هل تنجح باكستان في إعادة ضبط علاقاتها المتوترة بأمريكا؟
واشنطن بوست: وزير الخارجية الباكستاني يدعو إلى إعادة ضبط العلاقات وينبغي على واشنطن الإنصات له

ترجمات - السياق
سلَّطت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الضوء على العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان، بعدما تدهورت في عهد رئيس الوزراء السابق عمران خان، الذي اتّهم واشنطن بالتآمر لإطاحته من منصبه.
وذكرت في تحليل لمحرر السياسة الخارجية والأمن القومي بالصحيفة جوش روجين، أن وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال بوتو زرداري، دعا خلال زيارته، الأسبوع الماضي لواشنطن، الإدارة الأمريكية، لإعادة ضبط العلاقات المتوترة بين البلدين، قائلاً إنه يعتقد أن البلدين يتفقان على أكثر بكثير مما يختلفان عليه.
ورغم أن الكاتب توقع صعوبة إعادة الحوار الباكستاني الأمريكي في الوقت الراهن، فإنه وجَّه رسالة للإدارة الأمريكية قائلًا: "يجب أن تسمعوه".
حليف رئيس
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه رغم أن القادة في الحزبين الأمريكيين "الجمهوري والديمقراطي" شطبوا باكستان من حساباتهم إلى حد كبير، فإنها تُعد حليفًا رئيسًا مهمًا من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مشددة على أن أهميتها لا تكمن في كونها خامس دولة في العالم من حيث عدد السكان فحسب، وإنما أيضًا كقوة نووية تقع استراتيجيًا بين الصين والهند وأفغانستان وإيران.
وذكرت أنه بعد سنوات من انعدام الثقة المتبادل بين واشنطن وإسلام أباد، فإن هناك الكثير من الأسباب التي تُشكك في فكرة أن أيًا من الجانبين قادر على القيام بالعمل الشاق المتمثل في إحياء التحالف بين البلدين.
ورأت أن الحجة الأساسية لمحاولة تحسين العلاقات مع باكستان مرة أخرى تستحق المحاولة، في إشارة إلى أن البديل سيكون الصين.
ونقلت عن وزير الخارجية الباكستاني -وهو نجل زعيمين باكستانيين سابقين- تصوره أنه يمكن لكلا البلدين التعلم من أخطاء الماضي، مشددًا على أن السماح للتحالف بمزيد من التدهور "لا معنى له".
وأكد زرداري -نجل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو- في تصريحاته للصحيفة، أن الطريقة التي تطورت بها العلاقات الباكستانية الأمريكية، في السنوات الأخيرة، لا تخدم مصالح الشعبين الباكستاني والأمريكي، مضيفًا: "ما زلت أعتقد أن باكستان والولايات المتحدة تتفقان على أكثر بكثير مما تختلفان عليه".
وأوضحت "واشنطن بوست" أن زرداري، 33 عامًا، يحمل في حقيبته الوزارية إرثين عملاقين، إذ قادت والدته -وهي أول امرأة تقود دولة ديمقراطية ذات أغلبية مسلمة، واغتيلت عام 2007- حزب الشعب الباكستاني في معركة لانتزاع السلطة من الجيش ووكالات الاستخبارات، التي سيطرت على باكستان من الظل لمعظم فتراتها منذ إنشائها كدولة حديثة.
والإرث الآخر، فقد كان والده، آصف علي زرداري، رئيسًا لباكستان بين عامي 2008 و2013، وكان العدو اللدود لعائلة بوتو زرداري، رئيس الوزراء ثلاث مرات نواز شريف، بينما اليوم، شقيق شريف، شهباز شريف هو رئيس الوزراء الجديد، وزرداري أحد أعضاء حكومته.
وتعليقًا على هذا الاتحاد الجديد، يقول زرداري: "الأمر يشبه أن آل ترامب وآل كلينتون جزء من حكومة ائتلافية".
فلسفة التغيير
ورأت "واشنطن بوست" أن الدرس الرئيس الذي استخلصه وزير الخارجية بيلاوال من معارك أسرته الملحمية مع المؤسسات الباكستانية القوية، أن التغيير يجب أن يكون ببطء، ومن خلال المفاوضات لا المواجهة.
