لماذا يُبرئ الصحفيون والمثقفون الديكتاتوريين؟

رغم أن العديد من المراسلين الأجانب، يتسمون بالأمانة ويسعون إلى نقل الحقيقة، فإن لدى البعض الآخر جداول أعمال أو علاقات تجارية، تجعل ما يكتبونه أو يقدِّمونه محل شك.

لماذا يُبرئ الصحفيون والمثقفون الديكتاتوريين؟
الخميني

ترجمات - السياق

جوزيف ستالين، ماو تسي تونغ، فيدل كاسترو، الخميني.. ما القاسم المشترك بين أكثر الديكتاتوريين وحشية في القرن العشرين؟ يبدو أنه العشق والتعتيم من كبار الصحفيين في عصرهم، إذ إن أغلبهم أثَّروا في قرارات إدارات أمريكية مختلفة، وفقاً للكاتب الأمريكي مايكل روبين.

وقال روبين، وهو زميل في معهد "أمريكان إنتربرايز"، في مقال بصحيفة "واشنطن إكزامنر"، "لقد حصل مراسل نيويورك تايمز والتر دورانتي، على جائزة بوليتزر عام 1932 لتقريره عن الاتحاد السوفييتي"، في إشارة إلى دور دورانتي وتواطؤه في واحدة من أفظع جرائم ستالين، في أوكرانيا.

وأضاف روبين أن دورانتي، كان ترسًا محوريًا في جهود الدعاية لستالين، فقد تعمَّد الإشادة بعملياته، لكنه تجاهل التجويع المتعمَّد لملايين الأوكرانيين، ما جعله يحظى بمكانة كبيرة لدى الزعيم الروسي الراحل.

يذكر أن تقارير دورانتي عن الاتحاد السوفييتي، كانت عاملاً رئيساً في قرار الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت عام 1933 بمنح اعتراف رسمي بالاتحاد السوفييتي.

وفي ذلك تروي آن أبلباوم، كيف حصل روزفلت، على ندوة شخصية من دورانتي عن الاتحاد السوفييتي، كانت مقدِّمة لأن تدفع أوروبا الشرقية الثمن غاليًا، في إشارة منها إلى الاعتراف الأمريكي بالاتحاد السوفييتي لاحقًا.

 

ديكتاتورية الصين

دورانتي ليس وحده، فقد استخدم إدغار سنو، منبره المتنمر في مجلة Saturday Evening Post  لحث الولايات المتحدة على احتضان الجيش الأحمر الصيني، وإنهاء دعمها للقوميين.

ففي كتاب Red Star over China -الذي أصدره إدغار سنو عام 1937، صور سنو، ماو تسي تونغ مؤسس الجمهورية الصينية، على أنه مصلح سياسي، أكثر من كونه ثوريًا راديكاليًا.

لكن في الواقع، كان ماو أسوأ قاتل جماعي في القرن العشرين، ومسؤولًا عن مقتل أكثر من 45 مليون شخص، أكثر ممن قتلهم أدولف هتلر أو ستالين، بحسب مايكل روبين.

ومثل دورانتي، طوَّر سنو علاقة خاصة مع روزفلت، ساهمت في اتخاذ قرار بخيانة الجمهوريين الصينيين، وقال روبين: "مهما كان شيانغ كاي شيك، الذي تولى رئاسة الصين قبل ماو، قد يكون ديكتاتوراً، إلا أنه لم يكن قاتلاً جماعيًا مثل ماو".

 

الوضع في كوبا

وقال مايكل روبين، إن فولجينسيو باتيستا، سيطر على السياسة الكوبية ربع قرن قبل إطاحته، مشيراً إلى أنه وصل إلى السلطة بعد ثورة الرقباء عام 1933، لكن بحلول عام 1952 ، تخلى عن أي مظاهر للديمقراطية، وحكم بقبضة من حديد.

وأضاف روبين: "هنا جاء دور هومر ويليام بيغارت، المراسل الأمريكي الذي عمل في صحيفة نيويورك هيرالد تريبيون، من 1929 إلى عام 1955 وفي "نيويورك تايمز" من 1955 حتى تقاعده عام 1972"، وتابع: "في فبراير 1958، أمضى المراسل هومر بيغارت أسبوعين، مع الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، في الجبال مع المتمرِّدين، من دون إبلاغ السفارة الأمريكية حينها".

وأبلغت سفارة الولايات المتحدة في هافانا واشنطن، بأن "بيغارت أفاد بأنه لا دليل على تحيُّـز ضد أمريكا، بين الذين تحدَّث معهم".

