين خطابهم المؤيد لأمريكا وأفعالهم على أرض الواقع، التي تكشف عكس ذلك.

وأرجع روبين، وهو زميل في معهد "أمريكان إنتربرايز"، في مقال بموقع "1945"، الأمريكي، أزمة تناقضات القادة الأكراد إلى انقسام العائلات الحاكمة، وأضاف: "يعود الانقسام بين عائلتي البارزاني والطالباني، إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي، لكنه انفجر في شكل صراع بعد عقدين".

وفي الانتخابات الأولى لحكومة إقليم كردستان، اقترب الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البرزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة جلال طالباني، من التساوي في نتيجة الانتخابات، حتى اتفقا على تقسيم السلطة. ومع ذلك، أدت الخلافات على تقاسم الإيرادات، إلى حرب أهلية وانقسام في المنطقة.

وأضاف روبين، أن الجهود اللاحقة، لجمع شمل الطرفين، كانت تبطن أكثر مما تعلن، وتظهر كأنها تجمِّل المشهد فقط، لكنها ليست حقيقية.

 

أصل الخلاف

كشف الكاتب الأمريكي، عن أصل الخلاف بين عائلتي البارزاني والطالباني، موضحاً أن المشكلة الأساسية، بالنسبة لجميع خطابات عائلة بارزاني، أنهم عشائريون وليسوا قوميين، فترى كل شيء بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني، يدور حول الأسرة، بدءًا من السياسة إلى الاقتصاد.

أما جلال الطالباني، فقد روَّج أيضًا لمصالح الأسرة، لكن ليس بدرجة البرزانيين، كما اتخذ الطالباني موقفًا أكثر تسامحًا تجاه المجتمع، إذ تتميَّـز مدينة السليمانية ببعض الحريات العامة، والتساهل في التعامل بين المواطنين والحكومة، مقارنة بمدينتي أربيل ودهوك، اللتين يديرهما الحزب الديمقراطي الكردستاني.

ففي السليمانية، قد تتساهل السلطات مع شكاوى المواطنين، حتى لا تزيد الأمور اشتعالاً، بينما في أربيل، قد تؤدي الشكاوى نفسها إلى الاعتداء على المواطنين في مقار الشرطة، وربما يصل الأمر حد السجن سنوات.

 

إحباط أمريكي

قال الكاتب الأمريكي، إنه خلال السنوات الأولى للاحتلال الأمريكي للعراق، قوَّض مسؤولو الحزب الديمقراطي الكردستاني، العمليات الأمريكية ضد المخابرات الإيرانية، مقابل مكاسب قصيرة الأجل من طهران، مشيراً إلى أن نيجيرفان البارزاني، كان يبلغ قائد فيلق القدس قاسم سليماني، بالعمليات المقبلة.

وخلال القتال ضد تنظيم داعش، كان الحزب الديمقراطي الكردستاني، يطالب واشنطن بدعمه بالمزيد من المعدات، لمواجهة مسلَّحي التنظيم الإرهابي، لكن عندما يتم توفيرها، إما يتم بيعها من أجل الربح، وإما تخزينها لاستخدامها ضد خصومه، بحسب الكاتب.

وأشار إلى أن رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور البارزاني، سجن صحفيين محليين بتهمة التجسس، لارتكابهم جريمة التحدُّث إلى دبلوماسيين أمريكيين.

لكن منذ وفاة جلال الطالباني وكبر سن أرملته، التي كانت تسيطر مع أبنائها على مفاصل الحزب، بعد وفاة زوجها، أصبح نجلا طالباني بافيل وقوياد وابن عمهما لاهور، مسيطرين على الاتحاد الوطني الكردستاني.

قوباد طالباني، نائب رئيس وزراء إقليم كردستان، مسرور باررزاني، لكنه في الواقع أصبح كطارق عزيز بالنسبة لصدام حسين، داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، إذ لا يملك أي قوة، ويبدو أن مسرور يستخدمه، حين يريد التراجع عن أي وعود أو تأكيدات، يمنحها للدبلوماسيين الغربيين.

بالمقابل، يشترك بافيل مع ابن عمه لاهور، في قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، لكنه يطمح إلى سيطرة أكثر انفرادًا، إلا أن المسؤولين الأمريكيين يعتبرون لاهور، الذي يقود أجهزة المخابرات المحلية، أكثر ثقة وذكاءً وكفاءة، ومحاورًا مفيدًا في هذه المنطقة الصعبة.

 

صفقة شيطانية

وقال مايكل روبين، إن علاقة لاهور بواشنطن، جعلته يجد نفسه في مرمى نيران تركيا وإيران، لأسباب عدة بينها: أنه في حين كانت أنقرة ذات يوم شريكًا قويًا في مكافحة الإرهاب مع الغرب، إلا أنها ظهرت بأنها تحاول اللعب على أكثر من جبهة، من أجل مصالحها فقط.

وأضاف الكاتب، أن من الأشياء التي كشفت دور تركيا الخفي، تعزيز علاقاتها بمسرور البارزاني، في صفقة "شيطانية" تتمثَّل في "مصالح تجارية شخصية لبارزاني مقابل السيادة التركية على المنطقة".

