لماذا يجب على أمريكا التعامل بجدية مع التهديدات النووية الروسية؟

عادةً ما تصعد الدول من حدة تصرفاتها عند مواجهة احتمال الهزيمة الوشيكة، كما أن بوتين لديه سجل حافل في تنفيذ تهديداته

لماذا يجب على أمريكا التعامل بجدية مع التهديدات النووية الروسية؟

ترجمات - السياق

في فبراير الماضي، لم يكن من السهل تصديق أن أي زعيم عالمي، بمن في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد يفكر بجدية في استخدام الأسلحة النووية، لسبب بسيط، أنهم يدركون العواقب.

ورغم أن التوقعات الخاصة باحتمالات وقوع ضربة نووية مازالت منخفضة، فإن من الأسهل تخيُّل الأمر أكثر مما كان عليه قبل شهرين.

 

الصدام المباشر

قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إنه يُحسب لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أنها كانت مدركة -إلى حد ما- خطر التصعيد، وهو أحد الأسباب التي جعلت الرئيس يؤكد -في وقت مبكر- أنه لن يرسل قوات أمريكية للقتال في أوكرانيا، فالافتراض الكامن وراء هذه السياسة، هو أن عدم خوض الأمريكيين للصراع أو قتلهم للروس على الأرض، سيؤدي لتقليل المخاطر التصعيدية إلى حدها الأدنى، فمن الواضح أن بايدن وإدارته يأملون أن يكون هذا هو الحال، وهو ما يتفق معه الخبراء العسكريون.

ورأت المجلة في تحليل للسياسي الأمريكي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعتي "هارفارد" و"شيكاغو"، ستيفين والت، أن هناك أساسًا منطقيًا لتبني هذا الموقف، إذ كان تجنُّب الصدام المباشر بالأسلحة بين القوات الأمريكية والسوفيتية قاعدة أساسية غير مكتوبة للحرب الباردة، فلو كان الأمريكيون والسوفييت قد بدأوا إطلاق النار على بعضهم في تلك السنوات، لكان خطر حدوث تصعيد عرضي أو غير مقصود كبيراً، وللأسباب نفسها، فإن إبقاء القوات الأمريكية خارج المعركة، الخطوة الصحيحة اليوم.

وأضافت: "لكن للأسف لا تمثل هذه السياسة حاجزاً مطلقاً للتصعيد غير المرغوب فيه، إذ إنه عادةً ما تصعد الدول من حدة تصرفاتها، ليس بسبب مواجهة طرف معين في ساحة المعركة، لكن لأنها فشلت في تحقيق أهدافها الحربية، وربما تواجه احتمال هزيمة كبيرة".

 

درع رادع

حذرت المجلة من أن غياب القوات الأمريكية في أوكرانيا، قد يجعل التصعيد أكثر جاذبية لقادة روسيا، فإذا كان بوتين ودائرته الداخلية يفكرون في استخدام سلاح نووي تكتيكي، واحد أو اثنين ضد أهداف في كييف، فإن حقيقة أنه لن يُقتل الجنود الأمريكيون في الهجوم قد تساعد في تسهيل المهمة.

وأشارت المجلة إلى أنه رغم أنه من غير المؤكد أن هناك أي شخص في الكرملين يفكر بهذه الطريقة بجدية، كما أن ذلك ليس حجة لإرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا كدرع رادع، لكن إبعاد الجنود الأمريكيين عن ساحة القتال لا يلغي كل عوامل التصعيد.

وأعربت المجلة عن قلقها من أن بوتين لديه سجل حافل في إصدار التحذيرات ثم تنفيذها، مشيرة إلى أنه عام 2021، أدت المخاوف بشأن الجهود الغربية لتسليح أوكرانيا والتعاون الأمني ​​المتزايد بين واشنطن وكييف، إلى نشر الرئيس الروسي العديد من قوات الجيش على الحدود، والتهديد بعمل عسكري إذا لم تتم معالجة مخاوفه، لكن رفضت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) إعادة النظر في الالتزام بجعل أوكرانيا عضواً في الحلف، وكانت النتيجة غزو موسكو لكييف، ولذا فإنه بدلاً من رفض التحذيرات الروسية كخدعة، فإنه ربما يتعين على واشنطن أن تأخذها على محمل الجد.

 

تهديد وجودي لموسكو

أضافت "فورين بوليسي": صحيح أن الغزو الروسي لأوكرانيا غير قانوني وغير أخلاقي وغير مبرر، لكنه لم يكن شيئاً أطلقه بوتين كمجرد نزوة، فعدم سير الحملة العسكرية بالشكل الذي توقعه لا يعني أنه قام بها لأسباب تافهة أو متعجرفة، بل على العكس من ذلك، فكما أوضحت خطابات الرئيس الروسي عن هذا الموضوع، فقد رأى هو ودائرته المقربة أن انجراف كييف نحو تحالف فعلي مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، يمثل تهديداً وجودياً لموسكو.

وتساءلت المجلة الأمريكية: "إذا كان بوتين يعتقد أنه سيواجه هزيمة، أو انهياراً عسكرياً، أو حتى الإطاحة من السلطة، لماذا لا يفكر في تصعيد المخاطر؟"، وأجابت أن الأمر سيكون مقامرة بالتأكيد، لكنه راهن مرات عدة، صحيح أنه لن يأمر بشن هجوم نووي واسع النطاق، لأن ذلك سيكون انتحارًا، لكن توجيهه لشن ضربة استعراضية ضد خصم غير نووي أمر آخر.

ومن المؤكد أن استخدام حتى سلاح نووي واحد، يمكن أن يكون ضاراً لروسيا مثل غزوها لأوكرانيا، لأن انتهاك المحرمات النووية يضمن بقاء موسكو منبوذة سنوات عدة، كما أنه سيؤدي لحشد دعم إضافي لأوكرانيا، وإقناع الصين بأن تنأى بنفسها عن روسيا، لكنه قد يخيف الحكومات الغربية بسهولة وسيحفز على إنهاء الصراع بشكل سريع، وفي كلتا الحالتين، فإن الأمر سيشكل سابقة مقلقة للغاية، ولا يمكن لأحد أن يكون على يقين بأن الاستخدام المحدود للغاية سيستمر على هذا النحو، حسب المجلة.

 

سيناريو مزعج

رأت "فورين بوليسي" أن واشنطن لديها الأسباب لتجنُّب هذا السيناريو المزعج، فبصرف النظر عن مدى رغبة البعض في رؤية روسيا مهزومة بشكل حاسم، هناك حدود لمدى القدرة على التعامل مع خصم مسلح نووياً بأمان.

ووصفت المجلة الحرب في كييف، بأنها مأساة بالنسبة لمواطني أوكرانيا، لكنها قالت إن الأمر سيكون أكثر مأساوية إذا حاولت روسيا إنقاذ حظوظها المتضائلة من خلال الصعود لأعلى سلم التصعيد.

وأضافت: "ما زال الاعتقاد السائد هو أن هذا الاحتمال غير مرجح، لكن يجب على القادة الغربيين التعامل مع إمكانية الاستخدام النووي بجدية أكبر، وإنهاء حديثهم الفضفاض عن أهداف الحرب، وإيلاء اهتمام أكبر بإنهاء الحرب أكثر من التركيز على تحقيق نصر حاسم".

ورأت المجلة -نهاية التحليل- أن إنهاء هذه الحرب يتطلب من جميع الأطراف، القبول بأقل مما أرادوا، وذلك يشمل الولايات المتحدة.