هل تستطيع روسيا والغرب النجاة من أزمة نووية في أوكرانيا؟

هناك مسؤولين أمريكيين بارزين يروِّجون لأهداف حرب موسعة إلى حد كبير، وتتجاوز مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها من الغزو الروسي

هل تستطيع روسيا والغرب النجاة من أزمة نووية في أوكرانيا؟

ترجمات - السياق

رأت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أن الحرب الروسية في أوكرانيا، قد تتسبب قريباً في أزمة نووية أمريكية روسية كبرى، مشيرة إلى أنه رغم تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه يتفهم مخاطر التصعيد النووي، في حال صدام مباشر بين القوات الأمريكية والروسية، فإن هناك طرقاً أخرى يمكن أن تقود البلدين للدخول في لحظة خطيرة للغاية.

وقالت المجلة، في تحليل لباري آر بوزين، أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن التفاؤل واسع الانتشار بقدرة الولايات المتحدة على تجنُّب الوصول لهذه النقطة، يعتمد -إلى حد كبير- على افتراض أن كلا الجانبين حذر للغاية، في ما يتعلق بالأسلحة النووية، وأنهما يستوعبان هذا التحذير في إدارتهما للحرب، وهو ما عدَّته أمرًا غير صحيح.

وأضافت المجلة أن الأدوات الحاسمة لتجنُّب تصعيد أي حرب، تتمثل في الغايات والحد من الوسائل، لكن يبدو أن هذه الأدوات تتلاشى بسرعة في حرب أوكرانيا، إذ يتضح من التسريبات في العديد من وسائل الإعلام، أن الولايات المتحدة نفسها متورطة بشدة في المجهود الحربي الأوكراني، حيث تقدم مليارات الدولارات في شكل مساعدات عسكرية، ومن المرجح أن تشمل هذه المساعدات أسلحة أكثر تطوراً وأطول مدى، كما أنها تزوِّد الأوكرانيين بالمعلومات الاستخباراتية لدعم العمليات الدفاعية والهجومية، مثل إغراق السفينة الحربية الروسية الكبيرة "ماسكفا".

ورأت المجلة أن المساعدة الاستخباراتية الدفاعية، التي قدَّمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا، دعمت الكثير من الأعمال الاستفزازية، موضحة أن الضباط الروس في الجبهة، أهداف مشروعة ومفيدة لأوكرانيا، ولكن ليس للولايات المتحدة.

وتابعت: "يبدو أن القوات الأوكرانية تشن غارات عبر الحدود الروسية، الأمر الذي يعد منطقياً من وِجهة نظر عسكرية، لكن من ناحية السيطرة على التصعيد، فإن هذا الأمر يعد خطيراً، إذ إن روسيا لا تداهم مصادر إعادة الإمداد الأوكرانية عبر حدود دول الناتو، ولذا فإنه ينبغي لأوكرانيا ألا تداهم مصدر إعادة إمداد الجيش الروسي في موسكو".

ووفقاً للمجلة، فإن هناك مسؤولين أمريكيين بارزين يروِّجون لأهداف حرب موسعة إلى حد كبير، وتتجاوز مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها من الغزو الروسي، حيث أعلن وزير الدفاع لويد أوستن نيته إضعاف روسيا -بشكل جذري- إلى الحد الذي لا يمكنها فيه حشد قوة هجومية لسنوات مقبلة.

ووقَّع وزير الخارجية أنتوني بلينكن على استعادة الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت كييف مسلحة بشكل كافٍ لشن هجمات مضادة قوية على القوات الروسية، كما أعلنت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أن الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا حتى النصر.

تشارك الولايات المتحدة بعمق في المجهود الحربي الأوكراني، على المستويين السياسي والعسكري، كما أنها تدعم أهداف الحرب الأوكرانية المتطرفة، إلى جانب أهداف كييف الحربية القصوى، ومع ذلك، فإن إدارة بايدن لا تزال تعتقد أن التصعيد الروسي غير مرجح، حسب المجلة.

ورأت "ناشيونال إنترست" أنه لا يزال لدى روسيا العديد من الأوراق التي يمكنها أن تلعب بها، بدءًا بحشد أعداد كبيرة من جنود الاحتياط، إلى توسيع الهجمات التقليدية على المدنيين والبنية التحتية الاقتصادية.

