لماذا تعد النخبة الروسية مفتاح سقوط بوتين؟

وافق معظم هؤلاء الجواسيس على التعاون، بسبب خلافهم الأيديولوجي مع حكوماتهم

لماذا تعد النخبة الروسية مفتاح سقوط بوتين؟
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

ترجمات - السياق

رأى العميل السري السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" دوجلاس لندن، أن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن نظيره الروسي فلاديمير بوتين ينبغي ألا يبقى في السلطة، ستؤدي إلى تعقيد السعي لتحقيق الهدف الذي يفضله قادة الولايات المتحدة وحلفاؤها، مشيراً إلى أنه كان من الأفضل تركه غير مُعلن.

وأضاف لندن، في مقال لشبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية، أن بايدن ومساعديه تراجعوا بسرعة عن تصريحه هذا، ونفوا أنه كان يدعو إلى تغيير النظام في روسيا، لكن لا شك أن المسؤولين الأمريكيين أدركوا الضرر الذي يمكن أن يأتي من هذا التصريح.

خلاف أيديولوجي

وقال لندن: "في لعبة الشطرنج متعددة المستويات الخاصة بديناميات القوة الداخلية الروسية، فإن آخر شيء يحتاجه أولئك الموجودون داخل الكرملين، الذين قد يفكرون في التحرك ضد بوتين، سواء لتغيير اتجاهه في الحرب أم لعزله، هو التشجيع العلني من رئيس أمريكي، فإذا كان الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة التأثير في السلوك الروسي، وليس تغيير النظام، فإن تصريحات الرئيس بايدن لم تكن مفيدة في هذا الصدد".

وقضى لندن، معظم سنوات عمله في "سي آي إيه" في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا وإفريقيا، وكان رئيسًا لمكاتب الوكالة في بعض دول هذه المناطق.

وأشار إلى أنه على مدى عمله أكثر من 34 عامًا عضوًا في الخدمة السرية، التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، عمل على إقناع أولئك الذين يخدمون في الديكتاتوريات الوحشية لأعداء أمريكا الدوليين، بالتجسس لصالح الولايات المتحدة، وأن أولئك الذين وافقوا كان يرحبون بالمزايا المادية، التي جاءت بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، لكن معظمهم قبلوا الفكرة على مضض.

وأضاف: "وافق معظم هؤلاء الجواسيس على التعاون، بسبب خلافهم الأيديولوجي مع حكوماتهم غير القانونية، وقلة منهم تحملوا المخاطر الهائلة على أنفسهم وعائلاتهم، بسبب التقرب مع الولايات المتحدة، لكنهم كانوا يعتقدون أنهم يتصرفون لصالح بلدهم، وليس لخدمة أجندة دولة يعدها الكثيرون قوة أجنبية إمبريالية".

قوة نبيلة

وفقًا للندن، فإن صانعي السياسة الأمريكيين فشلوا تاريخيًا في فهم أن كره الناس لحكامهم المستبدين، لا يُترجم بالضرورة إلى التقرب من الولايات المتحدة أو تبني قيمها السياسية، إذ يفترضون خطأً أنه أياً كان النظام الذي قد ينهض من تحت أنقاض طاغية سقط، أو منافس مناهض لأمريكا، سيشاركنا أجندتنا العالمية أو ديمقراطيتنا.

ولفت لندن، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، إلى أنه في روسيا وفي الديكتاتوريات بالصين وإيران، وهي الدول التي يقدر سكانها الحريات التي يعتقدون أن الأمريكيين يتمتعون بها، يرى القليل فقط أن الحكومة الأمريكية قوة نبيلة، تعمل من أجل الخير للآخرين، لكن ذلك لا يعني أنه عندما تتماشى مصالحهم المشتركة مع مصالحنا لن توفر فرصًا سياسية متبادلة المنفعة.

