لماذا يكثف أردوغان صدام تركيا مع حزب العمال الكردستاني؟

فورين بوليسي: معاداة حزب العمال الكردستاني ورقة أردوغان الانتخابية الجديدة

لماذا يكثف أردوغان صدام تركيا مع حزب العمال الكردستاني؟

ترجمات - السياق

تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن أسباب تكثيف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صدام حكومته، مع حزب العمال الكردستاني، مشيرة إلى أنه يستغل هذا الأمر -اشتداد الصراع مع الحركة المسلحة الكردية في العراق وسوريا- لتحسين فرص إعادة انتخابه.

وأعلن أردوغان أن بلاده تعتزم استكمال "الحزام الأمني" الذي تعمل على إقامته على طول حدودها مع سوريا، في أسرع وقت ممكن، مشيرًا إلى أن أنقرة لا تأخذ إذنًا من أحد لمكافحة الإرهاب وستتدبر أمرها بنفسها.

وشدّد على أن تركيا شرعت في إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني "بي كيه كيه" -الذي تعده أنقرة تنظيمًا إرهابيًا- في الأماكن التي ينشط فيها، وأن الأخير لم يعد قادرًا على إقناع مسلحيه بالبقاء في صفوفه، وفق تعبيره.

وقالت المجلة الأمريكية، في تحليل لفرانشيسكو سيكاردي، كبير مديري البرامج في مؤسسة كارنيغي أوروبا: في 13 مايو الجاري، عارضت تركيا انضمام فنلندا والسويد لعضوية حلف الناتو، بدعوى علاقة هلسنكي وستوكهولم بحزب العمال الكردستاني، وهو ما فسره مراقبون بأن تركيا تستغل هذه الفرصة، لتذكير الحلفاء بمخاوفها الأمنية الدولية والمحلية.

 

عقود من الصراع

وذكرت "فورين بوليسي" أن الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن سعى الأكراد لإقامة حكم ذاتي، ما أدى إلى آلاف الضحايا، وقاد الأخير إلى إنشاء شبكة من الفروع، في العراق وسوريا وأماكن أخرى.

وأشارت المجلة، إلى أنه رغم أن أنقرة خففت موقفها بشأن توسع "الناتو" فإنها كثفت هجماتها ضد الحركة المسلحة الكردية، على طول الحدود الجنوبية.

وذكرت أن حكومة أردوغان، بررت هذه الهجمات، بالرواية التقليدية بأنها تحارب الإرهاب، وأن إزالة أي وجود لحزب العمال الكردستاني، على طول الحدود الجنوبية للبلاد، أمر حتمي للأمن التركي.

وبينت المجلة، أن الأمر المختلف هذه المرة، أن التدخلات العسكرية التركية شمالي سوريا والعراق، إضافة إلى بروز دور أنقرة بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى "الناتو"، قد تكون له آثار داخلية عميقة.

ورأت أنه مع تجاوز تركيا واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العقدين الماضيين، ومواجهة موجات من المشاعر المعادية للاجئين، يتوقع الرئيس التركي إجراء انتخابات عامة صعبة، في يونيو 2023.

وأمام هذه المشكلات التي تواجهه، سعى أردوغان لتحسين وضعه في الداخل، وتأمين مصادر جديدة للاستثمار والعملات الأجنبية والطاقة، يمكن أن تساعده في إعادة انتخابه، حسب المجلة الأمريكية.

 

الجبهة العراقية

وفي ما يخص الجبهة العراقية، بينت "فورين بوليسي" أن تركيا عززت تحالفها مع حكومة إقليم كردستان، التي تسيطر على شمالي العراق، من خلال التفاوض على صفقة طاقة جديدة.

وأشارت إلى أنه بالنظر إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت علاقات الطاقة أكثر أهمية لأي طرفين في العالم، لافتة إلى أنه مع سعي تركيا لتنويع محفظتها من الطاقة، فإن الاكتشاف الأخير لاحتياطات الغاز الطبيعي الكبيرة غير المستغلة شرقي وجنوب كركوك بالعراق، مجرد تذكير آخر لأنقرة بأن حكومة إقليم كردستان شريك استراتيجي مهم.

وفي 18 أبريل الماضي، بدأت القوات المسلحة التركية هجومًا عسكريًا شمالي العراق، أُطلق عليه "قفل المخلب" يستهدف قوات حزب العمال الكردستاني، العاملة في الأنفاق والكهوف والمخابئ، في المنطقة الواقعة بين متينا وزاب في جبال قنديل بإقليم كردستان العراق.

وتشير المجلة إلى أن حزب العمال الكردستاني يستخدم شمالي العراق قاعدة لمهاجمة تركيا منذ عقود.

وحسب المجلة، فإنه رغم نفي البشمركة (الفرع الكردي للجيش العراقي) التعاون مع الجيش التركي في هذا الهجوم، فإن الحزب الحاكم في حكومة إقليم كردستان -الحزب الديمقراطي الكردستاني- لم يدن العملية.

وذكرت المجلة الأمريكية، أن عملية (قفل المخلب) سبقتها اتصالات رفيعة المستوى بين تركيا وحكومة إقليم كردستان، التي تشترك في هدف الحد من دور حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، والتي أبرمت أيضًا صفقة مربحة، لتصدير النفط من كركوك وأربيل في العراق إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط عام 2014.