ونقل بيغارت عن كاسترو، تأكيده أنه لن تكون هناك قطيعة مع أمريكا، وأنه إذا انتصر، سيلغي فقط العقود "الفاسدة أو السيئة" مع الولايات المتحدة، بحسب مايكل روبين.

أما بالنسبة لإرنستو تشي جيفارا، فقد أكد بيغارت أنه ليس شيوعياً بل "يساري وليبرالي".

وأشار روبين، إلى أن هذه التطمينات، تم تسريبها عبر القنوات الدبلوماسية إلى الإدارة الأمريكية، بدلاً من كشف الحقيقة وإرسال تحذيرات، بأن كاسترو غير مخلص لأمريكا، وينتهج العنف طريقًا، إذ استخدم كاسترو فرق إطلاق نار، ضد المعارضين، في المناطق التي يسيطر عليها المتمرِّدون.

 

تبييض صورة الخميني

وأشار مايكل روبين، إلى أن الصحفيين لعبوا دورًا رئيسًا في تبييض صورة الخميني في إيران.

فخلال إقامته القصيرة في فرنسا عام 1978، دعا أتباع الخميني عددًا من الصحفيين، الأكثر ثقة بالنسبة لهم، لإجراء مقابلة معه. وقال حينها لوكالة أسوشيتيد برس: "الرغبة الشخصية والعمر وصحتي، لا تسمح بأن يكون لي دور في إدارة البلاد، بعد سقوط النظام الحالي"، في إشارة إلى سقوط نظام الشاه عام 1979.

وأكد الخميني، لممثل منظمة هيومان رايتس ووتش: "في الحكومة الإسلامية، يتمتع كل الناس بالحرية في إبداء آرائهم".

إضافة إلى دورانتي وسنو، كان هناك ريتشارد فالك، الأستاذ في جامعة برنستون، الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز، الذي ادَّعى أن "تصوير الخميني باعتباره متعصبًا ورجعيًا وحاملًا للأفكار الراديكالية، يبدو بالتأكيد خطأ كبيرًا"، بحسب روبين.

كانت لهذه التصريحات، آذان كثيرة داخل وزارة الخارجية الأمريكية، إذ أوضح زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، في مذكراته أن "المستويات الدنيا في وزارة الخارجية، لا سيما رئيس مكتب إيران، كانت مدفوعة بالكراهية العقائدية للشاه وإرادته ببساطة الخروج من السُّلطة تمامًا".

ورغم تصريحاته المطمئنة، فإنه حينما عاد الخميني إلى إيران، تخلى عن كل مظاهر الديمقراطية، وقال للطلاب في مدينة قُم: "لا تسمعوا لمن يتحدَّثون عن الديمقراطية، كلهم ضد الإسلام، يريدون إخراج الأمة من رسالتها... سننهار... كل الأقلام التي تتحدَّث عن القومية والديمقراطية وما شابه ذلك مسمومة"، وفقًا لمايكل روبين.

الأمانة الصحفية

وأوضح روبين، أن ما يكتبه المراسل الأجنبي، مهم جدًا استخباراتيًا، حتى في عصر الأقمار الصناعية والقرصنة.

ورغم أن العديد من المراسلين الأجانب، يتسمون بالأمانة ويسعون إلى نقل الحقيقة، فإن لدى البعض الآخر جداول أعمال أو علاقات تجارية، تجعل ما يكتبونه أو يقدِّمونه محل شك.

ووفقًا لروبين، فإن الخطر على السياسة هو عندما لا يدرك الدبلوماسيون ذلك، فرغم حديثهم عن التنوع، فإن الكثير من الدبلوماسيين يتجاهلون حقيقة تأثير الصحافة في بعض قراراتهم، التي تعكس تحيُّـزهم لقضية ما أو شخص بعينه.

وأضاف: "للأسف الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، يكرِّران أخطاء الماضي، من خلال تشكيل فقاعة حول عدد من الصحفيين والمثقفين المتشابهين في التفكير... إنهم مستعدون لإقناع أنفسهم بأن المساومة على حرية الروس أو الصينيين أو الكوبيين أو الإيرانيين، أمر معقَّد، بينما يواصل الكوبيون والإيرانيون المسيرات والاحتجاجات ضد أنظمتهم".

وتابع مايكل روبين: "حان الوقت لبايدن وبلينكين، أن يفكرا بتواضع، في أن أولئك الذين يسعون إلى التسوية معهم (إيران مثالاً) لا يمكنهم أن يكونوا شركاء"، في إشارة إلى رؤساء هذه الدول، الذين يسعون إلى عقد اتفاقات دبلوماسية وسياسية مع واشنطن.