ونقلت عن وزير الخارجية الباكستاني قوله: "رغم أنني شاب ومن المفترض أن أكون أكثر مثالية وثورية، بسبب تجربة عائلتنا، فأنا أؤمن بالفعل بالتطور على الثورة".
وعلقت الصحيفة على ذلك بالقول: "ربما يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية المتمثلة في خفض التوقعات قصيرة المدى، والتركيز على التقدم التدريجي في العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان أيضًا".
وأشارت إلى أنه رغم أن اتهامات عمران خان، بالتدخل الأمريكي في السياسة الباكستانية سخيفة، فإنها تلعب دورًا في مواجهة معاداة أمريكا، التي أصبحت متجذرة بعمق في أجزاء من النظام السياسي الباكستاني.
وأضافت أنه بالمثل، في واشنطن، لا يوجد جمهور سياسي قوي لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان.
أسباب للتقدم
وأمام هذه التباينات في المواقف الأمريكية والباكستانية، رأى وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال زرداري، أن هناك أسبابًا للاعتقاد بإمكانية إحراز تقدم في عودة العلاقات.
وأوضح في تصريحاته لـ "واشنطن بوست" أن قضية الخلاف الرئيسة، وهي الحرب في أفغانستان، يمكن أن تكون الآن مجال تعاون، بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان العام الماضي، مضيفًا: "الآن... تتماشى مصالح البلدين إلى حد كبير، بتشجيع طالبان على التصرف بشكل أفضل، وتحقيق الاستقرار للشعب الأفغاني".
وقال وزير الخارجية الباكستاني: "يمكننا الآن تجاوز هذا الخلاف، من دون الحاجة إلى العودة للحديث عن الماضي، إذ إن هناك أرضية مشتركة، وغبارًا أقل للحرب".
ورأى أن تنويع العلاقة خارج القضايا العسكرية قد يساعد أيضًا، مشيرًا إلى أنه في اجتماعه مع وزير الخارجية أنتوني بلينكين في نيويورك الأسبوع الماضي، ناقشا التحرك نحو مزيد من التعاون في التجارة، وتغير المناخ والاستثمار التكنولوجي والأمن الغذائي.
ورغم تصريحات زرداري للتقارب بين البلدين، فإن "واشنطن بوست" رأت أن ما وصفتهم بالمتشككين في واشنطن، سيشيرون بسرعة إلى أن القوة المطلقة في باكستان لا تزال -على ما يبدو- في يد الجنرالات ورؤساء المخابرات.
وأشارت إلى أن الكثيرين في واشنطن، ينتقدون باكستان لرفضها إدانة انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، وامتناعها عن الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا لغزوها أوكرانيا.
وقال روجين في ختام تحليله: "لا تتوقعوا أن تغير الحكومة الباكستانية الحالية تلك السياسات في أي وقت قريب"، مشيرًا إلى أن التوقعات غير الواقعية من الجانبين أحد أسباب تدهور العلاقة في المقام الأول.
وردًا على ذلك، قال وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال زرداري: "إذا كنا سنترك عواطفنا تقف في طريق علاقة بناءة، سنقطع أنفنا لننكب على وجوهنا"، وتساءل كيف نتعامل مع ذلك؟، وأجاب: الحل الوحيد هو المشاركة.
وتعليقًا على تصريحات زرداري، تساءل الكاتب الأمريكي: "ما البديل الأفضل؟"، مشيرًا إلى أنه إذا لم تكن واشنطن راضية عن امتلاك الجيش الباكستاني الجزء الأكبر من القوة والنفوذ، فإن إشراك القادة المدنيين، الوسيلة الوحيدة لتحقيق التوازن في ذلك.
وأضاف: "إذا كانت الولايات المتحدة لا تريد لباكستان أن تتحول من حليف لها إلى دولة عميلة للصين، يجب قبول عرض زرداري بإعادة ضبط هذه العلاقة، وليس تجاهلها".