ورغم اهتمام تركيا بهذه الاتفاقات، فإن تصدير الغاز الكردي إلى تركيا ثم أوروبا يواجه العديد من العقبات، أبرزها (التنافس والاقتتال داخل المعسكر الكردي، والجدول الزمني المؤقت لزيادة الإنتاج على الجانب الكردي، والعلاقة المتضاربة بين أنقرة وبغداد).

وأوضحت "فورين بوليسي" أن النقطة الأخيرة حاسمة لإنجاح صفقة الطاقة، إذ تحتاج الأطراف المعنية إلى العمل معًا، مشددة على أن ذلك لن يكون سهلاً، لأن الحكومة العراقية طعنت في شرعية اتفاقات الطاقة بين أنقرة وأربيل.

وأمام التعنُّت العراقي، تواصلت تركيا بالولايات المتحدة لتهدئة الأمور مع الحكومة العراقية، إذ تشير التطورات إلى إمكانية التعاون المباشر بين العاصمتين، فبعد وقت قصير من بدء عملية قفل المخلب، نشرت الحكومة العراقية قواتها في منطقة سنجار على الحدود بين العراق وسوريا.

ورغم نفي بغداد تنسيق تدخلها مع تركيا، فإنها تشارك أنقرة أهدافها في سنجار، حيث يريد الطرفان الحد من دور الميليشيات التي تعمل في المنطقة، والتي لها صلات بإيران.

في هذا السيناريو -حسب المجلة الأمريكية- هناك عامل آخر قد يجمع أنقرة وبغداد، بعلاقتهما المضطربة مع طهران، مشددة على أن إزالة الميليشيات من سنجار، وإبرام صفقة طاقة جديدة سيحدان من وصول إيران إلى سوريا، ويقللان من دورها كمزود إقليمي للطاقة.

 

الجبهة السورية

أما في ما يخص الجبهة السورية، فبينت "فورين بوليسي" أنه منذ عام 2016، سيطرت تركيا -بشكل مباشر أو غير مباشر- على مساحات شاسعة من الأراضي السورية على طول الحدود السورية التركية.

وكشفت أن بقية المناطق الحدودية تدار من قِبل قوات سوريا الديمقراطية، وهي مجموعة تهدف إلى إنشاء حكومة علمانية تتمتع بالحكم الذاتي شمالي شرق سوريا، وتهيمن عليها ميليشيا كردية سورية.

وحسب المجلة، تعد تركيا هذه الميليشيا مع حزب العمال الكردستاني، مشيرة إلى أنه خلال السنوات الأخيرة ، كانت الخلافات على الدعم المقدم للأكراد السوريين، إحدى نقاط الخلاف الرئيسة بين أنقرة وواشنطن.

وأوضحت أنه منذ أن بدأت عملية قفل المخلب شمالي العراق، صعّدت أنقرة من حدة هجماتها ضد أهداف الميليشيات الكردية شمالي سوريا ، وشنت ضربات متكررة بطائرات من دون طيار وقتلت العديد من الأكراد.

وتستضيف تركيا 3.7 مليون لاجئ سوري مسجل، إضافة إلى ما يقرب من مليوني أجنبي، لكن في الأشهر الماضية، أصبحت حلقات العنصرية متكررة بشكل متزايد، بما في ذلك أعمال شغب عنيفة ضد الجالية السورية في أنقرة.

وأرجعت المجلة الأمريكية ازدياد الاستياء ضد اللاجئين، إلى الأزمة الاقتصادية التي ضرب البلاد، إذ ينظر العديد من الأتراك إلى السوريين على أنهم يسرقون وظائفهم، ويشاركونهم في حقوقهم، من الرعاية الصحية والتعليم.

وأمام تزايد هذه الخلافات، ظهر حزب يميني متطرف جديد مناهض للاجئين، بينما تعهدت بقية المعارضة مرة أخرى، في حال انتخابها، بإعادة جميع اللاجئين إلى سوريا في غضون عامين.

ورداً على هذا الضغط، صعّد أردوغان من لهجته بشأن اللاجئين، ففي 3 مايو الجاري، أعلن الرئيس التركي، أن الحكومة تعمل على مشروع جديد، سيمكن من العودة الطوعية لمليون سوري إلى المناطق الآمنة، التي تسيطر عليها تركيا شمالي سوريا.

وبينت "فورين بوليسي" أنه مع استمرار جدل الترحيل الطوعي، تعمل تركيا على تحقيق هدف استراتيجي مهم، مشيرة إلى أنه إذا نُقل المسلمون السُّنة إلى شمالي سوريا ، سوف يتضاءل عدد السكان الأكراد الذين يعيشون هناك.

وترى أنقرة أن إعادة الهيكلة الديموغرافية، ستمنع ظهور دولة كردية سورية أولية، وتضمن أمن تركيا على المدى الطويل.

وشددت المجلة الأمريكية، على أنه إذا نجحت العمليات العسكرية شمالي العراق وسوريا، لن يكون أردوغان قد أنشأ فقط قطاعًا من الأرض خاليًا من حزب العمال الكردستاني على طول حدوده الجنوبية، وإنما عزز أيضًا تعاون تركيا في مجال الطاقة مع أكراد العراق وقدم حلاً لقضية اللاجئين، وهو ما يمكن أن يستفيد منه خلال الانتخابات.

ورأت أنه "في وقت يشهد ضائقة اقتصادية كبيرة، ويواجه أصعب حملة إعادة انتخاب في حياته السياسية، ستعمل هذه التحركات على تحسين فرص أردوغان الانتخابية".