وأضاف لندن أن أولئك الذين استفادوا في عهد بوتين، كانوا انتهازيين وليسوا أصحاب أيديولوجية معينة، لكن الأكثر نجاحًا منهم هم أولئك الذين يثقون بالقليل، ويحرصون على عدم تكوين أعداء، كما أنهم يشكلون تحالفات قائمة على المصالح المشتركة، ويتخلون عنها عند الضرورة.

وتابع: "لقد أحاط الزعيم الروسي نفسه بأولئك الذين اعتنقوا رؤيته ورددوها، ظاهريًا على الأقل، والقلة الذين انفصلوا عنه عُزلوا وعوقبوا، فقد كان هناك الكثير من الحديث عن (السيلوفيكي) وهم الرجال الأقوياء بالعامية الروسية، وهو المصطلح الذي يطلق على أقوى المسؤولين الحكوميين والأوليجارشيين في روسيا، الذين كانوا أعضاء في الجيش أو المخابرات، وقد ربط العديد من أعضاء هذه الطبقة ثرواتهم ببوتين مع صعوده للسلطة".

مجتمع النخبة

ورأى لندن، الذي يدرس في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون الأمريكية، أن مجتمع النخبة هذا، وليس الجماهير الروسية، هو الذي يمتلك القدرة على تحدي أو عزل بوتين، وسيفعل ذلك بشكل أكثر فاعلية بشكل جماعي، على الأقل في البداية.

وأضاف: "صحيح أن هؤلاء السيلوفيكي ليسوا أصدقاء للولايات المتحدة، ولا مناصرين للتعددية أو مدافعين عن حقوق الإنسان، لكنهم لا يضعون -بالضرورة- عقيدتهم قبل مصالحهم الذاتية، فقد استفاد هؤلاء من تقطيع أوصال الإمبراطورية السابقة، وتبنوا أفكار بوتين وانضموا إلى حكمه الفاسد، حيث تبنت هذه النخبة الجديدة وجهة نظر راعيها في الولايات المتحدة والغرب، كخصم ومنافس رئيس لروسيا، لأسباب عملية تتمثل في فرصتهم الخاصة لتأمين السلطة والحصول على الامتيازات".

ووفقاً للندن، فإن هذه النخبة هي الجمهور المستهدف للضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها، كما يجب أن يكون الهدف مواءمة مصالحهم مع مصالح الغرب، لتسهيل خروج بوتين من حملته العسكرية في أوكرانيا، سواء عن طريق نفوذهم أم بإزاحته من منصبه.

حماقة بوتين

ويمكن للمسؤولين الروس، الذين يؤيدون إنهاء الحرب في أوكرانيا القول إنهم يتصرفون بدافع القلق على روسيا من عواقب حماقة بوتين، لكن على النقيض من ذلك، يمكن تصوير أي روسي يؤيد إقالة الرئيس الروسي، على أنه متحالف مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) أو دمى في يدهما، حسب لندن.

وحذر لندن من أن أي اقتراح لتغيير النظام من قِبل الغرب، سيمكّن بوتين من استخدامه كدعوة حاشدة للوحدة والمقاومة، إذ إنه يصور نفسه على أنه المدافع البطل، الذي ينقذ الأمة من نزوات القوى الأجنبية المعادية، الهادفة لتدمير روسيا.

ونهاية مقاله، قال لندن إن هناك استراتيجية أكثر استنارة، يمكنها استخدام الطبيعة التآمرية لديناميات القوة الداخلية الروسية، إذ إنه يمكن -من خلال الانتهازية والمحافظة على الذات- حث المقربين من بوتين، عبر وكالات المخابرات والأمن والعسكريين، للضغط عليه لتغيير موقفه من الحرب، أو إطاحته، من خلال موافقتهم، في حال عدم تغيير موقفه، لأن آخر شيء قد يرغب السيلوفيكي فيه أن يكونوا حلفاء للولايات المتحدة، لكنهم قد يكونون لاعبين في استراتيجية صيغت بعناية ونفذت بشكل صحيح، من الولايات المتحدة وحلفائها، على حد تعبيره.