طالبان تحاول تلميع صورتها بعد الانسحاب الأمريكي

تخبُّط في سياسة حركة طالبان الجديدة في أفغانستان.. رسائل طمأنة وحملات اغتيال منظمة

طالبان تحاول تلميع صورتها بعد الانسحاب الأمريكي

ترجمات - السياق

«استمروا في العمل، افتحوا محالكم التجارية، احتفظوا بالمتاجر والمدينة نظيفة»... جزء من خطاب أحد قادة حركة طالبان، لمواطني إحدى المدن، التي سيطرت عليها عقب الانسحاب الأمريكي، في محاولة من الحركة لتلميع صورتها.

إلا أن صحيفة نيويورك تايمز، أكدت أنه رغم الصورة التي تحاول طالبان تصديرها، إلى سكان المناطق التي تسيطر عليها، فإن النساء يُجبرن على ترك الوظائف، التي فيها تعامل مع الجمهور، بينما تترك الفتيات من المدارس، ما يقوِّض الكثير من المكاسب التي تحقَّقت خلال العشرين عامًا الماضية من الوجود الغربي.

 

رسالة طمأنة

وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه عندما استولت «طالبان» على حي الإمام صاحب شمالي أفغانستان، أرسل قائد المتمرِّدين، الذي يحكم المنطقة الآن، رسالة طمأنة إلى السكان، بمن في ذلك بعض موظفي الحكومة، وأمر بإعادة تشغيل المياه وإصلاح شبكة الكهرباء، بينما جمعت الشاحنات القمامة.

والإمام، من عشرات المناطق التي سيطرت عليها حركة طالبان، في هجوم عسكري استولت بموجبه، على أكثر من ربع مناطق أفغانستان، العديد منها في الشمال، منذ بدء الانسحاب الأمريكي في مايو الماضي.

استراتيجية جديدة

وأشارت الصحيفة، إلى أن قرارات حركة طالبان، جزء من استراتيجية ذات ملامح أوسع للقادة المسلحين، لإعادة تصنيف أنفسهم بأنهم حُكام قادرون، إلا أنهم من الجهة الأخرى يشنون هجومًا قاسيًا، للاستيلاء على الأراضي في جميع أنحاء البلاد، في إشارة «صارخة» إلى أن المتمرِّدين يعتزمون محاولة الهيمنة الشاملة على أفغانستان، بمجرَّد انتهاء الانسحاب الأمريكي.

وقال سراج الدين حقاني، نائب قائد «طالبان» ورئيس الجناح الأكثر عنفًا في الحركة، إن الوضع يمثِّل فترة اختبار بالنسبة لنا، وأضاف، في بث إذاعي حديث لمقاتلي «طالبان»: "كل شيء تتم مراقبته... تصرفوا بطريقة جيدة مع عامة الناس".

 

حملة اغتيال

لكن الدلائل تشير إلى أن «طالبان» غير مؤهلة للحكم، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إن الحركة تشن حملة اغتيال، ضد موظفي الحكومة وقادة المجتمع المدني وقوات الأمن.

وبالنسبة للكثير من مواطني أفغانستان، «المرعوبين»، كانت مكاسب «طالبان» سببًا للذعر، فهناك خوف واسع النطاق من أن الأسوأ قادم، إذ إن الحركة لديها بالفِعل العديد من عواصم المقاطعات المهمة تحت الحصار.

إلا أن مجموعات إقليمية، بدأت حشد الميليشيات للدفاع عن أراضيها، متشككة في قدرة قوات الأمن الأفغانية على الصمود، في غياب داعميها الأمريكيين، في صدى «مؤلم» لعودة شبح الحرب الأهلية في التسعينيات.

 

قواعد متشدِّدة

وتقول «نيويورك تايمز»، إنه في الأماكن التي تحكمها «طالبان» الآن، فرضت الحركة قواعدها المتشدِّدة القديمة، مثل منع النساء من العمل، أو حتى الخروج من منازلهن من دون مرافق، كما حظرت الموسيقى وطلبت من الرجال التوقُّف عن حلق اللحى، وألزمت السكان بتوفير الطعام لمقاتليها.