ورغم أن مسرور بارزاني، سبق أن تحدَّث -قبل أربعة أعوام- عن استفتاء يدعم استقلال المنطقة عن العراق، فإنه حوَّل اليوم منطقته إلى مستعمرة للمصالح التركية، كجمهورية شمال قبرص التركية.

ودفعت مخططات وصفقات البارزاني هذه، إلى زيادة شعبية حزب العمال الكردستاني، وفروعه السورية بين الأكراد، وكلاهما تسعى تركيا إلى القضاء عليه.

ولا يزال لاهور عقبة أمام هذا الاتحاد، بين تركيا وبارزاني، لأن الاتحاد الوطني الكردستاني -ولاهور نفسه- يمكن أن ينتقدا حزب العمال الكردستاني، لكن ليس لدرجة التوجُّه نحو  حرب أهلية، من أجل أوامر أردوغان أو غروره.

وأوضح مايكل روبين، أن مساعدة لاهور للولايات المتحدة، تثير غضب أردوغان، لكن إذا نجح مسرور في إضعاف لاهور -بأمر من تركيا- فإن النتيجة المباشرة ستكون عودة تنظيم داعش.

 

موقف إيران

أما بالنسبة لإيران، فقال دبلوماسيون إقليميون، إنه خلال الأسابيع الأخيرة، استخدم مسرور البارزاني وسيطًا عائليًا، لإبرام صفقة مع السلطات الإيرانية التي منحت الضوء الأخضر لتحركه ضد لاهور، مقابل التزام مسرور بطرد الجماعات الانفصالية، مثل أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذين يعيشون في منطقة كوي سنجق بمحافظة أربيل، وبعض المدن الأخرى التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني.

ورغم أن هذه الجماعات، لم تعد تشن أي مقاومة مسلَّحة ضد إيران، فإن طهران تسعى إلى الانتقام التاريخي.

 

نوم أمريكي

بالمقابل، تبدو الولايات المتحدة "نائمة" عمّا يحدث في هذه المنطقة، ولم تقدِّم نفسها كبديل حتى الآن، لإعادة الأمور إلى نصابها، بحسب مايكل روبين.

وحذَّر روبين، من أن توسُّع القوة التركية في المنطقة، سيضعف العراق بدلاً من تقويته، وبذلك فإن وجود مسرور لن يخدم المصالح الأمريكية، فهو أقل مهارة من والده، على المستويين الإداري والقبلي.

أما على المستوى الشخصي، فإن مسرور غير مستقر نفسيًا، بل إن معظم أزمات السياسة الخارجية والسُّمعة السيئة، التي عطَّلت تنمية كردستان، تنبع من مخطَّطات مسرور، أو رغبات تافهة منه في الانتقام لا أكثر، وفقًا لمايكل روبين.

ودعا روبين، الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى عدم تصديق أي من تصريحات مسرور وكبار مسؤوليه الأكراد.

ففي حين أن الحزب الديمقراطي الكردستاني، غالبًا ما ينتقد الاتحاد الوطني الكردستاني، باعتباره مواليًا لإيران، ويخبر المسؤولين الأمريكيين الزائرين، بأن البرزانيين يقفون بحزم ضد إيران، فإن الواقع يختلف كثيرًا.

وأضاف روبين، أن الاعتقاد بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني مناهض لإيران، يعني تجاهل التجارة الضخمة في النفط، الخاضع للعقوبات، عبر الحدود التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، خصوصًا بمنطقة حاجي عمران، الواقعة عند الحدود مع إيران.

وحذَّر روبين، الولايات المتحدة من استمرار الصمت أمام التحركات والعلاقات الخفية، بين عائلة البارزاني وإيران، وقال: إذا نجح انقلاب الحزب الديمقراطي الكردستاني، المدعوم من تركيا وإيران ضد لاهور، فستخسر واشنطن كثيرًا، بدلاً من أن تحل محل شريك استخباراتي مهم في مكافحة الإرهاب بهذه المنطقة، إذ ستضغط قوة فيلق القدس الإيرانية، على الحزب الديمقراطي الكردستاني، لإزعاج القوات الأمريكية، حتى الانسحاب النهائي.

وأوضح الكاتب، أن إدارة بايدن، تقول إنها تريد الحلول الدبلوماسية أولاً، وأضاف: "لكن عليها أن تعرف جيدًا أن جزءًا من الدبلوماسية، يتطلَّب عدم تجاهل الحلفاء، كما حدث إبان عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وقال روبين: "لقد خضت معارك مع لاهور على مر السنين، وما زلت أختلف معه بشدة، في العديد من القضايا المتعلِّقة بالسياسة والصحافة وحقوق الإنسان، لكن ذلك ليس سببًا للاستغناء عنه، خاصة عندما يكون هناك يقين، بأن الشخص الذي يأتي بعد ذلك، سيكون أسوأ بشكل كبير، في أي قضية تتعلَّق بحقوق الإنسان، والأمن المحلي، والمصلحة الوطنية الأمريكية".