هل يقلب انهيار الليرة الموازين على حُكم أردوغان؟

يقول كوك، في مقاله بفورين بوليسي: إن النظام الرئاسي الحالي والصلاحيات الواسعة التي يمنحها للرئيس، وقِلة الرقابة التي يستطيع البرلمان تطبيقها، تجعل تدمير الاقتصاد بقرارات فردية أمرًا ممكنًا

هل يقلب انهيار الليرة الموازين على حُكم أردوغان؟
تراجع كبير في أسعار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي

ترجمات - السياق

يومًا بعد يوم، تزداد أزمة الاقتصاد التركي مع استمرار التراجع الكبير في أسعار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، فهل تكون سببًا في إطاحة الرئيس رجب طيب أردوغان.

يقول ستيفن أ. كوك، كبير زملاء إيني إنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، إن إردوغان يتمتع بسلطات شِبه مطلقة، منذ تعديل الدستور عام 2017، وأضاف، في مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن هذه التعديلات الدستورية التي رعاها أردوغان بنفسه، منحته سلطة تعيين القضاة وكبار أعضاء الحكومة من دون استشارة البرلمان، كما أنه بعد أن ألغى منصب رئيس الوزراء، ومنح صلاحيات لتمديد رئاسة الجمهورية، أصبحت سلطته غير قابلة للنقاش تقريبًا.

وأضاف الكاتب: مع استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أظهرت انخفاضًا في شعبية أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) الحاكم، وعد قادة المعارضة بأنه إذا انتخب الأتراك رئيسًا جديدًا عام 2023، سيعيدون البلاد إلى النظام البرلماني، الذي كان موجودًا قبل عام 2017.

وتعليقًا على هذه الوعود، تساءل كوك: "ما النظام الأفضل لتركيا؟ هل عودة النظام البرلماني الرئاسي الهجين كما تريد المعارضة، أم ما يريده أردوغان وحزبه بالحفاظ على الوضع الراهن، بحجة أن النظام الرئاسي الخيار الأفضل للبلاد؟"، مضيفًا: "لا هذا ولا ذاك يفيد تركيا، ليس لأن البلاد غير قابلة للحُكم، لكن لأن أياً من النظامين لم يحافظ على الديمقراطية، ولم ينجح أي منهما بشكل خاص في إنتاج حُكم جيد".

أجندة أردوغان

ويرى كوك أن التعديلات الدستورية، التي منحت أردوغان سلطات غير محدودة، منحته فرصة كبيرة، لتطبيق أجندته، خاصة مع حصوله على سيطرة أكبر على القوات المسلحة، وجعلته حرًا في متابعة أجندته.

ويضيف: رغم أن أغلبية مشكلات تركيا بدأت قبل التحول إلى النظام الرئاسي، فإن العديد منها تفاقم مع تعديل الدستور، وتابع: "أصبحت تركيا تعج بالفساد،  حيث تتكون الدائرة المقربة للرئيس من المتملقين ومثال ذلك أن المؤهل الرئيس الذي يحمله محافظ البنك المركزي الجديد هو علاقته بصهر الرئيس بيرات البيرق، الذي كانت فترة توليه منصب وزير المالية والخزانة كارثية".

وعدد الكاتب، الأزمات التي تحاصر تركيا، منذ تعديل الدستور، وجمع أردوغان جميع السلطات في يده، منها تراجع الحريات، إذ تعد تركيا سجنًا مفتوحًا للصحفيين، كما لاحقت حكومة العدالة والتنمية عشرات الآلاف أو سجنهم أو إجبارهم على الرحيل، موضحًا أن الأغلبية العظمى من هؤلاء ليسوا من الإرهابيين ولا المؤيدين للإرهاب ولا مدبري الانقلاب المزعوم في 15 يوليو 2016.

وأشار إلى أن أردوغان يحاصر أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري، الذي فاز برئاسة بلدية اسطنبول في انتخابات 2019، لإعادة السيطرة على المدينة الأهم في البلاد، مضيفًا: "سيكون أردوغان على يقين بأن خطأ 2019 لن يتكرر من خلال سيطرته على البرلمان وجهازه القمعي للدولة التركية، فلقد أرسى الأساس لضمان فوز آخر بينما يتابع المدعون قضية لإغلاق حزب الشعب، الأمر الذي من شأنه أن يساعد حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية برلمانية أخرى".

تدمير الاقتصاد

ويقول كوك، في مقاله بـ"فورين بوليسي": إن النظام الرئاسي الحالي والصلاحيات الواسعة التي يمنحها للرئيس، وقِلة الرقابة التي يستطيع البرلمان تطبيقها، تجعل تدمير الاقتصاد بقرارات فردية أمرًا ممكنًا.

ويضيف: في ظل هذه الظروف، من السهل فهم استراتيجية المعارضة السياسية الداعية إلى العودة إلى البرلمان وجاذبيتها الواضحة للأتراك.

ويقول مؤيدو النظام البرلماني إنه حل وسط بين المتصارعين، ويوفر المزيد من الضوابط على الحكومة، ويحمي من محاولات التشبه بالسلطان في عهد أردوغان.

وفي حين لا تزال صور الرئيس التركي مرفوعة في كل مكان ببلدته ريزي، ظهرت للمرة الأولى في شوارع البلدة وبعض مكاتب مسؤوليها المحليين، صور للزعيم كمال كيليجدار أوغلو، الذي يتزعم حزب الشعب الجمهوري، الذي يعد بالعودة إلى نظام ما قبل عام 2017.

ويضيف: "أزمة اقتصادية جلبت الرئيس أردوغان للحُكم، وربما تكون هي التي تطيحه أيضًا".

لكن -يتابع الكاتب- ما كان سببًا في تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وأردوغان في ظل النظام البرلماني، هو جهودهم لسحق المعارضة، إذ شهدت تركيا تحت حُكمهم، سجن الكثير من الصحفيين، واتهام المعارضين بأنهم إرهابيون، ثم إلغاء النظام البرلماني، واعتماد النظام الرئاسي الذي رسخ استبداد أردوغان.

وذكر الكاتب: "يتخيل كيليجدار أوغلو وغيره من المدافعين عن النظام البرلماني في تركيا، أنه إذا انتُخب شخص غير أردوغان رئيسًا عام 2023 -بموجب القواعد السائدة للعبة السياسية- سيتخلى الزعيم التركي الجديد عن سلطة الرئاسة التنفيذية"، مشددًا على أن ذلك يبدو في غير محله، لأن جاذبية السلطة قوية، وتميل الأنظمة الرئاسية إلى مقاومة التغيير .

وتابع: "لكي يحافظ النظام الرئاسي على الديمقراطية وينتج الحكم الرشيد، يحتاج قادته إلى استيعاب الحُكم وفقًا لبعض القواعد والمبادئ الديمقراطية الأساسية".