وتظهر الوثائق والمقابلات، مع قادة المتمرِّدين ومسؤولي «طالبان»، أن نجاح «الطفرة الأخيرة» لم يكن متوقَّعًا، وأن قادة الحركة يحاولون -بشكل عشوائي- الاستفادة من مكاسبهم العسكرية والسياسية المفاجئة.

وأشارت «نيويورك تايمز»، إلى أنه لم يتم الاستيلاء على المناطق، من خلال القوة العسكرية المحضة، فبعضها سقط بسبب سوء الإدارة، والبعض الآخر بسبب التنافس بين رجال أقوياء وتدني الروح المعنوية بين قوات الأمن.

كوثر، 13 عامًا، وشقيقتها مدينة، 15 عامًا، تجلسان في خيمة للنازحين داخليًا، في مقاطعة جوزجان في مايو، لم تتمكنا من مواصلة تعليمهما، لأن «طالبان» استولت على منزلهما ومنعت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة.

 

رعب بين السكان

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن رسالة قيادة «طالبان» إلى مقاتليها، هي أنه رغم أنهم شهدوا زيادة في الخسائر، فإنهم ينتصرون في معركتهم ضد الحكومة الأفغانية، مع رحيل القوات الدولية.

في الوقت الحالي، تركز «طالبان» على تحسين صورتها في الأماكن التي سيطرت عليها، ففي إحدى مناطق شمالي أفغانستان، ذهب حاكم طالبان الجديد إلى للمنطقة مباشرة إلى الحد الأدنى، محاولًا إقناع السكان بأنهم لن يُقتلوا على الفور.

وقال نجيب الله، أحد السكان المحليين، الذي طلب استخدام اسمه الأول فقط لحمايته: «حياة الجميع آمنة، لكن الناس خائفون وهم غير مرتاحين».

صوّر السكان الخطاب بالهواتف الذكية -التكنولوجيا التي حظرتها حركة طالبان ودمَّرتها في بعض المناطق- مع صدى أبواق السيارات في الخلفية، ترحيبًا بقيادة المنطقة الجديدة. لقد سلط الاستقبال الحار إلى حد ما، الضوء فقط على التعقيدات المستمرة للحرب.

وتحاول حركة طالبان، إبراز متمرِّديها على أنهم خيار مشابه للحكومة الأفغانية، إلا أنها تتجاهل حقيقة أن العداوات المحلية هي الدافع وراء قدر كبير من عنف الحرب، ما يفوق أي أوامر رسمية من قيادة «طالبان».

 

ساحة المعركة

في ساحة المعركة، تتغيَّـر الأمور بسرعة، فالآلاف من الجنود الأفغان وأعضاء الميليشيات، استسلموا في الأسابيع الماضية، وصادرت الحركة، مع سيطرتها على منطقة تلو الأخرى، أسلحة وذخيرة وعربات مصفحة.

بدورها، شنَّت القوات الحكومية هجومًا مضادًا، واستعادت السيطرة على مناطق عدة، وإن لم يكن بحجم انتصارات المتمرِّدين الأخيرة، بينما تسبَّبت حركة طالبان، التي يتراوح مقاتلوها (حسب إحصاء قديم) بين 50 ألفًا و100 ألف مقاتل، في خسائر فادحة للقوات الجوية الأفغانية والأمريكية، ووحدات الكوماندوز الأفغانية، في الأشهر الأخيرة، خاصة جنوبي البلاد.

 

لعبة طويلة

من جانبه، قال الملا بصير أخوند، القائد السابق، عضو «طالبان» منذ عام 1994: إن المقابر على طول الحدود الباكستانية، تمتلئ بشكل أسرع مما كانت عليه في السنوات الماضية.

وقال إبراهيم بحيس، مستشار مجموعة الأزمات الدولية، إنه حتى في الوقت الذي يسعون فيه إلى غزو البلاد، فإن «طالبان» تدرك إرثها من الحكم القاسي، ولا تريد أن تصبح «الدولة المنبوذة والمعزولة نفسها» التي كانت أفغانستان في التسعينيات، مشيرًا إلى أن قادة الحركة يلعبون اللعبة الطويلة.