وقد يتخيل المرء أن الظروف التي قد يبدو فيها الاستخدام "التكتيكي" للأسلحة النووية، لتحقيق تأثيرات في ساحة المعركة تبدو معقولة، لكنْ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومستشاروه، يدركون أن هذا عمل محفوف بالمخاطر. 

وأضافت: "المشكلة أننا لا نعرف الوضع الحقيقي للقوات العسكرية الروسية أو الأوكرانية، وما نعرفه أن أوكرانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبعض الحلفاء الأوروبيين في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) يبدون مغرورين بعض الشيء، فلا نعرف ما إذا كان ذلك مجرد نوع من الحماس الطبيعي، الذي ينشأ بعد انتصار مثل معركة كييف، أو أنه نابع من اعتقادهم بأن القوات الروسية في ساحة المعركة ربما تكون على وشك الانهيار. 

وأشارت المجلة إلى أن شن روسيا ضربات نووية بأسلحة "منخفضة القوة" على الجسور والسكك الحديدية والمطارات، سيجعل من الصعب على القوات الأوكرانية إعادة إمداد نفسها، ورغم أن المنطق يشير إلى أن شن 5 هجمات فقط، على سبيل المثال، يمكن أن يحدث فرقاً، فإنه بالنظر إلى أن الجيش الروسي الموجود سليل الجيش السوفييتي، فإن أسلوب تخطيطه العسكري قد يشير إلى استهداف عشرات الأماكن، لكن أوكرانيا ليس لديها أسلحة نووية، ولذا فإنه لا يمكنها الرد بالمثل، كما أنها ليست حليفاً في "الناتو"، ولا يوجد بلد آخر ملتزم بالدفاع النووي عنها.

وإذا سارت الحرب التقليدية بشكل سيئ، فإن القيادة الروسية قد تتوصل إلى ورقة نووية رابحة، وهو ما يحتم على الغرب التفكير ملياً في كيفية الاستعداد لهذا الهجوم.

خلال الحرب الباردة، كانت مهمة المخابرات الأمريكية مراقبة القوات النووية السوفيتية، ولا شك أن وكالات الاستخبارات الأمريكية تراقب القوات النووية الروسية باهتمام كبير، ولذا فإن موسكو ستواجه خيارات صعبة، إذا ما فكرت في شن ضربات نووية تكتيكية.

ورغم أنها من المفترض أن تستعد لهذه الضربات سراً، فإن ذلك يبدو غير مرجح، لأن الأقمار الاصطناعية الأمريكية تراقب مخابئها ووحداتها النووية، وسيؤدي أي نشاط غير معتاد إلى إطلاق أجراس الإنذار، وعلى الروس أن يقلقوا مما ستفعله الولايات المتحدة في حال وجود تحذيرات، حسبما أفادت المجلة.

وقالت إنه حتى لو لم تنبه الولايات المتحدة قواتها النووية الاستراتيجية، ولم ينبه حلف الناتو قواته النووية في مسرح العمليات، فإن المستوى العام للاستنفار العسكري في الغرب سيرتفع بالتأكيد، حيث ستزداد أنشطة جمع المعلومات الاستخبارية، التي هي بالفعل مكثفة للغاية، وبذلك فإن مجرد التحضير الروسي لاستخدام الأسلحة النووية في ميدان المعركة، سينتج -على الأرجح- بعض الاستعدادات لتبادل نووي استراتيجي بينها وبين الغرب، لكن عواقب هذه الهجمات النووية ستكون أسوأ.

وتابعت: "باختصار، إذا بدأ الروس الاستعدادات لاستخدام محلي لأعداد صغيرة من الأسلحة منخفضة القوة، ستبدأ عملية تجلب الاستخبارات والقوات العسكرية من الجانبين، على طول المحيط الروسي، إلى مستويات أعلى بكثير من النشاط والتنبيه".

ونهاية التحليل، أضافت المجلة، أن الجانبين لم يتمكنا من إدارة أزمة نووية ثنائية، منذ وقت طويل جداً، كما لا يرغب أحدهما في معرفة ما إذا كان بإمكانه استعادة مهارات إدارة الأزمات القديمة في الحرب الباردة بسهولة.

ولتجنُّب هذه التجربة، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى تقييد أهدافها العسكرية والسياسية بعناية، وكذلك الوسائل التي تستخدمها لتحقيق هذه الأهداف.